الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يقف وراء التفجير المرعب في الكرادة، وهل سيجري تحقيق دولي فيه؟

ميشيل حنا الحاج

2016 / 7 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


عدد الضحايا نتيجة التفجير الكبير وغير المسبوق في حجمه ...في منطقة الكرادة التي تشكل أحد أهم المعالم البغدادية، ما زال يرتفع، ومن المحتمل أن يزداد ارتفاعا ليصل الى رقم قد يكون مذهلا. فبعد أن كان الرقم في اليوم الأول للتفجير (اي يوم الأحد 3 تموز) 120 قتيلا، أخذ الرقم يرتفع تدريجيا يوما بعد آخر ليبلغ يوم الأربعاء 250 قتيلا، وليرتفع بعدها في اليوم التالي ليصل الى 295، مع وجود الاحتمال الكبير بأن يرتفع الرقم أكثر دون الاعلان عن الرقم الحقيقي النهائي، نظرا لمخاوف الحكومة العراقية من ردة فعل الشعب اذا ما اعلنت الأرقام الفعلية والتي يرجح ارتفاعها، طبيعة السلاح المدمر الذي استخدم في التفجير، والذي بدأت تتزايد الترجيحات بكونه سلاح C4 + Amonia، وهو سلاح مدمر وقد يكون من عائلة أسلحة الدمار الشامل، أو قريب منها كثيرا. وأعلن الناطق باسم وزارة الداخلية أنه تم تحديد هوية 150 جثة، أما الباقي فهم أشلاء جثث، وبعضها محترق تماما، فهذه طبيعة وآثار السلاح المستخدم، أي C4+Amonia.

ولم يعد السؤال المطروح الآن حول نوعية السلاح المستخدم، فهذا قد اعترف به رسميا الناطق باسم وزارة الداخلية البريجادير سعد معن، اذ بات يطرح الآن التساؤل حول من يقف وراء هذه العملية، بل المجزرة الكبرى؟ هل هي الدولة الاسلامية، وان كانت هي وراءه، فهناك تساؤل هام حول كيفية وصول سلاح مدمر كهذا الى ايادي تنظيم ارهابي مدمر كالدولة الاسلامية؟ فلا يمكن أن يكون هذا السلاح قد هبط عليهم من السماء، ولا بد أن جهة ما قد أوصلته اليهم، ان كانت الدولة الاسلامية هي فعلا المنفذة لهذه المجزرة الدامية، والتي من المتوقع أن يتجاوز عدد ضحاياها، ضحايا مذبحة ملجأ العامرية وربما أكثر.

وتردد التكهنات أسماء جهات كثيرة من المحتمل أن يكون أحدها يقف وراء هذه العملية الوحشية، اما كمنفذين أو كمساهمين بتمرير السلاح المدمر لمستخدميه. فالعملية في ظاهرها، نفذت في الكرادة، واستهدفت القاطنين في الكرادة، علما أنهم خليط من طائفتي السنة والشيعة، بل وقد يكون بينهم الكثيرمن المسيحيين أيضا نظرا لوجود بعض العائلات المسيحية لا تزال تقطن أوتمارس نشاطا تجاريا في ذاك الحي المختلط بسكانه، اضافة الى وجود عدة كنائس في هذا الحي الذي استشهد مؤخرا عل أيدي الارهابيين الداعشيين. وقد ظهر أحد سكان الكرادة على شاشة بي بي سي ليقول أن بين القتلي محمد وعلي وعمر ومحمود وحسين، دلالة على طبيعة السكان والناشطين تجاريا في الحي، وكونهم ينتمون لعدة طوائف وليس لطائفة واحدة، حيث أعتادت الضربات السابقة للدولة الاسلامية، أن تختص بالتفجير في أحياء ومناطق ذات صبغة شيعية محضة.

قالمرجح الآن لدى البعض، أن المستهدف الحقيقي، قد لا يكون سكان الكرادة، بل جهة أخرى. ومن أكثر وأبرز المستهدفين بعد الضحايا من سكان المنطقة، رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي هو من أبناء حي الكرادة في جذوره، والذي حقق مؤخرا نصر مميزا في معركة الفلوجة، عندما تمكن من طرد الداعشيين منها بعد ان طال مكوثهم فيها وامتد لعامين من الزمان.

وقد تكون الدولة الاسلامية هي المستفيد المباشر مما حصل، لأنها شكلت انتقاما واضحا منها لما ألحقه بها العبادي والجيش العراقي من هزيمة في الفلوجة. وهي بهذه الضربة الكبرى، انما تحاول أن توجه له ضربة قاصمة قد تؤدي الى اسقاطه، وذلك تخوفا من مخططاته القادمة لتحرير الموصل التي يبدو أنه قد بات مصمما على تحريرها في وقت قريب.

ولكن هناك عراقيين آخرين لم يرق لهم أيضا النصر الذي حققه حيدر العبادي في الفلوجة، لكونه قد عزز موقعه السياسي، مما قد يساعده على انجاح توجهه نحو الغاء المحاصصة في العراق، وتعزيز دور الجيش العراقي مستقبلا، بل وبأسرع وقت، مما سيحد تدريجيا من نشاط الحشد الشعبي وغيره من المليشيات، سواء كانت شيعية أو سنية. كما أن الغاء المحاصصة، من المرجح ألا يروق لعدة احزاب وتكتلات سياسية كحزب الدعوة، وتكتل نور المالكي - رئيس الوزراء السابق، وتكتلات سياسية أخرى، كالتكتل الذي ينتمي اليه سليم الجبوري رئيس البرلمان، وغير ذلك من التكتلات المختلفة، سواء السنية منها أو الشيعية. فهذه التكتلات السياسية بأطيافها، لها مصلحة في احباط مساعي حيدر العبادي لتكريس المحاصصة، مستعينا بانتصاره في معركة الفلوجة، لتحقيق أهدافه تلك، ووصولا الى تقوية الجيش العراقي، ليستعيد قوته السابقة كما كانت في العهود السياسية السابقة.

ولكن اذا كانت مصلحة تلك التكتلات السياسية أوالمليشيات، أن تحول دون انتصار العبادي في مشروعه الدمقراطي التحديثي للدولة، فانه من المستبعد تماما أن يصل بهم الأمر الى حد تنفيذ عملية كبرى كهذه، أو حتى مجرد المساهمة فيها بالمساعدة والتشجيع فحسب . فهذه جريمة كبرى يصعب هضمها بكل الموازين، ويتعذر ان لم يكن يستحيل أن يساهم أي منهم في عملية قذرة كهذه.

وهناك أيضا، كما تجتر طاحونة التكهنات، احتمالا بوجود أصابع دولة ما في هذا العمل. اذ يتعذر قيام الدولة الاسلامية وحدها بتنفيذ عمل كبير كهذا، دون تعاون معها من جهة ما، وفر لها في حده الأدنى من التعاون، ذاك السلاح المدمر. فاستخدامه من قبل الدولة الاسلامية هو الاستخدام الأول، بدليل أنها لم تستخدمه قبلا في عشرات عمليات التفجير السابقة.

