الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مُخرج على الطريق: الشخصية أهم من الحدّوتة (1-3)

عدنان حسين أحمد

2016 / 7 / 4
الادب والفن


صدر عن دار "الكتب خان للنشر والتوزيع" بالقاهرة كتاب جديد للمخرج المصري محمد خان يحمل عنوان "مُخرج على الطريق" وهو من الكتب المهمة التي يصعب تصنيفها لأنها تجمع بين المذكّرات، واليوميات، والسيرة الذاتية، والسيرة السينمائية، والمقال النقدي، والعمود الصحفي، وأدب الرحلات، والانطباعات الأدبية والفنية وما إلى ذلك. كما أن أسلوب هذه المقالات المنشورة في خمس صحف مصرية وعربية وهي "الحياة"، "القبس"، "القاهرة"، "الدستور المصرية" و "التحرير" منذ عام 1991 وحتى عام 2014، هو أسلوب سلس، وشيّق يجمع هو الآخر بين الجملة النقدية المُحترفة، والعبارة القصصية المنسابة، وروحية المقال المتحفِّز، وحيوية العمود الصحفي النابض الذي يحلو لكاتبه أن يطعِّمه ببعض الكلمات الدارجة في المحكيّة المصرية المُحببة التي تجد طريقها بسهولة ويسر إلى عقل القارئ العربي من المحيط إلى الخليج.
لابد من الإشارة إلى المقدمة الجميلة التي كتبها الناقد السينمائي طارق الشناوي لافتًا عناية القارئ إلى أن العديد من روّاد السينما قد مارسوا الكتابة الصحفية التي تتعلق بالسينما خاصة أو بقية الفنون بشكل عام أمثال أحمد جلال، أحمد بدرخان، محمد كريم، أحمد كامل مرسي، صلاح أبو سيف ومن السينمائيين المعاصرين أتى على ذكر داود عبد السيد، هالة خليل، مجدي أحمد علي وكاملة أبو ذكري إضافة إلى آخرين لا يتسع المجال لذكرهم جميعًا، غير أن ميزة محمد خان التي يتفرد بها عن السينمائيين الكُتّاب، كما يذهب الشناوي أنه "يكتب بروح الهاوي والتزام المحترف" (ص10).

