الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في أعالي الحلم / قصه قصيره

عبد شاكر

2005 / 12 / 14
الادب والفن


فتى عشريني , بملامح طفل تسلق عمره ببراءة , نحيل كقصبه منتصبه , بقامة تتطاول مع النخيل , الذي يعشق تسلقه , في نوبات التأمل التي يقضيها ساكنا بين عذوق لم تزل لاهثه , كذهب لامع , حينما تفيض بأشعة الشمس , متجاهلا نداءات أمه وأخوته .

من ذاك البعد المكاني عن الارض , يمسح بمنظار نفسه التواقة الى التحليق , فضاءات يتخيل أنها العالم الذي يحب أن يكون فيه ! ليحقق ما يختلج في دواخله من مشاعر متناقضه , تتداخل بين حب الحياة ومتعة التلاشي , من أجل أمنيات وأحلام توخز رجولته , التي يشعر أنها تتبدد في الترقب وتواصل الاحباط ..

وسط ضجيج المدينة الصاخب , والرائحة المنبعثه من أجساد تلاصق يومه , الى حد الاختناق , تلك الاجساد التي تهرول بكل الاتجاهات , كل الى حتفه , وهم يطبقون على منافذ القلب النازف بهذا اللهاث الساذج ..
لم يعد هناك متسع , كي يجد نفسه , أو يفسر تلك الارهاصات التي تعتصر البهجة التي يحاول أن يصنعها في كيانه , لأن مشاعر الخيبة والنكوص تطارده كظله الواهي ..

بخشوع وتوحد مع الروح , يدنو من الارض بجبهة ندية , كما هي المآقي , يتواصل مع السماء بوجدانية متوسلة , كي يتسامى كل الجحيم الذي يصطلي فيه .. ينزوي في ركن معتم , يدفن رأسه في حجره , متكورا على كل المدد الذي أضاء أرتباكه وتأرجحه .. كاد يغفو , لولا تلك اليد الحانية التي مسدت رأسه الصغير , سرت في كيانه قشعريرة لذيذة , ناوله الشيخ باليد الاخرى كتابا ومضى ..

تتناوب عليه تلك اللعنات , اللاأنتماء , غربة داخل النفس والوطن , في ذاك الزحام والعويل اليومي , تنهار كل نوازع التشبث بالحياة , يفتقد الألفه , أو التمازج مع محيطه . يرى أن الجميع لاينتمي اليه , مسارات كثيرة , تتشظى نهاياتها , الى زريبة تضج بخليط من بقايا سفينة توشك على الغرق ..
على ضفاف النهر الذي تعانق نهاياته زرقة السماء , وقف متأملا .. صخب آخر , كتل من الحديد الصدأ تجوب مساحات المياه العذراء , تنفث دخان يحيل الفضاء الى ليل ثقيل . طيور النورس ترفرف في الأعالي , خرساء , مذعورة , وطنها البهي يحتله الغرباء , لهاث ساذج الى تلويث الاوطان , دونما أدنى وخز ! ..

ومثل سمكة مذعورة , ينزلق بثيابه وسط الماء , مندفعا يتسلق سطحه , تطفو الى جنبه كل نفايات الارض , يواصل أندفاعه الى الضفة الأخرى بتوتر أفقده رؤية الزوارق التي تندفع صوب المرافئ الغريبة ! .. كاد أن يتهشم في ذلك الصفيح الصدأ .. كفيه تبطش في كتل الماء الهائجة .. على ضفاف النهرمن جهة الشرق , أرتمى مترنحا , على ظهره , ونظراته الى قلب نخلة لم تزل شامخة ..

الى حيث تستكين الروح , ويخفق القلب , حط ببقايا جسد واهن , أنهكه التسكع , وتسلقه الهزال . في حضن الشيخ , حيث ملاذه الآمن , أستسلم الى أغفاءة ..

الى يمينه وشماله , شباب يتقاربون معه في العمر , لكنهم يتفوقون عليه في الحجم , تصافحوا بعد أن أنهوا طقوسهم , تهامسوا مع بعض . خرجوا على عجالة , سيارة صغيره تنتظرهم في شارع مظلم , زحفت بهم الى بستان في أقصى المدينة .. رجل ضخم , تكسوه ملامح صارمه , وزع عليهم حقائب سوداء وبنادق , دس في أيديهم مغلفات بيضاء .. على مشارف المدينة كانت هناك مجموعة تحرس بناء فخم , المكان مضاء بأنوار كاشفه , رشقات عنيفة من الرصاص تخترقهم . تبعثروا في عدة أتجاهات , أشتبكوا مع الهدف , دوي أنفجارات عنيفة تفزع سكون الليل , تلاشى كل شيئ .. فزع من أغفاءته , وجد نفسه معانقا جسد الشيخ وهو يرتجف مذعورا .. يتحسس جسده النحيل , وبسمة أمتنان أخترقت كل كله ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