ولكن كيف، من، ولماذا؟

ويطرح البعض احتمال وجود دور لايران فيما حدث، لكونها أيضا قد لا ترغب في تعزيز موقف حيدر العبادي في الساحة السياسية. ذلك أن تزايد موقعه السياسي قوة تدريجيا، سيؤدي الى ابتعاد العراق عن مركز النفوذ والتأثير الايراني، خصوصا وأن العبادي أقل حماسة من سلفه نور المالكي، الذي كان أكثر توجها نحو مزيد من التعاون والتنسيق مع ايران. ويعزز البعض هذا الاتهام، بكون ايران تمتلك فعلا مصنعا لانتاج بعض هذه الأنواع من الأسلحة، ومنها سلاح C4+ Amonia. الا أن البعض الآخر يستبعد احتمالا كهذا. فايران يتعذر أن تضع يدها في يد الدولة الاسلامية، بعد أن عانى مريدوها من الشيعة، الكثير من ويلات وارهاب الدولة الاسلامية التي أعدمت بدم بارد في معسكر سبايكر، أكثر من 700 جندي عراقي، لا لسبب الا لكونهم ينتمون لطائفة الشيعة. كما فجرت أكثر من تفجير حصد كل منها عشرات الضحايا الشيعة في الضاحية الجنوبية لبيروت، اضافة الى تفجير عدة حسينيات في أوقات متفاوتة، تم تفجيرها في المنطقة الشرقية من السعودية وكذلك في مدن عربية أخرى كالكويت مثلا.

وهناك البعض ممن يشير بأصابع الاتهام للولايات المتحدة، التي هي بدورها ممن يمتلكون هذا النوع من السلاح المدمر. فالولايات المتحدة كما يعتقد البعض، غاضبة جدا من سلوك الرئيس العبادي. ذلك أنه في غمرة بحثه عن النصر السريع، وعن تعزيز موقفه السياسي في مواجهة مناهضيه، قام بخرق ميثاق شرف عقد بين الدولة الاسلامية والولايات المتحدة.

ففي مسعى من الولايات المتحدة لانهاء عملية الفالوجة انهاء تاما بنصر للرئيس العبادي وللجيش العراقي، قامت من خلال المفاوضات السرية مع الدولة الاسلامية، باقناع قياداتها بسحب من تبقى من مجموعاتها في الفالوجة، ومنهم قيادات وعائلات قيادات داعشية. وتعهد الأميركيون بضمان سلامتهم أثناء الانسحاب. لكن طائرات عراقية تصدت للموكب المنسحب، وقصفته قصفا عنيفا أدى الى مقتل 150 من المتواجدين في الموكب، بينما قال بيان عراقي آخر أن عدد القتلى من المتواجدين في ذاك الموكب، قد بلغ 250 شخصا. وكان بعضهم من النساء وأسر مقاتلين وقياديين في داعش. واعترف العبادي بنفسه، أنه هو من أصدر الأمر لسلاح الجو العراقي بملاحقة قافلة داعش المنسحبة، والتي قامت بقتل كل من تواجد فيها فردا فردا، علما أن البعض يرجح احتمال أن الأمر بملاحقة القافلة، قد صدر عن ضباط في سلاح الجو العراقي دون الرجوع لرئيس الوزراء، ولكن العبادي فضل تحمل مسؤولية ما حدث بنفسه، وعدم تحميلها لضباط من سلاح الجو.

وهذا التصرف العراقي المنفرد كما يبدو، قد أثار غضب الولايات المتحدة، كما يرجح البعض، نتيجة ما مثله من عدم احترام العراق للتعهد الأميركي بضمان سلامة المتواجدين في الموكب أثناء انسحابهم. وكعقاب على السلوك العراقي المتمرد على الارادة الأميركية، وغير المحترم لتعهد أميركي رسمي، قامت بتمكين الدولة الاسلامية من تنفيذ عمليتها الكبرى في الكرادة يوم الأحد الماضي. لكن، يتساءل آخرون، هل بلغ التراخي الأميركي وعملية الاسترضاء لداعش على خذلانها بعدم احترام تعهد رسمي تحترمه الدول عادة حتى ولو كان صادرا في مواجهة الأعداء...هل يصل الى حد تزويد الدولة الاسلامية بسلاح C4 ؟ فذلك ما قد يبدو مستبعدا وقد لا يقره عقل أو منطق. فرد اعتبار هو بمثابة الاعتذار... نعم، لكن ليس بالدرجة والحجم الذي نفذ به الانتقام الداعشي في الكرادة.

