الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدهش من أحزان العندليب

أمير الحلاج

2016 / 7 / 8
الادب والفن


التجربة الحياتية في : المدهش من أحزان العندليب
أمير الحلاج
في قول لأرسطو(أن الشعر هو ليس الفن الأكثر تكثيفا فحسب بل هو أيضا الفن الأكثر فلسفة) إذ هو تأكيد على استبعاد الانفعال من الحالة الفنية الخاضعة للتخطيط المسبق للعمل الفني الخلاق الخارج من التأثير السلبي للموروث الأدبي ، لذا ان أثر التأمل في استيعاب الموروث عقليا يبعد هيمنة العاطفة المحدودة التي تطابق العمل الآني مع الموروث وصولا الى الصور الشعرية غير المقيدة حين يكشف عنها بالتجربة الحياتية بعيدا عن المسارات الشخصية المسطحة، وهذا لا يعني إقصاء العاطفة عن أثر العمل الفني بقدر ما هو جعل العقل والعاطفة في عملية سبر أغوار جديدة وخلاقة بعناصرها البلاغية ما دام الخيال هو مملكة البت والتوليد.
لذا نرى أديب أبو نوار في هذه المجموعة يزاوج بين المرئي والحسي من الأثر النابع من التجربة بدءاً من عنوان المجموعة المتمثل بـ (المدهش من أحزان العندليب) والذي يحيلنا الى البيئة ، أي أن ما بين الدهشة والحزن يتألق صوت العندليب وتتبلور هذه البيئة ، بيئة الاحتواء التي لها الأثر الفعال في هذه التجربة سواء كانت هذه لبيئة نائية عن المدينة أو في قفص عندليب بيتي ، وأن هذا الأثر يتضح في قصيدة (نعم... هذا سؤال ) ص 5 وهي مكالمة هاتفية أو حوار بين شاعرين المتصل في ساحة حرب والمتلقي في ورشة عمل(عندما تنحني فوق طاولة المعمل/ كم ستعرف من مشقاتي/مشقاتي باذخة الأذى قرب "نوح"/قالت الأنباء أن الأمريكان تحشدوا فوق منصات الأصاطيل ص7) ولا تختفي دلالة البيئة من أثر التجربة في هذا المقطع بإجراء المقارنة التقنية بين المعمل ومنصات الأصاطيل اذ تتضح اللوعة في كلمات الشاعر الأول(قلت لا تقاطع الدم البشري هو وحده العجيب/هو الذي يصلح وقودا للآليات /مثلما يديم الدبابة الحديثة أو الفيزياء/أكل هذا سؤال ؟ ص 7)
فالتخطيط المسبق لهذه المقولة تولد من عاطفة الغضب الجياشة بعنفوانها الانساني ليخرج من قيدها الى حرية العقل في حفر معرفي خلاق يفضح ما ينتج لحظة عدم اخضاعها الى العقل الواعي لتتكون ديمومة خضوع الانسان وقودا للآلة وليس العكس، ويستمر في الحوار الذي يخرج الشاعرين بعد تحية الصباح من الاستكانة المتناقضة بينهما الى الاتحاد المحدد معالم المكان الواحد من خلال الأسلاك في وحدة الفعل الانساني الراسم احداثيات دهشة الأحزان ، وبالرغم من هذا الاتحاد الجوهري المتمثل بالصوت ينبلج العوز الصوري في اتحاد آخر اشرأبت منه هذه الأسئلة المفصحة عن الذكريات في حيزٍ له سطوة مهيمنة شديدة التعقيد في تحقيق القيم الانسانية حين يسأل عن الأصدقاء ( وهل صحيح ما يشاع /أن إخواناً لنا يفترشون أرصفة الشعوب وينالون من بقيتنا المالحة؟ ص 8).
إنّ هذه الأسئلة جاءت ليس بينه وبين توديع الحياة إلاّ ما تحدثه العناية الربانية ، ويسأل عن الذي يشاع في بيئة ٍ تؤرِّقه بما يفعله بعض الأخوان بسردية الأحدلث التاريخية ليدحض هذه التقولات مستذكراً بغضب يسألُ عن الموصليين أحفاد سنحاريب وعن البصريين والكربلائيين في رؤيا تفصحُ عن امساكه زمام الوعيِ من رسم هذه الخارطة ليصل الى الغايةِ المرجوةِ في بثِّه اللوعة (أنا الآن في أوار المعركة / متاحٌ للموت تماماً ص 8)
فهذه الصرخة المعمارية البناء ُشيَّدت كحجر أساس لصرح الآمال الاجوانية من المأوى الضيٍّق الى المتسع المنفتح ما دام هو المحشور في الملجأ الضيق لا يملك الا ان يكون أو لا يكون والمتكلم معه في الطرف الآخر ، الطرف التقني الذي له قدرة فتح آفاق وأد الـ (لا) ليكونا معا في المتسعِ المنفتحِ المبتديء من الموصل بسنحاريب وبغداد المآذن والكنائس واتحاد الأدباء بجغرافية امتزجت بالتاريخ والحاضر بجميع المعالم الحضارية من خلال السلك الذي يوصل خبرا عن (المعركة ضارية جدا/
زمزميتي نفد ماؤها / ومع ذلك ما زال السلك يوصل أخبارنا ص 9)وهو بهذا الاسترسال يضعنا في موضعين متناقضين بين السكون نحو الصمت والارتجاج الى حيز التأويل حين ختم القصيدة بـ (نعم هذا سؤال ص10)
أمافي قصيدة (لهذا فقط ص11) فتتضحح قوةُ التجربة في معالم البيئة بالمسميات الروحية والذاتية الملموسة ،إذ يبدأ في تفويض ما حدث الى الله في متواليتين رياضيتين الأولى عددية بقوله(ها قد جلسنا على بعضنا/مرة أخرى) والثانية هندسية بقوله (ومرات أخر ص11) أي أن استمرارية الحدث البيئي الحاصل متزايدة بفعلها هي ، ورد الفعل أن كفت هذه الاستمرارية هو نحن بقوله(وحين تكفّ توحشنا /بأقدامنا نذهب اليها/ اي والله قد حصلت ص 11) وما بين هي العددية ونحن الهندسية يعود بنا الشاعر الى بيئته الخاصة بيئة انتصاف الليل في حوار متسلسل تاريخي في المعرفة من الفلاحين الأجلاف مرورا بتوزيع الأمكنة بشقيها ، الأول هو الأرضي (مكان في التنور المهجور) والثاني الفضائي(أرواحهم عالية.. عالية عالية/ترفرف قرب ضفة السموات ص12)والى المعرفة العمياء (يا وقحة اللسان ص 13) ومن ثم الحديث عن السياسة والاقتصاد لكن رغم كل هذا التسلسل المتوزع تبقى البيئة في التناقض ذاته (كلهم يطعنون كلهم /وكلهم يستغفلون كلهم /وكلهم يخونون كلهم /وكلهم كلهم... فقط/لهذا فقط ص 14) وهو تناقض ايجابي تحتم أن يكون لتشعب الرؤى في الشيء ذاته الخاضع الى النسبية وليس الى المطلق الا وهو الجمال.

_______________________________________
المدهش من احزان العندليب مجموعة الشاعر الراحل الصادرة عن دار الشؤون الثقافية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي