الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعه يخطئ، دعه يتعلم !

سمير طاهر

2005 / 12 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


ما يجري في العراق اليوم، وما سيجري بعد رحيل الإحتلال، يدعو للتفاؤل بنفس القدر الذي يبدو فيه من السوء !
شعب غُرِّبَ طويلاً عن الديموقراطية، دعه يذقها، ويعبث بها ! دعه يسئ استخدامها، لكي يتعلم استخدامها.
دع العطشان يفرح بالتيار الهادر للماء، يتقافز فرحا، يلعب بالأمواج، يقذف بالماء الآخرين، يشكو الآخرين لأنهم قذفوه بالماء، يشرق به، يُجَنّ به ..
دعهم يُجَنّون حيناً ، ثم يصمتون، وينصتون ... سيتكلم أشخاص مُعَمَّمون يجيدون مخاطبة "العامة" بما يحبون من آيات قرآنية وبلاغة عربية؛ والعامة سيختارونهم أولياء! النساء سينتخبن مصادري حقوقهن، والفقراء سينتخبون سارقيهم. منذ حوالي نصف قرن حاول علي الوردي (في كتاب "الأحلام بين العلم والعقيدة") فهم السبب الذي يدفع الجماهير الى انتخاب جلاديها ومحاربة الأفكار التقدمية التي تدافع عن مصالحها، قائلاً أن الأفكار التقدمية تحارب مصالح المترفين، "ولكن المترفين في كل مجتمع قلة، وقد لا يتجاوز عددهم أحيانا عدد أصابع اليدين والرجلين. أما الكثرة الكاثرة من الناس فهم قد يحاربون الفكرة الجديدة على الرغم من ملاءمتها لمصالحهم. والسبب في ذلك إن أفكارهم وعقائدهم القديمة قد انغمست في أغوار انفوسهم. ويأتي المترفون بعد ذلك فيرفعون راية الحرص على تلك العقائد "المقدسة" فيتبعهم بقية الناس فيها كالأغنام ". دعك من الأوصاف الحادة التي يستخدمها الوردي أحياناً ولنركز على مضمون هذا الرأي ونقارنه بتصريحات ممثلي القائمة الرجعية في الإنتخابات العراقية القادمة، المسماة قائمة الإئتلاف، سنلحظ تطابقا مثيرا للإنتباه. أجل، إنه إدعاء الحرص على القيم التليدة، الدين، الأخلاق، العفة ... الخ، دون ذكر للعدالة، المساواة، حقوق الإنسان.
الناس في العراق أمامهم الآن فرصة كبيرة، فرصة أن يخطئوا ! مع الأسف ليس كل الشعوب تحظى بفرصة كهذه، مع إنها عملية ضرورية لكل أمة. كل أمة عليها أن تجرب، وتقترف الأخطاء الجمعية، والأخطاء التأريخية، لكي تتجنبها في المستقبل. الجنون العنصري الذي أخذ بتلابيب الأمة الألمانية أثناء الحكم النازي، والروح العسكرية التي استيقظت مرة واحدة في عموم الشعب الياباني في الحرب العالمية الثانية، و العنجهية العنصرية التي سادت يهود إسرائيل منذ تأسيسها، والخوف المبالغ فيه من السلطة لدى شعوب كثيرة منها شعوبنا في الشرق، وغيرها من حالات الهوس الجمعي إن صح التعبير، كانت كلها ضرورية لكي ترى تلك الأمم العواقب التي أورثها ذلك الهوس، عليها وعلى الشعوب الأخرى، الأمرالذي يجنبها تكرار وقوعها في فخه مستقبلاً. ولهذا فإن من أكبر الخسائر التي تسببها الأنظمة الشمولية لشعوبها هي حرمان الأخيرة من التجربة والخطأ. ففي ظل تلك الأنظمة يكون لزاما على الشعب أن ينتهج نمطا محددا ويجهل الى أي مدى يكون هذا النمط صائبا والى أي مدى تكون أنماط أخرى خاطئة أو صائبة لأنه لا حق له باختبارها.
