الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الكافر سعيد- رسول المغاربة (2)

موريس صليبا

2016 / 7 / 6
مقابلات و حوارات


صعوبات التأقلم في فرنسا

س – حدّثتنا في الحلقة الماضية عن طفولتك في المغرب وعن وصول العائلة إلى فرنسا وصعوبات التأقلم في هذا البلد. التأقلم يعني أوّلا الذهاب إلى المدرسة الفرنسيّة. هل تذكّر أوّل يوم ذهبت فيه إليها وكيف كانت مشاعرك؟
ج - في اليوم الأوّل الذي ذهبت فيه إلى المدرسة الفرنسيّة، رافقتني أمّي وإخوتي وأخواتي، غير أنّني صدمت صدمة قاسية في ذلك المكان حيث لم أسمع فيه كلمة واحدة بالمغربية، بل كان الجميع يخاطبني بالفرنسيّة. وهناك أولاد كانوا يشتمونني، دون أن يدروا أنّي كنت أجهل لغتهم ولا أفهم شتائمهم، وآخرون كانوا يعبّرون لي عن عدم ترحيبهم بي بين صفوفهم وبما أني لم أستطع في البداية التعبير بالفرنسيّة للردّ عليهم، فكنت أشتمهم وأردّ لهم الكيل كيلين، ولكن باللغة المغربيّة. واليوم أدرك كم كنت غبيّا، إذ كنت أتصوّر أنّهم يفهمون الشتائم والمسبّات باللهجة المغربيّة.

س – وماذا عن الجيران؟ هل كان سلوكهم افضل حالا معكم؟
ج - أبدا، بعضهم كان يضربني لأنّي كنت عفريتا من الدرجة الأولى وأتشيطن كثيرا وأعندي عليهم وعلى أولادهم. والبعض الآخر كان يناديني با(لبونيول) وهي كلمة فرنسيّة يطلقونها لتحقير الأجانب، خاصّة العرب، والإزدراء بهم، أو يشتموننا بعبارة (العربي القذر الذي يأكل خبز الفرنسيّين). والنظرة التي كانت تلقى علينا، كانت نظرة إتّهاميّة، إستهزائيّة، استهجانيّة قاسية. لذلك نشأت لدينا منذ البداية كراهية للجيران ولفرنسا وللغرب عامّة. وأصبحتُ بدوري عنصريّا حقودا، أرفض التشبّه بالفرنسيّين أو العيش على طريقتهم. نعم، في البداية كانت حياتنا صعبة. وكان أبي وأمي يقولان لنا باستمرار: ((يا أولاد، كونوا هادئين! لا تضجّوا! لا تزعجوا أحدا! لا تتشيطنوا! نحنا لسنا هنا في المغرب! إحترموا الناس! نحن هنا في بلادهم! فهم يوفّرون لنا العمل وكسب العيش! سيتحسّن وضعنا، إن شاء الله، ونعود بعد ذلك إلى ديارنا المغربيّة الجميلة!)). وهكذا فُرضت علينا فعلا سياسة الصمت والاستسلام مكرهين، حسب التعبير القرآني.
هنا أودّ أن أشير إلى حرب الجزائر التي انتهت في بداية الستّينات من القرن الماضي. ولكن حتّى بداية السبعينات ما كان الفرنسيّون يميّزون كثيرا بين المهاجرين المغاربة، بل كانوا يعتبرون كلّ مهاجر آت من شمال إفريقيا دخيلا أو عميلا جزائريّا جاء إلى فرنسا للإنتقام منهم ولذبحهم كالخراف أو لاصطيادهم كالطيور وسلب ممتلكاتهم.
وبالعودة إلى الجيران في البناية التي سكنّا فيه. لم تحصل بيننا وبينهم في البداية زيارات تبادلية ولا علاقات ودّيّة كما كان الحال مع جيراننا في القنطرة على الشواطئ المغربيّة. لم نكن نزورهم وما كانوا يدعوننا إلى حفلات عيد ميلاد أولادهم، علما أنّ هذه العادة غريبة عن تقاليدنا المغاربيّة. فأنا احتفلت لأوّل مرّة بعيد ميلادي عند بلوغي سنّ الخامسة والعشرين.

س - عودة إلى طفولتك، هل تأّلمت كثيرا من نظرة الآخرين أي الفرنسيّين إليك؟
ج - كانت حياتي في مرحلة الطفولة صعبة ومؤلمة، إذ عشت في فلكين مختلفين ومتناقضين حُكم عليهما التعايش معا بالإكراه. من جهة، بيئة داخليّة أي عائلية، تتحكّم فيها تقاليد وممارسات دينيّة إسلاميّة ورثتها منذ أجيال، ومن جهة أخرى، بيئة خارجيّة تناقضة تماما قيمها ومفاهيمها وتطلّعاتها مع البيئة الداخليّة . تصوّر كم كان هذا الوضع محيّرا ومضلّلا ومقلقا وداعيا إلى الصراع والألم. لا يسمح للإنسان بتحديد وجوده، ولا يجد هذا الإنسان الضائع من يفهم حقيقته ويرشده أو يأخذ بيده. فالإسلام ما كان عاملا يسهّل علينا الإنخراط في المجتمع، بل شكّل وما زال سورا منيعا يبعدنا ويدفعنا إلى كراهيّة المجتمع الفرنسيّ وأيّ مجتمع آخر. وفي الخارج، لا تشعر بمكان لك إطلاقا في مجتمع غريب في نظر المهاجرين الذين لا يدركون أنّهم أتوا إلى بلد وعليهم التكيّف فيه واحترام قيمه وفوانينه.

