الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في روايات المتاهات للدكتور برهان شاوي

لنا الفاضل

2016 / 7 / 7
الادب والفن


لم يحدث معي ان قرأت ست روايات ضخمة متتابعة لكاتب واحد في فترة قصيرة كما حصل معي الشهور الماضية. عندما بدأت قراءة سلسلة المتاهات للروائي والشاعر العراقي الكبير د. برهان شاوي .. وهي بالتسلسل رواية متاهة آدم ثم متاهة حواء، متاهة قابيل، متاهة الاشباح، متاهة ابليس، واخيرا متاهة الارواح المنسية .
لكن المتاهات هذه تستفز رغبة الاشارة اليها بين صفحة وصفحة كما انها تجعل الكتابه عنها امرا خطيرا صعبا لكل قاريء لها .
سأتحمل مجازفة الاقتراب بقراءتي من هذه المتاهات الغريبة التي كتبت تاريخا طويلاً لايام مر بها العراق بعد الاحتلال عام 2003 عائدا لحقبة الثمانينات وما تلاها من احداث حتى تصل ايامنا هذه.
في سرد عجيب متراكب وبطريقة غير مألوفة كأنك تشاهد فلما سينمائيا يعود بك من لحظة الحاضر الى الماضي لتقفز للمستقبل ثم ما بينهم جميعا قد تجد نفسك في عالم جديد لا تعرف مَن الواقع ومَن الوهم فيه!!
تشعر كأنك في عربة تمر على الاحداث فتشدك حتى أحيانا تظن إنك طرف بها او إنها كتبت شيئا مما مر في حياتك وتحس أحيانا بالاختناق ورغبة الهرب مما تقرأ، وتحس ربما انك قاربت على الجنون لفرط الصدمات المتوالية،واحيانا ترحمك و تشعرك بالرضى فقط لانك لست احد شخوصها المعذبين .. وهذا ما أتقنه الكاتب ببراعة وحبكة تظل تتساءل كيف سيطر عليها واخرجها بهذا الشكل؟!
المتاهات هي اسم على مسمى فعلا
تبدأ من متاهة أسماء تتكرر،
بطلها آدم وحواء في ما يقارب من تسعين شخصية لآدم مع ستين شخصية تقريبا لحواء فقط الاختلاف في اللقب واحيانا في جنسية البلد الى متاهة الاحداث في بلدان تحكمها ادوات القمع الى متاهة التساؤلات الوجودية ،
و هده التسمية جاءت في تقديري دلالة على تشابه اللاوعي في الافعال والافكار والنزعات للبشر مهما تغيرت الظروف وتغيرت الاماكن وتخبطهم في متاهات الواقع المعاش.
الذي جعلني اكتب الان عن هذه الروايات انها استقرأت الحدث العراقي ومتاهته وقد تنبأت بمستقبل غريب لهذا البلد منذ بداية كتابتها في الالفية الثانية ولحين نشر اول المتاهات عام 2009.
نبؤة تعقبها نبؤة لا تعرف هل كان الكاتب يدرس التاريخ والوقائع ليستنبط القادم أم إنه ممن استطاع مزج روحه مع حواس خارقة لتكتب متاهة العراق وجحيمه بهذا العمق لنجد ما كتب فيها قد تحقق بوقائع عديدة فعلا ، مع غزارة التحليل النفسي والتشخيص البارع لمكامن الضعف في الحياة والوعي، لدرجة الالم والصراخ من هول الحقيقة و الخديعة معا .
هناك خدع كثيرة لم يتطرق لها أحد من قبل تجدها هناك خلف أبواب المتاهات تضحك علينا وتشفق كم نحن بلهاء لاننا نصدقها وندافع عنها بضراوة فنصنع اعداءنا ونقصي احباءنا لاجلها .
تداخل العوالم ما بين الحقيقة والخيال
-الجرأة في كسر كل التابوهات التي صنعتها ثوابت الدين الى نظريات علم الاجتماع الى تفاسير علم النفس مما يجعل النظرة الفلسفيه للحياة تتنوع بصورة مكثفة في اغلب الروايات وتطرح قضايا مهمة شائكة.
- قمع المجتمع للارادة مع قمع الدولة للفرد. تتجلى هذه في متاهة آدم بصورة مكثفة
-روايات تجد فيها رسائل السماء واشارات المغفرة ، الاشباح الطيبون مع البشر الذين صنعوا كل شر ، واخترعوا طرقهم للعبودية وقتل الروح. اذ تبدأ هذه المظاهر جلية في متاهة حواء لتتواصل في باقي المتاهات.
-التاريخ المزور والارشفة الغائبة للواقع،الحرب المستمرة بلا توقف،
-العلاقات الخاصة بين الاوادم والحواءات سردها صادم و مستفز ومزعج احيانا لكنها ارادة الكاتب بتكسير كل القوالب الجامدة واعتبار ان الانسان هو كائن بايلوجي لا يستطيع الانفصال عما يخططه العقل من اهداف وما يتنازعه عليها الجسد من رغبات وغريزة هذا في كل الروايات نجده حاضرا .
-عوالم كثيرة في رواية واحدة، وقصص عميقة في صفحة واحده ربما قد تجدها روايات كاملة عند كتاب آخرين.