حتى في إيران نرى تجسيدا للتجربة والخطأ جديرا بالإهتمام. ففي بداية الثورة الإيرانية (1979) شهد الجو العام حماسة ثورية إسلامية شملت كل البلاد وكل الأجيال، حتى أنها أحرقت النماذج الثورية غير الإسلامية التي كان لها دور مشهود في التعبئة والثورة ضد نظام الشاه. وانجرّت الجماهير عموما في تيار متطرف مضاد لكل ما هو مخالف لخط الثورة الإسلامية، كان يتصاعد كلما ازداد التوتر في الصراع مع "الإستكبار العالمي" وممثلته الولايات المتحدة. لكن المتصارعين ما لبثوا أن تعبوا؛ والزمن تقادم على أيام الثورة؛ ومضى جيل وجاء جيل آخر، وتكشّف خطباء الثورة عن ملاكين ومليونيرات في حين يعاني الشعب من الفقر والبطالة؛ وتفتحت عيون الناس .. والنتيجة إنه في تقرير لصحفي عربي ذكر أن الجوامع في إيران التي كانت أيام الثورة تفيض بالأعداد الغفيرة للمصلين غدت اليوم خالية تقريبا في أوقات الصلاة ! أما "الشيطان لأكبر" أميركا فصارت المصدّر الأول لتكنولوجيا ورُخَص الإنترنيت الى إيران، التي فشل "الملالي" في كل محاولاتهم للحد من انتشاره. جيل جديد ولد في إيران صار يملأ الشوارع بالمظاهرات ضد نفس السلطة التي كانت الشوارع تهتف بحياتها قبل سنوات. لقد أخطأ الناس، وتعلموا من أخطائهم. إنها عملية صحية، وضرورية كما قلت.
في العراق، سينتخب آلاف من المواطنين مرشحي الرجعية، كما شخّص العبقري الراحل علي الوردي. دعهم يفعلون، فلا أرى في الأمر خطرا، بل بالعكس أراه لازما لكي تتكشف للناس حقيقة هؤلاء الأدعياء من خلال تطبيقهم السياسي القادم. فهؤلاء يريدون بيع البلاد الى إيران كما صرح ذات مرة عبد العزيز الحكيم من أن على العراق أن يدفع مليارات الدولارات الى إيران كتعويضات عن حرب صدام ضدها (فالعراق تنقصه الديون القديمة وتلزمه جديدة يتبرع بها السيد الحكيم!)؛ ويريدون أن يعيدوا النساء الى عصر الحريم كما بين المذكور في محاولته إلغاء قانون الإحوال الشخصية ذات مرة؛ ويريدون أن يقسموا العراق ـ بمبادرة من المذكور نفسه أيضا ـ من خلال مشروع إقليم الجنوب، ويقيموا فيه حكما ظلاميا غوغائيا وتابعا للتيار المتشدد في إيران. كيف سيرى الناخبون البسطاء حقيقة هؤلاء من غير أن يروا تطبيقاتهم على الأرض؟ دعهم ينتخبوهم، لكي يعرفوهم على حقيقتهم!
كان شعار البورجوازية الأميركية في بداية صعودها: دعه يعمل، دعه يمر! اليوم تحتاج شعوبنا الى شعار يعطيها الحق بالخطأ:
دعه يخطئ، دعه يتعلم !









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: هل تنجح مفاوضات الهدنة تحت القصف؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. مراسل شبكتنا يفصّل ما نعرفه للآن عن موافقة حماس على اقتراح م




.. واشنطن تدرس رد حماس.. وتؤكد أن وقف إطلاق النار يمكن تحقيقه


.. كيربي: واشنطن لا تدعم أي عملية عسكرية في رفح|#عاجل




.. دون تدخل بشري.. الذكاء الاصطناعي يقود بنجاح مقاتلة F-16 | #م