الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللي عندو سكن ما عندو وطن

يعقوب يوسف
كاتب مستقل

(Yaqoob Yuosuf)

2016 / 7 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


اللي ما عندو سكن ما عندو وطن
تمثل كلمة البيت او السكن الاستقرار ومعها جاءت السكينة ومعها بدأت الحضارة.
بدأت الحياة على الأرض كما يحدثنا التاريخ بالبداوة والتنقل أي عدم الاستقرار وكان كل همه الاستمرار في الحياة فلم تكن الطبيعة بالنسبة له سوى مصدر العيش اليومي. كانت حياة حيوانية بدائية ثم ان الحيوانات نفسها تطورت وبات لها اسر وبيوت او جحور تأوي اليها للاستقرار والسكينة.
عندما بدأ الانسان الاولي يتعلم فكر بالعائلة أولا فقرر التحول للاستقرار وتكوين المجتمع فأمتهن الزراعة أولا ومنها بدأ تعلق الانسان بالأرض، أحبها وتمسك بها وأصبح كل منهم جزءا من الاخر، ومنها جاء حب الوطن وظهر لنا مفهوم الوطنية والدفاع عنها.
بدأ الانسان يتحول الى الحياة الاجتماعية فكان السكن الواحد يجمع اكثر من اسرة واحدة، ئم بدأ التحول التدريجي الى الاستقلالية الاسرية وبدأ يفكر بالسكن المستقل حيث بات يمتل مكان الأمان والاستقرار والكرامة الاسرية وهويتها الشخصية، ويرى العلماء ان شعور الانسان بالسكينة يبدأ منذ ألحمل حيث يشعر الجنين بالطمأنينة والراحة وهو في احشاء امه.
لم تكتفي الشعوب في الاستقرار من خلال تأسيس المدن وبناء المساكن والخدمات، بل تطورت أفكارهم الى المحافظة على أجسادهم بعد الموت ليزداد تعلقهم بالأرض فبنوا المقابر لشعوبهم وبنوا الاهرامات للحفاظ على أجساد ملوكهم بغض النظر عن الأهداف الأخرى لهذا العمل.
لم يعد السكن احتيجا من اجل الرفاهية للإنسان بل جزء رئيسي من كيانه وتواجده واستقراره وحريته وحمايته او بعبارة ادق احدى مقومات انسانيته لذلك بدأت الدول بتشريع القوانين والأنظمة التي تتطلبها هذه الحياة الجديدة.
لم تعد مشكلة السكن مسألة وطنية فحسب بل وأبعد من ذلك فأن الأمم المتحدة وبعد ثلاث سنوات من تأسيسها جاء الإعلان العالمي لحقوق الانسان (1948) والذي نص على حق الفرد في الحصول على السكن الملائم.
ولم تتوقف عند هذا الحد بل استمرت الهيئات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة في اصدار البيانات والقرارات التي تساعد الحكومات في اصدار التشريعات التي تحمي مواطنيها من ألاستغلال.
أصبح السكن الملائم للإنسان واسرته المحرك الأساسي للاقتصاد الوطني بكامله، وهو الركيزة الأساسية لتطور وازدهار كافة القطاعات الأخرى الصناعية والزراعية والخدمية وحتى العمرانية نفسها كنشاط اقتصادي.
من هذا المنطق اهتمت الشعوب عبر العصور بالبناء وأصبح الاهتمام بالمشاريع العمرانية والسكانية جزءا من حضارة الشعوب ومقياس تقدم الدول، بل انه واحد من مقاييس الحضارة والازدهار وكذلك واحدة من اهم معايير المقارنة بيت البلدان المتخلفة والمتقدمة.
ففي هذا المجال تجد ان البلدان المتقدمة تنعدم فيها الفوارق في جميع أجزاء الدولة تقريبا ففي القرية النائية كالعاصمة والمدينة تجد السكن الملائم والعمل والنقل والخدمات ووسائل الترفيه مما يساهم بشكل فاعل في الاستقرار الاجتماعي والسياسي، بل ويمثل الريف اهم مراكز النشاط السياحي للبلد وبالتالي فهي مصدر جذب سكاني، سواء بهدف العمل او العيش في الأجواء الأكثر صحية ونقاوة.
اما في البلاد الشرقية العربية والاسلامية وبسبب الخوف من المجهول بشكل عام، وفي ظل أنظمة القانون فيها شكلي هش يسيطر فيها القوي على الضعيف، فأن امتلاك المسكن له أهميته الكبيرة جدا اما لأصحاب المال فهو أفضل طريقة للمحافظة على المال من الضياع خاصة وان العقارات تعتبر من الموجودات الثابتة غير المنقولة من الصعب تسييلها وانتقالها او سرقتها.
على العكس تماما في البلدان النامية والمتخلفة فأن الأنظمة غالبا ما تركز على العاصمة والمدن الرئيسية بينما يتم اهمال الأرياف والمناطق البعيدة التي تمتاز بالمناظر الطبيعية ونقاوة هوائها ومما يزيد الطين بلة انه يغلب عليها الطابع الزراعي الفقير، وهو ما كان أساسا يتوجب الاهتمام بها أكبر من المدن كونها الأسرع نموا سكانيا بطبيعتها الحياتية والاجتماعية غير المنظمة، نمو انفجاري غير طبيعي، مما جعلها مرتبطة تماما بمراكز المدن في كل انشطتها واحتياجاتها الامر الذي جعل الامور أكثر تعقيدا ومما دفع اهل الريف الى الهجرة الى المدن بحثا عن العمل والحياة الأفضل خاصة في السكن والخدمات التعليمية والصحية والترفيهية التي تنعدم تماما في ريف تلك البلدان ليجدوا انفسهم في حالة غير متوقعة ليعيشوا حياة قاسية أشبه بحياة المشردين المهمشين المستعدين لأي عمل يجدونه فهم بلا هوية ولا وطن يسندون رأسهم عليه،
هذه الأجيال المهمشة اغلبها من الشباب الصاعد المسؤول عن مستقبل وطنه، لكنه في الحقيقة لا يشعر باي وطن فهو ترك وطنه منذ ترك بيته الأول. ولهذه الأسباب فأن هؤلاء هم اكثر من يكون على استعداد لترك وطنه فألامر سيان بالنسبة لهم، لان سكنهم الحقيقي هو المكان الذي يجدون فيه اٍستقرارهم وأمانهم ومستقبلهم.
وهذا الامر يمثل السبب الرئيسي لما يسمى بغزو الريف على المدينة، وخطورته موجودة في كل الاحتمالات.
فأن سيطروا على الحكم كان كارثة نتج عنه ازدياد تخلف البلد وانحطاطها واستشراء الفساد فيها، وان تركوا وطنهم كان كارثة في ان يهجره من هم القادرين والمسؤولين عن بناء الوطن وتطوره، وان ارتضوا بما هم عليه فهو كارثة في ان أجيال من العاطلين والمهمشين مشردين ومعناه اٍنتشار الجرائم والسرقات نتيجة انهيار الامن وسلطة القانون، انها عبارة عن لعبة الدومينو أساسها الفساد الإداري في الدولة وعدم وجود خطط وطنية جادة لمعالجة الانفجار ألسكاني.
لقد ثبت ان قدرة المواطن على الحصول على سكن ملائم يساعد في ألاستقرار بشكل كبير ويقلل من احتمالات تركه ارضه او عمله، فلو اخذنا العراق على سبيل المثال نرى ان الحكومات المتعاقبة منذ العهد الملكي وخاصة بعد تأسيس مجلس الاعمار في بداية الخمسينات واثر تدفق عائدات النفط، ولغاية بداية السبعينات من القرن الماضي على توزيع الأراضي السكنية على منتسبي الدولة بشكل عام مع القروض الميسرة جدا من مصارف الدولة العقارية.
كما ساهمت الدولة على بناء المجمعات السكنية لمنتسبي المشاريع العملاقة لمجلس الاعمار المذكور والخطط للخمسية اللاحقة للدولة وساهمت هذه القرارات ايضا في المساعدة على خفض أسعار الدور والأراضي السكنية وكلتا الحالتين ساهمتا في الاستقرار النسبي.
وما ان بدأت الدولة بتقليص توزيع الأراضي حتى احترقت أسعار الدور والأراضي بشكل كبير فاق مقاييس التضخم وارتفاع الأسعار نتيجة لارتفاع أسعار النفط في حينها كما ادعي حتى وصلت الأسعار الى ارقام خيالية، كما ان الحروب التي خاضها العراق من جهة والازدياد السكاني غير المنظم والفساد الإداري الذي وصل الى درجات غير معقولة من جهة اخرى جعل الامر يخرج عن السيطرة بشكل كبير جدا، وهكذا نعود ثانية الى لعبة الدومينو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟


.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة




.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه