الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نسقية المتن القصصي القصير

محمد يوب

2016 / 7 / 5
الادب والفن


نسقية المتن القصصي القصير
قراءة في قبرات لا تهادنها الفخاخ للأديب الطاهر لكنيزي
1- مقدمة
يقدم الأديب الطاهر لكنيزي للقارئ العربي وجبة قصصية خفيفة ببساطتها وعميقة في رؤيتها؛ تحاكي الواقع وتنقله أدبا دون عكسه بطريقة ارتدادية آلية؛ بأن يضيف إليه ما سماه رومان جاكبسون بأدبية العمل الأدبي ؛ وهي ما يمكن تسميتها هنا في هذا المنجز القصصي ب (القصصية) أي ما يجعل من القصة القصيرة عملا قصصيا له تخومه المميزة عن أشكال إبداعية أخرى؛ خاصة أننا نعرف بأن لكنيزي شاعر بارع؛ أحسن الكتابة في هذا المجال؛ فلا نجد قصصه غارقة في عالم الشعر (الصباح ربيعي تغازله شمس دمثة تحجب أشعتها الدافئة أشلاء سحب بيضاء لا تلبث أن تبددها رياح غريبة رخية) بل نراه يزاوج بين الشعري والسردي؛ يستقي كلماته من معجم خاص له حمولة بدوية تكاد تشم فيه رائحة التراب؛ وهموم الفلاح البسيط والطفل الضائع في عالم بلا مؤهلات ولا هُوية.
2- نسقية المتن القصصي القصير
لا يختلف قارئان ل (قبرات تهادنها الفخاخ) بأن المتن الحكائي متن بسيط خال من التعقيد؛ ينمو وينهض على الإذعان لمقومات السرد القصصي التقليدي؛ يتماشى مع المتداول في كتابة القصة القصيرة في صورتها التقليدية؛ وهذه الخاصية في اعتقادي ميزة إيجابية تعطي قوة لكتابات الأديب الطاهر لكنيزي؛ لأنها طريقة تقدم الجملة القصصية بشكلها الانسيابي؛ فيه دفق شعوري لا تكليف فيه؛ كما أنها تبعد القارئ عن متاهات السرد اللولبي المركب.
وبساطة الحكي في هذه المجموعة تعطي للقصة القصيرة جمالية من نوع خاص؛ يشعر القارئ من خلالها أن الكاتب يتقاسم مع القارئ مجموعة من الهموم المشتركة؛ يعبر عنها بتلقائية؛ يقدمها في حلة أدبية تمزج بين الشعري والسردي؛ لا يطغى فيها منطق القصة على عاطفة الشعر؛ ولا يسود فيها الحس الشعري المرهف على قوة الجملة القصصية؛ إذ إن الكاتب نراه جاد في تقديم مشاكل الناس وهمومهم إلى القارئ ؛ مستدرجا إياه إلى ملء الفراغات مما يبعثه على الإحساس بأنه واحد من شخصيات القصص المشكلة للمجموعة القصصية؛ ليدخل ضمن استراتيجية التواطؤ المفترض بين القارئ المهووس بالتقاط الإشارات اللازمة للقراءة الفاعلة والمنفعلة.
3- نسقية الشخصيات القصصية
إذا كانت القصة القصيرة بناءً سرديا يحكيه الحدث القصصي؛ فلا بد من شخصيات تقدم هذا الحدث؛ لأنه كما يقال لا قصة بدون شخصيات (القصة تسرد حدثا؛ هكذا دائما؛ ويتولى القيام بالحدث فاعل؛ هكذا دائما؛ فلا قصة بدون حدث أو فاعل) فقد استطاع الكاتب الطاهر لكنيزي بناء شخصياته وفق ما يتطلبه الحدث القصصي؛ وبحكم بساطة تناوله للحدث فقد انعكس ذلك على الشخصيات التي قدمها للقارئ في قالب آدمي محدد سيكولوجيا وفيسيولوجيا وسوسيولوجيا؛ شخصيات واقعية تبدو قريبة منا وتتحرك بيننا وكأنها من لحم ودم؛ أبدعها خيال الكاتب إبداعا فنيا وجماليا لإيهامنا بحقيقة الأحداث؛ مما يبعث على التعاطف والإشفاق عليها لما تقدمه من أدوار غالبا ما يطغى عليها الطابع المعاناتي؛ فهي في عمومها شخصيات محرومة من العلم والعمل؛ مكبلة بالعادات والتقاليد؛ يجعلون منها عالة بالرغم منها (ضامر البطن؛ فارع الطول كعمود النور؛ يعلو عينيه العسليتين حاجبان معقودان؛ فمه أوسع من مدخل الإعدادية التي لفظته)
4- على سبيل الختم
إن القارئ للمجموعة القصصية ( قبرات لا تهادنها الفخاخ) للكاتب الطاهر لكنيزي يجد بأنها مسكونة بهاجس الرصد المباشر للمعيش اليومي؛ فيها معاناة الإنسان البسيط؛ بأسلوب خطي محافظ على كرونولوجية السرد القصصي التقليدي؛ الملتزم بحيادية القصة القصيرة التي تعتمد على البداية والحبكة والنهاية لتعرية بؤس الواقع وتفشي سلطة الجاه والمال (قرر أن يشارك في اللعبة السياسية؛ خاض غمار الانتخابات بالطرق التي خاض بها سوق التجارة في الممنوعات؛ تخندق خلف الحصانة البرلمانية؛ فتاجر في كل شيء حتى البشر) ؛ فقد ابتعد عن خلخلة الأحداث وتمويه هوية الشخصيات؛ التي نظر إليها من منظار شديد الحساسية مطلع على تفاصيلها الداخلية والخارجية؛ وهو أسلوب في الكتابة يمنح لهذه المجموعة شرعية التواجد بقوة في عالم الكتابة القصصية العربية.
محمد يوب
ناقد أدبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??