مفاتيح القراءة
لعل أهم ما في مقدمة الشناوي في معرض إشارته إلى عمود خان الأسبوعي أنه "يمنح (القارئ) الكثير من المفاتيح لقراءة أخرى لتلك الأفلام"(ص11). فهو بالأساس كاتب، وسينارست وناقد قبل أن يكون مُخرجًا سينمائيًا مُنقطعًا إلى إنجاز أفلامه الروائية القصيرة والطويلة على حدٍ سواء. هذه "المفاتيح الكثيرة" التي يقدمها خان تبدأ من الفكرة وهي في طور الجنين حتى اللحظة التي يُعرض فيها الفيلم على الشاشة ويصبح مُلكًا للجمهور.
ربما يكون لقب "الدكتاتور الناعم" الذي أغدقه الفنان عادل إمام على المخرج محمد خان دقيقًا جدًا لأنه يستغور شخصية هذا المخرج الذي يريد أن يوقِّع أفلامه في نهاية المطاف باسمه الشخصي ويتحمل كل تبعات هذا التوقيع، ولكنه بالمقابل، مستمع جيد لملحوظات الآخرين سواء أكانوا ممثلين أم كُتّابًا أم تقنيين ولا أعتقد أنه يتردد في الأخذ بالملحوظة المفيدة للفيلم الذي لما يزل في طور التصوير أو المونتاج.
زمنيًا تمتد هذه الكتابات منذ عام 1991 وتنتهي بالعام 2014 فيما يتعلق بهذا الكتاب، أما كتاباته السابقة فتعود إلى أواخر الستينات من القرن الماضي حين أصدره كتابه الأول "مقدمة للسينما المصرية" باللغة الإنكليزية عام 1969 ثم أردفه بكتاب عن السينما التشيكوسلوفاكية بعنوانOutline of Czechoslovakian Cinema عام 1971.
يشخِّص محمد خان في مقالاته الداء قبل أن يقترح الدواء ليتوقف عند أسباب انهيار الطاقة الإنتاجية للسينما المصرية. ومردّ ذلك أن ميزانية الفيلم المصري قد تجاوزت عتبة المليون جنيه مصري بقليل وهي ميزانية فقيرة جدًا قياسًا بالبلدان المتقدمة في مختلف أرجاء العالم، ففيلم "تايتانك" لجيمس كاميرون رُصد له 200 مليون دولار أميركي لكن عائداته كانت أضعاف هذا المبلغ المرصود. يشدِّد خان على أن أجر النجم المصري الواحد قد يكلف نصف ميزانية الفيلم فلاغرابة أن يهبط الإنتاج من 60 إلى 20 فيلم سنويًا، ناهيك عن احتكار المُنتج الموزع الذي يهيمن على دور السينما في العاصمة وعموم المدن المصرية.
يكشف خان أن المخرج يفقد 50% من طاقته الإبداعية قبل أن يبدأ بالتصوير، ثم يفقد 25% من طاقته المتبقية في إقناع طاقم الفيلم برمته بدءًأ من كاتب القصة والسينارست، مرورًا بالرقيب والمنتج، وانتهاءً بالممثلين والتقنيين. وحلّ هذه المعضلة يكمن في وجود المُنتج الفني الحقيقي الذي يخفف من أعباء المخرج لكن هذا المُنتج غائب، وقليل الحضور مثل عملة نادرة في مصر والبلدان العربية كلها. وفي هذا الصدد يشيد خان بتجربة المُنتج التونسي أحمد عطية مع المخرج نوري بو زيد ويصفها بالتجربة الفريدة التي تستحق التشجيع والاحترام. ويقترح حلاً يتمثل بالإنتاج العربي المشترك الذي يخلق مناخًا مناسبًا للسينما، ويساهم في تعزيز الأواصر بين البلدان العربية المبثوثة في الفضاءين الآسيوي والأفريقي.

معلومات وافية
لو قُيِّض لكتاب جيد أن يكتب السيرة الذاتية والإبداعية للمخرج محمد خان فإنه لن يحتاج إلى أكثر من هذه المعلومات المتوفرة في كتاب "مخرج على الطريق" لأنها شافية ووافية، كما يُقال، وفيها من التفاصيل الكثيرة الممتدة منذ ولادته في "غمرة" بقلب القاهرة في 26 أكتوبر 1942 ودراسته للسينما بلندن عامي 1962- 1963 ومغامرة سفره إلى بيروت وعمله كمساعد مخرج في الأعوام 1963 - 1966 ثم عودته للقاهرة وإنجازه 11 فيلمًا قصيرًا و 24 فيلمًا روائيًا طويلاً يبدأ بـ "ضربة شمس" 1978 وينتهي بـ "زحمة قبل الصيف" 2015 ، وحصوله على الجنسية المصرية بعد 72 سنة لأنه من أب باكستاني وأم مصرية. أما ما كتبه من يوميات ومذكرات فإنها تسلّط الضوء بالتفصيل على أفلامه الروائية برمتها، وتعرِّف بأسلوبه، ورؤيته الإخراجية، وطريقة تعاطيه مع ردود الأفعال النقدية التي يكتبها المتخصصون بالنقد السينمائي أو الطارئون عليه.

