الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حبل الوداد بين الرجعية العربية وفتيان الموساد

عبد اللطيف حصري

2016 / 7 / 4
القضية الفلسطينية


الفرح الطفولي الذي أبداه بعض الكتاب العرب بكتاب "نكبة وبقاء" قد يشير الى طريقة منخفضة للارتزاق، بمعنى باب رزق وانفتح، وقد يشير الى انتهازية سخرت رزقها في ترويج رواية صهيونية بامتياز. لن اناقشها في هذا السياق اذ لا تحمل أي جديد او تجديد مما أتى به مناع.
بداية اتوقف عند محاولة غير موفقة لضحد بعض طروحات الكتاب "البحث"، وأعني ما كتبه الرفيق رجا زعاترة في موضوعة تأييد ستالين والاتحاد السوفييتي لقرار التقسيم. فقد ذهب زعاترة أبعد مما قد يكون حقيقة الموقف السوفييتي في تصوير سذاجة غير معهودة في السياسة السوفييتية. اذ لم تتصور القيادة السوفييتية للحظة ان اسرائيل هي فرصتها لإقامة اشتراكية في فلسطين، والتناقض العميق بين النشاط الاشتراكي والنشاط الصهيوني في صفوف الحركة العمالية الروسية، ليس انه لم يتصالح قط وانما عاش في صدام دائم.
وفي انشقاق الحزب الشيوعي الفلسطيني عام 1943 واعتراف الكومنترن بعصبة التحرر، أي بالشيوعيين العرب ما يكفي من عناصر الموقف السوفييتي المنافي لهذه النظرية، وسنأتي على ذلك لاحقا من خلال قبول ورفض قرار التقسيم.
موضوع الكتاب "نكبة وبقاء" لا شك انه موضوع جدير بالبحث ولكنه في نفس الوقت جدير بالتمحيص والنقد نظرا لغياب الموضوعية المرجوة من مثل هذه الأبحاث. فرغم الدقة التاريخية التي اجتهد الكاتب من خلالها بتصوير بعض احداث النكبة، وخاصة قصة جدته وقريته مجد الكروم، الا انه اجتهد ايضا بتقديم لائحة اتهام في تصوري ظالمة لشباب عصبة التحرر، ذهبت به الى حد التخوين. وراح يبحث عن سر البقاء في المكان الخطأ، تماما كمثل الذي "شايف الضبع وبقص عالموكرة"، ففي حين يقيم وزنا زائدا لعملاء السلطة في تثبيت وجود وانتزاع هويات لشريحة واسعة من اللاجئين، فانه يقزم نضالات الشيوعيين بل ويعتبر النجاح النسبي التي حققته تلك النضالات بمثابة أتعاب خدمة قدمها الشيوعيون للمشروع الصهيوني.
أوقع مناع بحثه في مطب الاعتراف بالأطماع الأردنية بالضفة الغربية، والأطماع المصرية في قطاع غزة، والتي شكلت من وجهة نظره ضمانة لبقاء السكان في قراهم ومدنهم.. وهو الأمر الذي غاب في حالة قرى الجليل اذ وجدت نفسها محتلة ودون اطماع لبنانية لـ "حمايتها" قبل الاحتلال، فكان على السكان ومن لجأ الى تلك المناطق ان يواجه مصيره بقواه الذاتية، لذلك برز "البحث" كنوع من التبرير لسلوكيات ادرك السكان كما ادرك "البحث" ايضا انها مرتبطة بالسلطات، ولها ثمن في جوهر الهوية القومية. ومن هنا ما رآه مناع منافسة بين العملاء من جهة وبين الشيوعيين من جهة أخرى، هو في واقع الأمر معركة على الهوية القومية للجماهير العربية الباقية في اسرائيل بحدود التقسيم وحدود الاحتلال والتي تمددت نحو مناطق الدولة العربية، ولا أظن ان مناع والكتاب اياهم أصحاب الفرح الطفولي يعتقدون ان عصبة التحرر كانت قادرة على اعلان دولة عربية بموجب قرار التقسيم، وهي الملاحقة من ما أسماه مناع "القيادات الوطنية"، والتي لا اعتقد انهم كانوا أكثر من قيادة تقليدية ورجعية تحمل جزءا كبيرا من وزر النكبة، أراد البحث لها طهارة غابت عن سلوكياتها.
في أكثر من فصل وأكثر من موقع، اعتبر مناع قدرة السكان على امتصاص الضربات وقبول بطش بالإمكان تحمله دفعا لما هو أسوأ، بمثابة بطولة فطرية، وهو نفس السلوك الذي عابه على المتشائل من رواية اميل حبيبي، وقدمه بقراءة مشوهة يمكن للقاريء العادي ان يفسره كسلوك خياني. ليس لبطل رواية ادبية وحسب، بل ولشيوعي وروائي كبير بحجم اميل حبيبي كي ينفذ من خلاله الى تخوين تنظيمه وحزبه.
ادرك الشيوعيون منذ اليوم الاول للاحتلال، لا وبل خلال المعارك ان معركة التشبث بالارض والوطن ستكون مفصلية بالنسبة للبقية الباقية في وطنها، فسارع توفيق طوبي ورفاقه الى حض الناس على البقاء واعادة تنظيم الهيئات المجتمعية، واعادة اصدار صحيفة الاتحاد، ومقاومة كل أشكال الرحيل والترحيل، وليس صحيحا ما عرضه البحث من انصراف الى الامور المطلبية على حساب الهوية القومية. ففي مدرسة الشيوعيين بالذات برز ادب المقاومة، وهذا يشير الى بعد رؤية هؤلاء الشباب والربط الصائب والسليم بين القومي واليومي، كجزء من المعركة على الهوية القومية للجماهير العربية. ولا ادري بأية رطانة كان سيقرأ مناع الفاتحة على جدته الجاعونية لولا ما أرساه الشيوعيون من ثقافة قومية عروبية في عروق هذه الجماهير.
محاولة خلق الانطباع وكأن قبول قرار التقسيم هو قبول بالمشروع الصهيوني، سحب الكاتب من مجال البحث العلمي الى دهاليز الشعاراتية والنصوص المشبوهة ومدفوعة الثمن، فلا ينكر الحزب الشيوعي ان هناك موروثين في تاريخ الحركة الشيوعية في فلسطين، وكثيرا ما وصل هذان المورثان الى حد التصادم، فانشقاق عام 43 وبروز تنظيم جديد باسم عصبة التحرر، هو فقط شكل مبكر لهذا التصادم، وبات واضحا التباين الحاد بين الشيوعيين العرب وبين الشيوعيين من المهاجرين اليهود، وكان للنكبة وتشتت اعضاء عصبة التحرر الأثر الأكبر في اعادة توحيد الحزب، لكن وبشكل قاطع لم يؤدي توحيد الصفوف الى وحدة الرأي ووحدة الموقف، وتجلى التصادم بين الموروثين بشكل اعمق عام 1965 بل واخذ طابعا تطهيريا، اذ سرعان ما ادى الانقسام الى ذوبان مجموعة ميكونس وسنيه داخل الاجماع القومي الصهيوني.
لكن هذا لا يعني ان الحركة الشيوعية كانت ملزمة بقراءة قرار التقسيم كتلك القراءة المشوهة التي قدمها البحث على انها المصلحة الوطنية الفلسطينية، وأعني قراءة الحاج أمين الحسيني والقيادات التقليدية، والتي يدرك اليوم كل لاجيء وكل فلسطيني اينما وجد، أنها كانت قراءة كارثية ان لم تكن خيانية.
قراءة قرار التقسيم بمعزل عن الموروث الاستعماري في فلسطين وظروف انتهاء الحرب العالمية الثانية، هي قراءة مبتورة تقود بالضرورة الى استنتاجات خاطئة تماما كما خلط البحث بين القرار والمشروع الصهيوني، وبالتالي قدم انطباعا ان تأييد القرار يعني تأييد المشروع الصهيوني.
العودة الى تاريخ الاستيطان الصهيوني في فلسطين ودور القيادات الخائنة والتي تبرز كوطنية في بحث السيد مناع، وثم وعد بلفور ودور الاستعمار الانجليزي في ارساء اسس الكيان الصهيوني، ومصادرة هذه الاسس من سكان البلد الأصليين الى حد البطش واجهاض ثوراته، تؤكد ان المشروع الصهيوني تشابك مع القوى الاستعمارية في فلسطين من الاستعمار العثماني الى الاستعمار الانجليزي، ولاحقا حظي بدعم كل قوة استعمارية صاعدة عوضت أفول ما سبقها من استعمار. فليس صدفة انه ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية وبروز الدور الاستعماري الامريكي كقوة منتصرة بالحرب تشابك المشروع الصهيوني مع هذه القوة الاستعمارية الفتية، وهذا ما ادركته عصبة التحرر فلم توفر جهدا بالعمل على الحد من الاندفاعة الصهيونية الاستعمارية، حتى بثمن مؤلم وهو التقسيم، رغم معرفة وادراك هؤلاء الشباب مما قد يتعرضون له من ملاحقة وقمع من الطرفين، كان ذروتها احكام اعدام بحق العديدين من رفاق العصبة. وعلى الأقل نحن أبناء الجيل الثاني للشيوعيين ذقنا على جلودنا ما عاناه آباؤنا من ملاحقات وسجن وقطع أرزاق، وما هانوا وما هنّا.
يجتر الكاتب على مدار فصول كتابه رواية السلاح التشيكي، في محاولة لوصم الشيوعيين، فرغم ما ساقه عن قضية اميل حبيبي ضد صحيفة الصنارة في المحاكم، ورغم اعترافه ان حبيبي كسب القضية، الا انه يعاود اجترارها على ان صفقة السلاح التشيكي هي من حسم الحرب لصالح اسرائيل، وبذلك قفز عن دور الاستعمار الانجليزي في توريث العصابات الصهيونية لمقومات عسكرية تكفي لتجهيز جيشا متطورا، وقفز عن التسليح الايديولوجي البريطاني والفرنسي اللاحق، وصولا الى المفاعل الذري في ديمونة، ما عزز الخلل العسكري الذي انعكس بالسياسة. وبنفس الوقت قفز عن عناصر الضعف العربي ودور الرجعية العربية الخياني. ولأن الكاتب خص الرواية الشفوية بمكانة خاصة في بحثه، أطرح سؤالا على كل من عاصر او بحث بالنكبة، هل فعلا جائت جيوش عربية لتحرير فلسطين وحال دونها الشيوعيون؟ من منا لا يذكر قول: ماكو أوامر؟؟
فهل جاء البحث لتطهير الرجعية العربية، أم انه حبل الوداد بين الرجعية العربية وفتيان الموساد؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وول ستريت جورنال: إسرائيل تريد الدخول إلى رفح.. لكنّ الأمور


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق الحالية بين حماس




.. صحيفة يديعوت أحرونوت: إصابة جندي من وحدة -اليمام- خلال عملية


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. نتنياهو يعلن الإقرار بالإجماع قررت بالإجماع على إغلاق قناة ا