وجرأة الكاتب في اقصاء القاريء من ذهنه عند الكتابه وانغماسه مع ابطاله يتحركون كما شاء او كما يشاؤن هم فتجد كلمة حرية الكتابة واقع معاش بلا رتوش ولا تهذيب ولا محاباة لنقد او اتهام متوقع بل مؤكد سيعقب قراءة هذه الروايات.
- التماهي مع الادب العالمي مما يعتز به الكاتب ويعلن عنه في لقاءات عديدة تأثره بما كتبه من يسميهم أساتذته من الادباء والفلاسفة والفنانين العالميين والذين يشير لهم في اقتباساته العديدة والتي تخدم سياق فكرته في وضعنا امام تساؤلات وجودية عديدة أين يقع الجحيم وأين تتجمل الجنة لأبناءها في انتظارهم رغم ان كلا الطريقين لهما يبدأ بالموت. مما يحتاج قارئا حياديا يضع معتقداته وآراءه جانبا ليتقبل قراءة ما ورد فيها من أفكار ثم يتخذ قراره بعدها بالقبول او الرفض. وخاصة متاهة ابليس نجد فيها تصاعدا فكريا وفلسفيا كبيرا ويجعل القاريء مصدوما هل يهرب ام يتهم الكاتب بالهرطقة ام يفكر بما يقرأه ملياً.
الموت والعذاب كثير جدا في المتاهات ككثرة الموت في عراق الجحيم الان يترك في داخلك الكثير من المرارة والحزن والاسى ... فيما تكون الحياة الجميلة طيعة في أن تنسحب لصالح ارادة الشر الذي يظل يطاردها فلا تستطيع الاستقرار على ثوابت وهذا ما نراه يتحقق فعليا في العراق، في اشارة اخرى من الكاتب أن الانسان يتغير كل يوم بما يواجهه من افكار وافعال واغراءات وضغوطات وانهيار لكل مقومات الحياة من حوله و رغم ما يتمسك به من جمال وعفوية الا انه ابن بيئته وهذا نجده في كل المتاهات .
آدم الرمز للرجل في كل الروايات كالمعتاد تأتيه لحظات يتفاخر ويكون مغرورا وذا قوة وبطش وبلحظات يسقط ضعيفا كسيرا لا يرجو سوى شفقة السماء عليه وان ترحمه كأبن ضال ، كان د.شاوي يعريه طبقة بعد طبقة ليصل اعماقه ويضع اللوم بين السطور ، على النشأة والمجتمع المنغلق والقبلي والديني والسياسي في تركيبة آدم المزدوجة الاقنعة .
وكذلك نجده يعري حواء بقلمه وريشته ومبضع العمليات فيكون كاتبا ورساما وجراحا فيصفها ويرسمها ويشرحها.يجعلها ملكة جمال احيانا كثيرة ثم يقودنا من يدنا لننزل لسراديب روحها الغريبة التائهة المغلقة فنجد ايضا القسوة والبشاعة وحب الذات. ثم بعد ذلك يدعونا لعشقها فهي اسطورة امومة وحنان وقوة مهما كان تصنيفها الاخلاقي..
اننا نجد الكاتب عميق التواصل مع حواء ولافكارها وآراءها في الحياة مما يجعله منصفا لها ولكنه ايضا يعد متجنيا عليها في آن واحد في مواضع عديدة .
من سيقرأ الروايات سيفهم ما تتعرض له حواء في عوالم د.شاوي الفانتازية بإمتياز غريب، لا نواجه مثله في روايات اخرى من احداث قاسية مؤلمة ومؤامرات ومطاردات وغيرة وحب واستغلال وقهر .
لا بد ان نذكر ان وسط كل هذا الكم الهائل من التفاصيل والسرد والحقائق الممتزجة بالاوهام نجد بين ايدينا رواية اثرائية ترفدنا بأسماء فنانين ونحاتين ولوحات ومتاحف وموسيقى وشعر وشرفات وجدران عتيقة وفنادق واحياء وأرصفة حقيقة في مدن عديدة. سعى المؤلف ان يرصدها بنفسه خدمة لتحركات ابطاله من نساء ورجال في ست روايات تنتظر اكتمالها بثلاث اخرى. ويجعلنا هذا نترقب ما ستتمخض عنه رؤية الدكتور برهان وآراءه في الحياة وفي المستقبل ببراعته بنقلنا من متاهة لاخرى وببراعته في ان يتركنا نواجه انفسنا لنصنع فلسفتنا الخاصة.
بعد هذه القراءة نكتشف ان لدينا روائي يكتب رواية تنطلق من محليتها لتكون رواية عالمية بإمتياز لانه يصنع منك قارئا جديدا مشاكسا للرتابة ليس للروايات فحسب ولكن للواقع نفسه وللمعطيات التي به ، الذي ستراه بعين جديدة اكثر سعة من السابق واكثر جرأة على التحليل والفهم ومشاكسا لنفسك ذاتها . رغم ان الاحتفاء العربي والعالمي جاء اكبر بكثير من الاحتفاء العراقي بهذه الروايات التي قرأت المشهد المحلي بدراية ووعي كبيرين فطارت شهرتها لاقاصي الوطن العربي في المغرب والجزائر وتونس والسويد وتم الاحتفاء بها وبكاتبها عدة مرات، بينما نجد انه قد كتب عنها كتابات خجولة في وسطنا الادبي العراقي ربما لان تسليط الضوء عليها يعد مجازفة حقيقية في الداخل وتحديا حقيقيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