فاذا لم تكن أي من هذه الاحتمالات أو التكهنات، تمثل الحقيقة أو بعضها، فما هي الحقيقة اذن؟ وهل سيكشف التحقيق العراقي الرسمي في نهاية الأمر حقيقة ما حدث، أم أنه سوف يطويه في ملفات الامتداد الزمني في اجراءات التحقيق، كما حدث في سوابق عمليات غامضة في التاريخ، كاغتيال الرئيس جون كنيدي، وتفجير الأبراج في نيويورك؟

وتخوفا من تناسي وطي صفحات التحقيق دون الوصول الى الحقيقة كاملة، واحتمال التوصل الى تسويات سياسية داخلية بين الفصائل العراقية بمختلف توجهاتها تؤدي الى اغلاق ملفات التحقيق دون اكتمالها، فقد بادر مواطن عراقي من سكان النجف واسمه مرتضى الخطيب، الى اعداد عريضة ينوي رفعها الى الأمم المتحدة، مطالبا اياها بتشكيل هيئة تحقيق دولية مستقلة، لاجراء تحقيق دولي جدي وشامل فيما حدث في الكرادة في الثالث من شهرتموز، ومتسائلا كيف استطاعت شاحنة أن تركن في شارع داخلي مخصص للمشاة فحسب، مما تسبب بتفجير المبني القريب منها، وانتقلت النيران التي اشتعلت فيه الى مبنى مجاور، ومن ثم لعدة متاجر ومكاتب في ذاك الحي، حاصدة ذاك العدد الكبير من الضحايا.

وتلفت العريضة نظر المحققين الدوليين، ان جرى تحقيق دولي كهذا، الى حادثة وقعت في العام الماضي في مدينة البصرة، وتمثلت بسرقة مواد مشعة ومنها مادة Iridium 192 سرقت من مستودعات شركة ًWeatherford Co، وربما قد استخدمت في عملية التفجير هذه. ووقع على هذه العريضة حتى الآن 55411 مواطنا. ووجه واضع العريضة نداء لمبادرة مزيد من العراقيين الى التوقيع عليها، آملا أن يصل عدد الموقعين الى 75 ألفا، مما يعني بقاء الحاجة للحصول على تواقيع 19589 مواطنا عراقيا آخر.

من المسؤول اذن عما حدث؟ وهل سيكشف التحقيق ذلك، سواء التحقيق العراقي أو التحقيق الدولي اذا تحقق، علما أن هناك سوابق دولية في اجراء تحقيقات دولية في قضايا مثيرة للجدل كهذه، ومنها سابقة دولية تمثلت في اجراء هيئة دولية التحقيق بتفجير من هذا النوع، وهو التحقيق الدولي الذي أجري في قضية اغتيال الرئيس المرحوم رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، الذي اغتيل بتفجير غامض في بيروت قبل عقد من الزمان؟ فاذا كان اغتيال شخص واحد هو رفيق الحريري، قد استدرج تحقيقا دوليا ولو على شكل تحقيق قضائي، ترى ألا يستحق مقتل 300 عراقي وربما أكثر كما قد يكشف المستقبل، في ظروف في غاية الغموض، اجراء تحقيق دولي حوله، وحول ظروفه وملابساته؟

ليس أمام المراقب الا أن ينتظر، آملا بألا تكشف الأيام القادمة ارتفاعا آخرفي عد الضحايا، مع احتمال لظهور حالات من اختفاء بعض المواطنين العراقيين دون أثر لهم ، وعدم معرفة ذويهم ان كانوا قد اختفوا فعلا، أو قضوا في ذاك التفجير البشع، الذي قطع أوصال بعض الجثث، ولم يترك منها الا أجزاء تعترف وزارة الداخلية بصعوبة التعرف على هويتها وعددها الحقيقي.

ميشيل حنا الحاج
مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب - برلين.
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي - واشنطن.
كاتب في صفحات الحوار المتمدن - ص. مواضيع وأبحاث سياسية.
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين - الصفحة الرسمية.
عضو في مجموعة صوت اللاجئين الفلسطينيين، ومجموعات أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا