الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الروح ترتدي ثوبا ابيضا

نعيم عبد مهلهل

2016 / 7 / 8
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الروح ترتدي ثوبا ابيضا
نعيم عبد مهلهل

الروح من خلق الرب فأتخيلُها على شكل غيمة ، تسكن أجسادنا عمرا ، وتغادرنا الى الأبد لتعود الى المطلق الذي قوق رؤوسنا ، وعدا ذلك لايمكن لي ان اتخيل تفسير للروح .
تلك كلمات زميل لي في المدرسة التي قضينا فيها سنوات التعليم بقرية نائية من قرى المعدان في عمق الاهوار .
يسمونها قرية ( المحاريث ) جمع محراث ، والمحراث هو غصن شجرة يابس وطويل وثخين يحركُ فيه الجمر داخل التنور الذي يصنع فيه الخبز حتى يزيد من قوة اشتعاله واغلب هذا الجمر هو من المطال ، وهو عبارة عن روث ( فضلات الحيوانات ) يتم عجنها على شكل اقراص مدورة وتخلط بمادة التبن ثم يتم تعريضها امام الشمس لتصير صلبة وتسخدم للتدفئة شتاءً ، ولتجميرها في قاع التنانير الطينية من اجل صناعة الخبز .
لا أدري حين اقف أمام تنور الخبز ، واتأمل امي في البيت وهي تحرك المحراث لتثير في الجمر اشتعال قوي ينضج الخبز فيه ، أو وأنا اتأمل نساء المعدان في القرية يفعلن ذات الشيء ، أتخيل أن النار وبعض من امواج حرارتها الصاعدة وتبدو لي مرئية على صورة طيفية لاشكال هيلامية تتعانق فيما بينها او تتشاجر وهي صاعدة الى ذلك المطلق إنما هي من بعض اطياف ارواح لكائنات ما ، عاقلة او غير عاقلة ، حد الذي يدفع معلم يساري آخر ، يعلق على شهية الرغيف الخارج من التنور قوله ، ظهر الرغيف بصورته الكونية وارواحنا متعلقة فيه لأنه الحياة .
وحين نذكره بقول المسيح ( ع ): ليس بالخبز وحده يحيا الأنسان
يرد : ولكن الجياع معه يعيدون صناعة ارواحهم.
أعادة صناعة الروح هو ما كان يشغلني في ليل الأهوار واتخيل الصياد الذي يمنع الروح عن السمكة عندما يتركها تقفزع ذعرا في قاع المركب الى ان تموت ، وأفسر بسريالية غريبة تعدد الارواح وتنوعها فأظن ان هناك روح جامدة قد تخبو وتتجدد مرة اخرى مثل الشمس والنجوم والاقمار ونار التنور ، وهناك ارواح عاقلة تعرف قدرية الروح فيها والمسافة الزمنية بين الولادة والموت . وهناك كائات حية ولكنها غير عاقلة مثل السمكة والطير الذي يمارس نفس رد فعل السمكة حين يفصل رأسه عن جسده ذبحا بالسكين او بطريقة يمارسها الاطفال مع صيد الزرازير والقبرات ويسمونها ( ملص الرقبة ) اي فصل الرأس عن الجسد من خلال جرها باليد بقوة .
ذاته المشاعر بقيت تلاحق ظل تفكيري كلما اقرأ خبرا عن موت صديق او اديب او ممثل مشهور أو مع فقدان الاصدقاء والجيران في جبهات الحروب وأنا استعيد عبارة هائلة لواحد من الاصدقاء قولها :الحروب تحول ارواح البشر من لحظة هيام كتابة قصيدة الغرام الى مجرد خشبة هائمدة يرفعها الناس ليهال عليها التراب بعد ذلك في مقبرة .
لهذا أيام جنديتي في ربايا القمم العالية في بنجوين وكلا حسن وتاريار لم اتخيل صورة مجسمة لارواحنا سوى على صورة نعش الخشب .
ولكنه ولكن ذلك الطيف المرئي بضبابية شكله الهيلامي اقترب اكثر في تصوراته وتحديد ملامحه يوم عدت الى بيتنا في الناصرية ولم اجد روح ابي التي كانت تظلل حياتنا بالحكمة والعمل والحنان .
مات ابي . واختفى جسده من على سريره المنفصل الذي انعزل فيه عن والدتي منذ زمن بعيد ، رفعوا نعشه عن الارض دون ان اكون موجودا ، وحتى اجده لاعانقه في وداع اخير ، رحت افتش في ارجاء المنزل عن تلك الاضواء الهيلامية التي كانت تخرج من التنور المتقد يوم يحركه محراث امي او محاريث نساء المعدان ، لكني وجدت التنور هامدا فحزن امي وتقوس ظهرها لم يعد يسمحان لها بأيقاد التنور مرة اخرى.
فعدت الى القرية افتش عن واحدة تشعل تنورها في ظهاري الصيف لتبان لي تلك الاشكال الصاعدة من لذة احمرار الجمر فيتشكل معها وجه ابي على شكل روح ترتدي ثوبا ابيضا ، فأتخيل أني اقيم معه الآن تفاصيل وداع متأخر فتشعرني حرارة تلك الاشياء بدفء حضنه يوم اركض اليه جريا وانا احمل شهادة النجاح في المدرسة الابتدائية والتي تغيرت طقوسها عندما انتقلت الى المرحلة المتوسطة حيث كان يكتفي بتقبلي بحرارة ، أما امي فقد ابقت طقوس الاحتضان في لحظة جلب شهادتي للبيت حتى عندما تخرجت من معهد المعلمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران :ماذا بعد مقتل الرئيس ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إيران تعيد ترتيب أوراقها بعد مصرع رئيسها | #التاسعة




.. إسرائيل تستقبل سوليفان بقصف مكثف لغزة وتصر على اجتياح رفح


.. تداعيات مقتل رئيسي على الداخل الإيراني |#غرفة_الأخبار




.. مدير مكتب الجزيرة يروي تفاصيل مراسم تشييع الرئيس الإيراني وم