بوصلات إرشادية
يستثمر محمد خان تجربته الشخصية بلندن التي عاش فيها سبع سنوات حيث درس السينما في "مدرسة التقنيات السينمائية" وتعرّف على المجلات السينمائية المتخصصة، وصالات العرض، وأخذ يتابع النقود السينمائية التي يكتبها النقاد البريطانيون عن الأفلام الجديدة. ومن بين البوصلات الإرشادية المهمة التي عرفها مبكرًا الدليل السنوي للمهرجانات الذي تصدره مؤسسة الفيلم البريطاني وسوف نعرف من خلاله أن هناك 250 مهرجانًا سنويًا يُقام في مختلف أنحاء العالم وأن لكل مهرجان هويته الخاصة مثل مهرجان الطفولة، والشباب، والبيئة، والمرأة، والرسوم المتحركة، والرعب، والخيال العلمي، والأفلام القصيرة وهلّم جرّا. هذه المهرجانات الرصينة تتحول، مع الأسف الشديد، في عالمنا العربي إلى تهمة حيث يردّد بعض المنتجين أو الموزعين أحيانًا بأنّ هذا الفيلم هو " بتاع مهرجانات" وأن ذاك المخرج هو "مخرج مهرجانات" أيضًا وكأن حضور المهرجان تهمة مع أنه تكريم للمخرج ولفيلمه ولطاقمه بالكامل.
يقف وراء هذه التُهمة من دون شك المنتج أو الموزع الذي لا يريد أن يفهم أن السينما هي فن وتجارة وصناعة أيضاً، لكنه لا يرى منها إلا الجزء التجاري الذي يدرّ عليه بالأموال الوفيرة ولا يكلِّف نفسه عناء مشاهدة أفلام المهرجانات التي يمكن القول إن الغالبية العظمى منها جديّة ومفيدة ومسليّة في كثير من الأحيان.
لا يتوقف تركيز خان بلندن على معالمها السينمائية وإنما يمتد إلى مواكب الممثلين، وتحركاتهم، وظهورهم المفاجئ هنا وهناك. ففي الساوث بانك يلتقي بالممثل كاري غرانت وكأنه قد خرج لتوّه من أحد أفلام هتيشكوك، أو يصادف الممثل فنسنت برايس وهو ينزّه كلبه الصغير، أو يشاهد نجمة الإغراء كيم نوفاك وهي في طريقها لمشاهدة أحد العروض في ميدان ليستر، أو يستأنس بمشهد الملكة وهي تتنقل بعربتها الذهبية التي تخطف الأبصار.
لا يخلو أسلوب خان المُحبب من الإدهاش والمفاجأة فبينما هو يتصفح أحد كتب مايكل أنجلو أنطونيوني يلمح قدوم أنطونيوني بلحمه وشحمه ثم يتجه نحوه بعد تردد قصير ليخبره بأن معجب بكل أفلامه، وقد اكتشف عالمه من خلال فيلم "المغامرة" الذي دفعه لأن يصبح مخرجًا من دون أن ننسى دور الشخص السريلانكي الذي نبّه خان إلى السينما وجذبه إليها بشكل من الأشكال.
مفاجأة خان في هذا المقال أنه سوف يلتقي بأنطونيوني في مهرجان قرطاج عام 1984 عندما اشترك فيلمه "خرج ولم يعد" بالمسابقة الرسمية ونال الجائزة الفضيّة فذكّره بمقولته ذائعة الصيت: "بأن كل مُخرج فعليًا يخرج فيلمًا أوحد في حياته، وأن بقية الأفلام ليست إلاّ تكرارًا لهذا الفيلم"(ص35). فكان ردّه الذي لا يخلو من خفة دم: "إذا كان المُخرج مجتهدًا بما فيه الكفاية فربما يقدّم فيلمين بدلاً من فيلم واحد"(ص35).
يتابع خان ما يكتبه بعض النقاد في مصر والعالم العربي وخاصة لبنان البلد الذي عاش فيه أكثر من سنتين ويشيد بتجربة الناقد السينمائي محمد رضا الذي أصدر عام 1983 "الدليل السنوي المصور للسينما العربية والعالمية" الذي صدر منه ثلاثة أعداد لكنه تعثر لبضع سنوات ثم عاود الصدور من جديد عام 1992 وقد اعتبر خان "هذا الدليل الهام والأوحد في عالم النشر السينمائي"(ص36) من دون أن ينسى ذكر أهم المجلات السينمائية في إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية. فمتعة القراءة النقدية عن الأفلام لا تختلف كثيرًا عن مشاهدتها.

الاختزال والتشذيب
تحتاج عملية الاختزال في السيناريو والحوار والمونتاج إلى شجاعة لكي تخلِّص الفيلم من تورماته وزوائده الثقيلة. وهذه العملية بحد ذاتها تنطوي على احترام كبير لذكاء المتفرج الذي ينبغي للمخرج ولطاقم العمل برمته أن يحسبون له ألف حساب. ويستشهد خان بالمونتيرة المبدعة نادية شكري التي منْتجت كل أفلامه، بأستثناء الديجيتال التي أشرفت عليها فقط، وكيف فاجأها غير مرة بقرار حذف مشاهد بأكملها كي ينقذ ثلاثة أفلام من الترهل وهي "موعد على العشاء" 1981، "زوجة رجل مهم" 1987 و "فارس المدينة" 1991. جدير ذكره في هذا الصدد أن خان يقرأ عددًا من الكتب السينمائية ويشاهد أفلامًا كثيرة قبل أن يشرع بكتابة أي سيناريو جديد مُذكِّرًا إيانا بأن المرحلة التي تسبق كتابة السيناريو لا تختلف عن مرحلة التهيؤ للامتحانات المدرسة المُقلقة.
لا يخفي خان تذمره من الاعتداء على أفلامه أو أفلام الآخرين التي تنافست وحصدت الجوائز حيث تُولّف ويُحذف منها الصوت ليستبدل بأغنية أو مقدمة لبرنامج تلفازي من دون استئذان المخرج أو المنتج ويعتبر هذه العملية انتهاكًا صارخًا لحقوق الفنان.
يرصد خان مشكلة أساسية تعاني منها السينما المصرية التي تعرض في أيام العيد أفلامًا لعادل إمام ونادية الجندي اللذين يهيمنان على معظم صالات السينما التي يبلغ عددها نحو 140 صالة تخدم أكثر من 30 مليون متفرج الأمر الذي يضيّق الخناق على أصحاب الأفلام الأخرى الذين يرفضون عرض أفلامهم في الصالات المتبقية رغم حاجتهم الماسة إليها وينتظرون أوقاتًا أخرى تخلو فيها الهيمنة، وينعدم فيها الاحتكار.
تمتدّ صداقة خان بمأمون عبد القيّوم إلى أيام الدراسة في المتوسطة والثانوية حيث كان يجمعهما حب الذهاب إلى السينما لمشاهدة أفلام هتيشكوك وأغاثا كريستي. وحينما التقيا من جديد، عبد القيوم كرئيس دولة وخان كمخرج سينمائي اتفقا على مشروع فيلم سينمائي يحمل عنوان "يوسف وزينب" حيث يسافر يوسف إلى جزر المالديف في المحيط الهندي ويقع في حب زينب لكنه يكتشف أن حاجة الناس إليه هي أهم بكثير من أي مقابل مادي، كما أن قصة حبه لزينب هي التي أجبرته على الاستقرار في البلد رغم أوضاعها الاقتصادية السيئة.
الاختزال الذي أشرنا إليه آنفًا يتمثل بفن الإعلان الذي يتوجب فيه سرد حدّوتة بين 30 و 60 ثانية لا غير. وهو فن لا مجال فيه للإطناب كي تروِّج عن فكرة أو سياسة أو مُنتج. فن الإعلان لجأ إليه أورسون ويلز وفليني وسكورسيزي وكوبولا وأبدعوا فيه. الإشارة المهمة التي توقف عندها خان هي جوائز لندن الدولية للإعلان عام 1976 حيث بلغ عدد الأعمال المتسابقة 14.000 إعلان يمثل 71 دولة علمًا بأن العمل الفائز كان بسيطًا في الفكرة والتنفيذ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي


.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني




.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم


.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع




.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي