الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصورة الكاملة

إكرام يوسف

2016 / 7 / 3
حقوق الانسان


لم يكن مشهد ترحيل المذيعة اللامعة المحترمة ليليان داود على النحو الذي تم إخراجه، سوى جزءا جديدا من أجزاء صورة يتم تصويرها على انها صورة مصر اليوم! فبصرف النظر عما إذا كان من الجائز ترحيل المذيعة التي لم يوجه اليها أي اتهام بمخالفة قانون، خلال نصف الساعة من عودتها لمنزلها أثر توقيعها على اخلاء الطرف من عملها السابق؛ وهي أم حاضنة لطفلة مصرية؛ فهذا أمر يفصل فيه القضاء يفتي فيه المتخصصون في القانون، ولست متخصصة!! إلا أنني ـ كمصرية ـ أشعر بالإهانة إزاء مشهد الترحيل، الذي يصور بلدي على هذا النحو من الصغار في التعامل مع ضيوفها! حيث لم يسمح لليليان بتغيير ملابس البيت، وتم اقتيادها لا تحمل سوى حقيبة يد بها محفظتها، بعد ان تم الاستيلاء على هاتفها المحمول حتى لا تتمكن من الاتصال بمحاميها او طمأنة طفلتها على مكان وجودها! كان المشهد مزريا ومهينا ومشينا لصورة مصر التي كان العالم ينظر إليها باعتبارها أم الدنيا، أصل الحضارة وفجر الضمير! فلا يمكن أن يقبل إنسان سوي هذه الخسة في التعامل مع من كانت طوال خمس سنوات فخرا للإعلام المصري بشهادة المنصفين، ولم يبدر منها ما يسيء لمهنتها أو للمصريين! حسنا، من حق المالك الجديد للقناة التليفزيونية ان ينهي التعاقد معها؛ لكن ألا نعلم جميعا ان حتى الأشخاص الذين تعتبرهم سلطات دولة مضيفة "غير مرغوب بهم"، يتم إبلاغهم بضرورة المغادرة خلال مهلة معقول،ة يتمكنون فيها من شحن أغراضهم، وترتيب أوضاعهم الحياتية؟ وكان المشهد في غاية الإسفاف، عندما تم الاستيلاء على بطاقتها البنكية، لسحب ثمن تذكرة الطائرة التي تقرر ترحيلها عليها! كان المشهد مؤلما إنسانيا، ومهينا لمصر وتصغيرا للمصريين أمام العالم! لم يكن هذا المشهد يليق بأم الدنيا!
سبق هذا المشهد مشهد أخر لا يختلف كثيرا، عندما تقرر وقف ابنة المستشار هشام جنينة عن العمل بغير الطريق التأديبي ومن دون حتى إجراء تحقيق يدينها ولو صوريا، في تحد صارخ تحقيق لكل الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية التي تليق بدولة لا ينبغي ان تدار بمنطق "إذا خاصم فجر"! وبصرف النظر عما إذا كانت تستحق الإقالة قانونا، أم لا، فهذا ـ مرة أخرى ـ أمر يحسمه المتخصصون في القانون، ولست متخصصة، لكنني مثل أغلب من سمعوا الموضوع، لا يمكنني أن أتظاهر بعدم فهم أن التنكيل بابنة المستشار جنينة، له علاقة بخصومة أجهزة الدولة مع والدها! غير أنني ـ كمصرية ـ أشعر بالألم، إزاء محاولة تصوير بلدي على هذا النحو من الصغار؛ وإزاء الاستهانة بعقول المصريين وكرامتهم؛ فمتخذو القرار لم يكلفوا أنفسهم إجراء تحقيق، يبررون به القرار، فما أعرفه بقدر ثقافتي ـ المتواضعة ـ انه "لا عقوبة الا بعد تحقيق"! كما أن قرارا كهذا تشوبه الشكوك، والحساسيات بسبب الخصومة المعلنة مع والدها، كان ينبغي التعفف عن اتخاذه على الأقل في هذا الوقت! كان المشهد، أيضا، مؤلما إنسانيا، ومهينا لمصر وتصغيرا للمصريين أمام العالم! لم يكن مشهدا يليق بأم الدنيا!
أضف إلى ذلك مشهد التنكيل بشباب المتظاهرين، الذين لم يثبت في حق أي منهم انه ارتكب جريمة عنف، أو تخريب، تهمتهم الوحيدة انهم عبروا عن رأيهم سلميا!! وبصرف النظر عن مواقفهم القانونية ـ فهذا أمر يفتي فيه المتخصصون في القانون ولست متخصصة ـ فجميعنا نعلم ان التعبير السلمي عن الرأي والتظاهر والإضراب والاعتصام، كلها حقوق مشروعة أقرتها كافة المواثيق الدولية التي وقعت عليها الدولة المصرية! وعندما تناصب الدولة شبابها العداء، وتطلق عليهم مأجورون للتنكيل بهم وخطفهم وتسليمهم لسيارات الشرطة، وتسجل كاميرات اعلام العالم، كيف تنتهك حقوقهم الانسانية منذ اللحظة الأولى للقبض عليهم عزلا، يمارس عليهم أشاوس الشرطة وجلاوزتها ساديتهم، محتمين بما في أيديهم من أسلحة وما حولهم من جنود ومعدات، في مشهد يخلو من كل اعتبارات الشجاعة والمروءة!! المشهد، أيضا، مؤلم إنسانيا، ومهين لمصر وتصغير للمصريين أمام العالم! لم يكن هذا المشهد يليق بأم الدنيا!
ويرتبط بنفس المشهد، مشهد أخر لأهالي المحبوسين والمسجونين احتياطيا، وما يلاقونه من ويلات لمجرد الحصول على إذن بزيارة ذويهم في السجون، ثم ما يلاقونه من عنت في وقت الزيارة ومعاملة مهينة من أشاوس وجلاوزة، شاء حظ بلدنا العاثر ان يرتدوا زيا رسميا يحتمون به للتنكيل بمواطنين، يفترض انهم يدفعون من جيوبهم ضرائب تستخدمها الدولة في الإنفاق على تعليم وتدريب وفتح بيوت هؤلاء الأشاوس!! يتعرض أهالي المسجونين على باب كل سجن من سجون مصر لمهانة، يضطرون لتحملها وهم يعلمون ما يلاقيه ابناؤهم في الداخل من انتهاك للآدمية وحرمان من الحقوق الإنسانية، لمجرد انهم نشأوا على احترام النفس وأمنوا بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وخرجوا يطالبون بحقهم في حياة كريمة تليق بهم كمصريين ينتمون لأم الدنيا مهد الحضارات، فوقعوا في ايدي كائنات تجردت من الإنسانية، ولم تتعلم معنى الكرامة الانسانية، ولم تؤمن بها، فامتلأت بالحقد على من أمنوا بأن الحياة بلا كرامة ليست حياة! لأنهم يكشفون عوراتها وتهافتها، فصبت نيران وحشيتها على شباب مصر، ذخر مستقبلها! وتوالت مشاهد الصغار والفجر في الخصومة، من حرمان المسجونين لما تضمنه لهم لوائح السجون من حقوق قانونية، لا لشيء إلا لمجرد التنفيس عن عقد النقص أمام الأحرار في زنازينهم! وإلا فما معنى الحبس الانفرادي لمدد طويلة بلا مبرر وحرمان المساجين من ساعات التريض، وحرمان بعضهم، مثل المحامي الحر مالك عدلي، من حق النوم على سرير او مرتبة يشتريها من ماله مثلما تسمح لائحة السجن؟ ويترك للنوم على البلاط شهرين حتى الأن رغم ما يعانيه من تدهور في حالته الصحية؟ وما معنى أن ترفض إدارة السجن احتفاظه بصورة فوتوغرافية لطفلته تؤنس وحدته؟ وما معنى أن يتعرض الصحفي محمود قاسم لمتاعب صحية تستدعي نقله الى المستشفى فتتهاون إدارة السجن في علاجه؟ وغيرهما كثيرون يعجز مقال عن حصر أسمائهم.. المشهد، أيضا، مؤلم إنسانيا، ومهين لمصر وتصغير للمصريين أمام العالم! لا يليق بأم الدنيا!
وفي قلب الصورة، تظهر مشاهد ملاحقة الشرطة لطلاب الثانوية العامة، الذين صدموا وهم ـ بعد ـ في ريعان الصبا وعلى مشارف مرحلة الشباب، بما عشش في ربوع الوطن من عفن وفساد، يهدد مستقبلهم الذي هو مستقبل الوطن بأسره! وينذر بضياع جهدهم وما تحمله أهلوهم من شقاء وتضحيات بأمل أن يوفروا لأبنائهم فرصة تعليم محترم، اجتهدوا وكدوا من اجلها!! وتتردد في وسائل الاعلام الرسمية تلميحات عن اتجاه لإلغاء مكتب التنسيق، الذي كان أخر مظهر هش من مظاهر التكافؤ في الفرص، من أجل ان يتحول التعليم الجامعي ـ في ظل ما نعرفه جميعا من فساد ـ حكرا على أبناء المرضي عنهم، لا يلتحقون به بناء على اجتهاد وتفوق وانما، بناء على ما تحويه خزائن آبائهم، أو مدى قربهم من أولياء النعم!
كل هذه المشاهد المؤلمة إنسانيا، والمهينة لمصر والمصريين أمام العالم! تمثل أركان صورة كاملة لا تليق بأم الدنيا.. ولا يجب أن تستمر طويلا!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار