الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في معنى الكتابة ..

سمير دربالي

2016 / 7 / 4
الادب والفن


ليس كلُّ ما نكتبه نحنُ .أو نحن ما لا يُكتبُ جُلّه أو كلّهُ على الورق .. أرواحنا وأفكارنا ما تزال مسجونة ، تتوق إلى الحرية ،عاجزة عن ذلك .. تحاصرها جدران المعنى الذي توارثناه عبر التاريخ .. في البيوت والمدارس والمجالس والكتب .. ونحن مجرد أصداء لما سبق من تجارب غيرنا ..سلوكهم ..ثقافتهم .. ببغاوات تعيد بلكنة ركيكة ما تسمعه ..داخل هذا الفكر الكلي المتفق عليه المسمى ثقافة ..لا يمكن أن نتحدث عن حرية حركة أو فعل إبداع ..وإن ظننا غير ذلك ..نحن نتحرك من دخل دائرة الفعل الجماعي لا الذاتي خاضعين لنواميس اللغة المتعارفة وأساليب الكتابة وغاياتها نفسها لا أحد يطير بعيدا خارج السرب ..كثيرة هي الأيدي التي تمتد لتمسك القلم معنا أو عوضا عنا كلما هممنا أن نكتب ..فعل الكتابة كفعل حرفة الخياطة ..أكثره تمثُّل ٌ لتصاميم غيرنا - ملابسهم - أعدنا حياكتها بأيدينا في ورشات لرسكلة المعنى .. ثم عرضناها في الأسواق على أنها من صميم روحنا وإبداعنا .. ولكنها تظل بطريقة ما غريبة عن أجسادنا ..عن ورقنا . سيظل فعل الكتابة نوعا من اللصوصية .. وسيظل صاحب القميص الأصلي - الآخر- يلوح لنا من وراء التفاصيل الصغيرة ، من الأكمام و الأزرار ، ومن خلف الفتحات والقواتم والجيوب ..ليقول :أنا الصاحب الحقيقي للفعل ..أنا سيده . عندما نكتب يكتفي ذلك الطفل الكامن فينا بالرّغو عاجزا عن الإمساك بطرف الخيط وفك اللغز .. بينما تظل أصوات كثيرة تقول ما تريده هي لا ما يريده هو أو يرغب فيه .. يظل شخص آخر يختطف الأسرار من فمه ليوجّهها إلى طرق عبَر منها هو .. ضاجا أو باكيا أو صاخبا أو حالما .. طرقٌ ليست ضرورة طُرقَه .. فهل نحن حقا ما نكتب ، بلا أباء أو أسلاف أوظلال أو جينات أو ذاكرة تحدّد مسارات الحرف وتعرجاته .. وهل أجسادنا وأرواحنا ودماؤنا هي فعلا تلك التي ترقد الآن عارية في البياض بلا لحاف !؟ ..كثيرنا -بل كلنا -لا يكتبُهُ ..يكتفي بكتابة غيره ، أو استعادة ما ليس له .. لا أحد منا مشي على قدميه ويديه كأول العهد ليكتب ما تراه عيناه على الأرض بلا أسماء ولا استعارات .. لا أحد انحنى ليرهف السمع لأنهار الأسرار التي تضج في الأعماق أو ليسأل نجمة المعنى عن سر علوها الدائم أو قاس المدى الفاصل بين الطين والأوراق ليحدد عمر الشجرة ..لا أحد أصغى إلى شكوى حصاة رقدت صاغرة تحت منكب صخرة ..أو استوقف الريح ليسألها عن سر نواحها الدائم ..
لا أحد حرّ ..لا أحد يلغو .. كما أوّل مرة .. قبل أن تحاصره عصا التلقين :قل هذا لا تقل ذاك .لا أحد يكتبه على السّجية .. نحن تحقُقُُ فعل غيرنا فينا ..الواحد المتعدّد ..مرايا تسكنها الأشباح .ونحن من تتقاسم طلتنا الأرواح ...الكتابة جنون حقيقي .تحرُّرٌ. ووحدهم المجانين يسيرون عكس الخطو ..ضد مجرى النهر ..متحررين من كل شيء ..وحدهم يكتبون أنفسهم بلا تعديل ..بلا روتوش ..يضعون أرجلهم بعيد عن الأرصفة المعبدة .. أو عن الطرقات التي تحكمها إشارات العبور .. و لا يبحثون عن نهايات سعيدة لحكايتهم .. و هُمْ هُمْ . لا يرتدون ملابس غيرهم .. ويعيشون عفويا .. كالأطفال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب


.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس




.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد


.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد




.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد