الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضية الفلسطينية بين خياري التسوية والمقاومة.. حتى لو, لا تسوية بدون مقاومة

محمد بهلول

2016 / 7 / 8
القضية الفلسطينية


لا يجادل احد في ان القضية الفلسطينية تعاني من حالة تهميش واضحة ,الجدل قد يكون بالاسباب والخلفيات وراء هذه الحالة وتردداتها وانعكاساتها على واقع الشعب الفلسطيني من النواحي كافة, ولا سيما حالة الاحباط واليأس التي اصابت المجتمع الفلسطيني وان بنسب متفاوتة ما بين قطاعاته وفئاته الاجتماعية وجغرافياته المتعددة.
الكثيرون يعتقدون ان الخلل الواضح في موازين القوى هو السبب الرئيسي لحالة التهميش ونجاح معسكر الاعداء الاسرائيلي- الاميركي في التقدم خطوات ملحوظة في كسر ارادة المقاومة لدى الفلسطينيين مما ادى الى تراجع ملموس في نظرية الشعب المقاوم لصالح تقدم نخبة سياسية –تكنوقراطية استطاعت السيطرة على مقدارات وطاقات الفلسطيينين.
المراجعة ولو السريعة للواقع الفلسطيني ونحن ندخل الى العام التاسع والستين على النكبة يقدم اجابة منطقية على ان بداية حالة التهميش كانت مع الدخول الفلسطيني الرسمي الى دائرة المفاوضات (مدريد-اوسلو) بافق التوصل لتسوية الصراع -الاسرائيلي بعد ان رسمت تسويات ثنائية على أكثر من ثنائية عربية-اسرائيلية,هذا الدخول الفلسطيني والذي تسلل دون غطاء وقبول شعبي مستخدماً المقدمات العملية للانهيار التام لدول المنظومة الاشتراكية والتوافق الرسمي العربي لاعطاء شرعية للمفاوض الفلسطيني ولتضليل الشارع الفلسطيني وبنسبة أقل العربي بواقعية هذا الخيار, احاديته والزاميته في ظل اختلال فاقع لموازين القوى تناغماً مع مقولة تبنتها الغالبية الرسمية والشعبية حول الانتصار النهائي للرأسمالية المعولمة وتصدر الولايات المتحدة وتحكمها بمصير العالم ومسار الشعوب.
ان التسوية بالمفهوم النظري اما تكون على اساس المصالح او الحقوق او القوة , ولأن واقع الصراع العربي- الاسرائيلي بحسب كل القوى السياسية والعقائدية وبالتأكيد الشعبية , هو صراع وجودي (ليس بالمعنى البشري ) انما بالمعنى العقائدي ,اي حسم الرواية اما لصالح السردية الصهيونية او الرواية العربية للصراع ,فلذلك فان امكانية التوصل الى تسويه على اساس المصالح او الحقوق " حتى بالمعنى النظري" هي امكانية غير واقعية ولا تستند الى اي منطق انساني وعقلي , فالمتاح في حقيقة الامر هو تسوية القوة , أي انتصار منطق ورواية ومصالح وحقوق طرف قوي على طرف ضعيف وهي بالتالي تسوية منتصر ومهزوم أي انتصار طرف واستسلام الاخر.
23 عاماً مرت على اوسلو وأكثر بعامين على مدريد والنتائج المحققة هي مفاوضات عقيمة تنتج وتؤدي الى سلسلة غير متناهية من جولات التفاوض المباشر اوعن بعد , فيما رصيد الطرفان يزداد هوّة, فالاسرائيلي يراكم في رصيده ارباح تتدور باستمرار والرصيد الفلسطيني والذي شارف " مساحة وأرضا نبض شعب وروح انسان" على الافلاس النهائي والخسائر المتراكمة.
وان ابرز ما يمكن تسجيله امام الفلسطينيين هو :
أولاً: ان موازين القوى ومنذ العام "1965" اي انطلاقه الثورة الفلسطينية المعاصرة لم تكن يوماً لصالح العرب والفلسطينيين وان تباين صعوداً او هبوطاً في مراحل معينة, الا ان ذروة النهوض الوطني والتألق الذهبي بمكانه القضية الفلسطينية كانت في مراحل المقاومة والصمود وان بدت بعض هذه المراحل بسمات صبيانية شديدة ومثالية سياسية وحصرية تعبوية, اما حالة التهميش الزائد فرافقت مراحل التفاوض ووصلت الى اعلى حالاتها مع حسم الخيار الرسمي الفلسطيني لصالح خيار المفاوضات وانتقاله النهائي من وسيلة وشكل الى خيار احادي مع ما يعنيه ذلك من ضرب واضح لنظرية الشعب المقاوم واحلال نخبة سياسية –تكنوقراطيه تفاوضية بديلاً عن الشعب .
ان خيار المفاوضات يعني اخراج الشعب بفئاته الاجتماعية وجغرافياته المتعددة وهو ما ادى (مع فشل التوصل السريع الى نتائج في اطار المفاوضات) الى انتشار واسع لحالة الاحباط واليأس والانتقال من دائرة الاهتمام والتأثير " الوعي والنضال الجمعي" الى مواقع الذاتية والانانية والبحث عن الخيارات الفردية والشخصية.
ثانياً: ان المنطق السوي لاي مفاوضات يعني تجميد الخلاف والاجراءات المرافقة له, وهو ما لم يتوفر في الحالة الفلسطينية , حيث من المسموح ل" اسرائيل " القيام بكل الخطوات التي تمكنها من سرقة الارض و بناء المستوطنات الخ حيث وصل الامر الى ابتلاع وتهويد الارض ما يجعل من السخافة الادعاء عن امكانية دولة لها مقومات (نظرياً للفلسطينيين) , في مقابل ليس تجميد عمل "نضال" الفلسطيني بل استخدامه وتوظيفه المعاكس " التنسيق الامني مثالاً لا حصراً).
ثالثاً: تحويل الاقتصاد الفلسطيني الى مجرد سوق للبضائع ومنصة لتهريبها الى الاسواق العربية الاوسع مع ضرب ممنهج لكل المؤسسات الانتاجية البدائية السابقة و تحويلها الى مؤسسات تصريف , مما ولد وضاعف من اعداد وتأثير البرجوازية الكمبرادورية على حساب البرجوازية الوطنية " حيث تزداد اضمحلالا عددياً وتراجعاً في المكانة والتأثير وهو ما ادى بحكم انتقال المكانة القيادية للنضال الوطني من البرجوازية الوطنية الى الكمبرادورية متحالفة مع الاجزاء العليا من البيروقراطية الفلسطينية الى استباحة الثوابت الوطنية وان حافظت البرجوازية الوطنية عليها بحدود دنيا , وانتقال اهتمام الشارع الفلسطيني من النضال الوطني (بوجه الاحتلال والاستيطان) الى ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية اي تركيز جهود واهتمامات الناس على الجانب الديمقراطي ( المصالح اليومية) وليس على الجانب الوطني, ما معنى ان نشهد مظاهرة للمعلمين بعشرات الالاف وهي محقة بمطالبها بما لا يقبل الجدل , دون ان نلحظ على مدار سنوات المفاوضات اي تحركات شعبية جديّة بوجه الاحتلال والاستيطان والجرائم الارهابية الوحشية الصهيونية.
في السياق نفسه , تتوالد " منذ مدريد " كالفطر مؤسسات المجتمع المدني ذات التمويل الغربي الوفير بمهمة اساسية واحدة هي نشر ثقافة " الحوار والتنمية المستدامة" اي امكانية حل النزاعات والصراعات بمختلف جوانبها , المقصود حكماً " المستوى الوطني والصراع مع الاسرائيليين " من خلال الحوار الدائم اي المفاوضات العبثية الدائمة , مع تحسين جزئي بمستوى المعيشة وانتشار مكثف لثقافة الاستهلاك والرفاهية " وان بدون قاعدتها المادية " مما يشد الانتباه والاهتمام على المصالح الشخصية والدور الفردي على حساب الوعي والدور الجماعي " متطلبات النضال الوطني الجامع ".
رابعاً: ان الاعتماد الرسمي لخيار المفاوضات ادى الى الانقسام السياسي – الفصائلي وهو مرشح للتحول الى انقسام مجتمعي فلسطيني ما بين الجغرافيات الفلسطينية المتعددة , حيث ان اشتراط " الاعتراف المسبق بيهودية الدولة و هو ما يتناقض وطنياً وبراغمايتا مع مصالح الفلسطينيين في الاراضي المحتلة عام 1948" وشطب حق العودة وهو العنوان الوطني لمصالح اللاجئين".
التسوية بالمفهوم الاسرائيلي وهو السائد على طاولة المفاوضات يحصر الاهتمام الحقيقي لا الاعلامي بواقع جغرافية فلسطينية محددة ( المناطق المحتلة عام 1967) على حساب الجغرافيتين الاخرتين وهو ما يقدم الاساس الموضوعي لتكسير الوحدة البديهية لمكونات وجغرافيات الشعب الفلسطيني والانتقال بها الى وحدة عاطفية فحسب مع كل المخاطر المتوقعة.
طبعا ان مخاطر التسوية والخسائر التي تتسبب بها كثيرة ولا تقتصر على ما ذكر, سيما ان التسوية بالمفهوم الرسمي تحولت الى خيار احادي حصري يلغي كل الخيارات والاشكال وهو ما يؤثر وان براغماتيا على المفاوضات نفسها التي تحتاج الى اوراق قوة و ضغط يبدو ان المفاوض الفلسطيني تخلى عنها طوعاً او تحت تأثير المصالح الذاتية للكمبرادور الفلسطيني المتحكم بحاسمية القرار في السلطة الفلسطينية.
الفلسطينيون معنيون وامام الذكرى الثامنة والستين للنكبة للاختيار المنطقى بين خيار مفاوضات عبثي وخيار مقاومة –رغم التضحيات- لا يبدو انه فشل في اي مكان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب نقص الغاز، مصر تمدد فترات قطع التيار الكهربائي


.. الدكتور غسان أبو ستة: -منعي من الدخول إلى شنغن هو لمنع شهادت




.. الشرطة الأمريكية تفض اعتصام جامعة فرجينيا بالقوة وتعتقل عددا


.. توثيق جانب من الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال في غزة




.. نازح يقيم منطقة ترفيهية للتخفيف من آثار الحرب على أطفال غزة