س – ما تقوله يشير إلى وضع عام. فهل لك أن تحدّد بالضبط كيف عشت هذا الصراع عمليّا؟
ج - سأذكر لك حالتين لربّما تعبّران أكثر عن ذلك: الأولى في المدرسة الإبتدائيّة، والثانية مع الجيران. في المدرسة الإبتدائيّة، كانت في صفّي فتاة صغيرة تدعى "فاليري"، وهي إبنة إحدى المدرّسات. ففي يوم سبت بعد الظهر، التقيت بها في إحدى الحدائق برفقة إخوتي الصغار، فأخذنا نلعب معا ونجمع الحصى البيضاء ذات الأشكال المختلفة. ويوم الإثنين، عندما عدنا إلى المدرسة، قالت "فاليري" أمام الرفاق الآخرين إنّها لعبت معي يوم السبت. وعندما لفظت إسمي، إلتفت الأولاد الآخرون ونظروا إليّ بازدراء وتعجّب، متسائلين كيف يقضي هذا الولد المغربيّ فترة يوم السبت الفائت في اللعب مع تلك الفتاة الصغيرة الجميلة. هنا برزت في نظري المشكلة منذ البداية مع رفاقي في المدرسة الإبتدائيّة.

س - وماذا عن الحالة الثانية؟
ج - هي مع الجيران. والآن أعترف بأنّي لم أكن آنذاك ولدا هادئا بل عفريتا. كنت أعبّر عن عدوانيّتي في الكلام كما في الأعمال. وغالبا ما كان الجيران يأتون إلى بيتنا للتشكّي أمام الوالدين من تصرفاتي وسلوكي والإساءات التي أسبّبها لهم ولأولادهم. والدتي كانت تحبّ أن "أتشيطن" ولكن خارج البيت. كما كانت دائما تدافع عنّي. ولكن هناك مشاجرات مع الجيران كانت فعلا مزعجة. أما أنا فكان يجيش في داخلي نوع من الغضب والكراهيّة، لعدم الترحيب بنا، كما نحن، في الأوساط الفرنسيّة، كما كانت الحال مع جيراننا في دوّار رالما على شواطئ مدينة القنطرة المغربيّة. فنظرة الآخر إلينا في فرنسا لم تكن إيجابيّة. وهذا ما ولّد لديّ الكثير من الحقد والغضب. وقد لاحظت مع مرور الوقت كيف تأصّل هذا الغضب في حياتي كوني لم أكن قد نضجت كفاية للوصول إلى الحكم على الأمور بهدوء وبموضوعيّة أكثر. ما كنت أرى نفسي إلا عبر نظرة الآخرين. أمّا هويتي فكنت أحدّدها دائما من خلال الآخر، أي من كيفيّة تفكيره وحكمه. كنت أسيرا ومرتبطا بذلك رغما عنّي. لذلك كنت أتساءل: لماذا يطلقون علينا صفة "البونيول"؟ ناقشت هذا الأمر مع بعض المسنّين الذين كنت أحبّهم، خاصّة الذين عاشوا فترة من حياتهم في الجزائر. فكنت أشعر بنوع من التقارب معهم، خاصة أنّ بعضهم كان يتكلّم العربيّة باللهجة الجزائريّة القريبة من المغاربيّة.

س – هل سألتهم عن معنى كلمة "بونيول"؟
ج - نعم، فمنهم من قال إنّها تعني ((العامل الجيّد))، أيّ المهنيّ الذي يتقن عمله، فأفرحني ذلك كثيرا. غير أنّني كنت شديد الغضب عندما كنت أسمع بعض الناس يقولون لأبي: ((عملك هو كعمل كل عربيّ))، أيّ أن العامل من أصول عربيّة لم يكن جادّا ولا صادقا في عمله، ولا يتقن ما يُطلب منه. ومن المؤسف أنّ أبي كان يواجه انتقادات ونزاعات في العمل، علما أنّه كان يعمل بصدق وجدّيّة ويضحّي كثيرا. ينهض باكرا كلّ يوم ليذهب إلى العمل ويعود منه منهكا في آخر النهار، بالرغم من أنّ مهنة البناء صعبة ومتعبة ومؤلمة، ولا يقدّرها الناس كثيرا.

وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مامن مهاجر الا وعاش هذه الحالة فما الجديد؟
عبد الله اغونان ( 2016 / 7 / 6 - 16:19 )
كلاااااااااااااااااااااام عادي ينطبق على كل المهاجرين
الكتابة تقتصي التميز والدهشة
كأنك لم تبدأ بعد متى تغوص لتبين لنا مبررات كفرك ؟ ياااااا سعيييد هههههه

اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية تفرق محتجين اعتصموا في جامعة السوربون بباريس


.. صفقة التطبيع بين إسرائيل والسعودية على الطاولة من جديد




.. غزة: أي فرص لنجاح الهدنة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. دعوة لحماس من أجل قبول العرض الإسرائيلي -السخي جدا- وإطلاق س




.. المسؤولون الإسرائيليون في مرمى الجنائية الدولية