الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل عالم بلا إرهاب

بدر الدين شنن

2016 / 7 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


كلما ازداد الإرهاب توحشاً ، في البلدان التي اخترق حدودها ، واستباح أهلها ومقدراتها .. وكلما انتشر عالمياً حاملاً معه كوارثه ، كثرت وتنوعت التفسيرات ، التي تبحث في جذوره ومقومات حضوره ، وتحركه المتواصل في كل مكان وأهدافه . ومعظم هذه التفسيرات ، تبتعد عن جهل عن الأسباب الحقيقية ، وعن الأهداف الحقيقية للإرهاب الدولي ، وبقية التفسيرات ، يعرف أصحابها كل شيء ، لكنهم يتواطؤون ، للتمويه وخداع شعوب ضحية هذا الإرهاب ، وبقية شعوب العالم المهددة بشظايا وارتدادات أفعاله الإجرامية ، ليحجبوا المسؤولين عن وجوده وحيثياته ، ودوره في المرحلة العالمية المعاصرة ، وتحصر التعامل معه عمداً بالقمع ، والحرب ، لتوفير مناخات استدامته ، حتى تنتهي الحاجة إليه ، وتأمين بديل له ، يؤمن المصالح الدولية التي كلف بها وعمل من أجلها .

وتكتسب العمليات الانتحارية ، التي ينفذها المنتمون الأكثر انخداعاً وتعصباً للتنظيمات الإرهابية ، اهتماماً أكبر في مجمل التفسيرات ، التي ، للولوج إلى معرفة المجهول في مسألة الإرهاب ، الذي بات من الصعب حصره ، في الصراعات المذهبية ، وفي مناطق محددة .
بيد أن الاهتمام بالانتحاريين سلك المسار الخطأ . وذلك لاعتماده على التحليل النفسي ، واستلاب الوعي بالخدرات ، والإغواء " بالحور العين " وهو الإغواء بالجنس الحلال في جنة السماء . وبإيجاز ، إن البحث عن الجنة في السماء ، للخلاص من الجحيم المعاش ، يشكل المحفز الرئيس ، في إحراق الجسد على الأرض ، لتحصل " الروح " على الراحة الأبدية في السماء . وجسر العبور ، هو الانتماء للتنظيمات الإرهابية ، وتنفيذ أوامرها " الإلهية " من خلال فتاوى مذهبية معدة في قوالب مشوهة .
وما ينتج عن هذه التفسيرات غير الموضوعية ، كما أشرنا آنفاً ، أنها تسهم بقصد أو بدونه ، في خدمة التمويه ، على منشأ ودور الإرهاب الدولي ، وتبعد المسؤولية عن المتورطين في نشأته وجرائمه .

فيما أن المسألة من ألفها إلى يائها ، هي استغلال حرما نات الطبقات الاجتماعية الفقيرة ، والشعوب المقهورة ، التي يفرض عليها ، الذين فقروها ، ، بالقهر والتمايز الطبقي الحاد ، اليأس ، والعزل السياسي والاجتماعي ، ويمنعون عنها حق الحياة العادلة ، والمساواة ، والتقدم ، أي مصادرة ( اليوتوبيا ) الجنة التي يمكن تحقيقها على الأرض .
وإزاء ذلك لابد من السؤال ، هل كان قبل ظهور " الوعد الإرهابي " الدموي بالجنة " الإلهية " عبر الشهادة ، من جنة أخرى على الأرض ، دون إرهاب وحروب ، وانتحار للوصول إليها ؟ ..

لا .. لم يكم هناك جنات كاملة " فاضلة " .. وإنما كان هناك بداية طروحات فلسفية خيالية ، تبحث في معايير ، وأشكال عدالة إنسانية ، تحتضنها " مدينة فاضلة " تتميز بحب الإنسان والسلام ، والرقي الحضاري . وقد اشتغل عليها عدد من عظماء الفكر في مختلف مراحل التاريخ ، وفي مقدمهم ، أفلاطون ، والفارابي ، وابن رشد ، وابن خلدون . لكنها ظلت في مضمار النقاش ، ومحفوظة في صفحات التاريخ المضيئة .
ثم كانت محاولة جادة معاصرة ، فكرية وعملية ، لإقامة مجتمع إنساني تضامني عادل " فاضل " على سدس كوكبنا ، سمي " الاتحاد السوفياتي . وقد حوصرت هذه المحاولة ، عسكرياً ، واقتصادياً ، وإعلامياً ، وأيد يو لوجياً ، طيلة الزمن الذي كانت تعمل فيه هذه المحاولة ، للوصول إلى كامل برنامجها وأهدافها الإنسانية النوعية الجديدة .
وكان إلى جانب العمل لإنجاز تلك المحاولة العملية العلمية الصادقة الأولى في التاريخ ، كان هناك عملاً سياسياً ، يسارياً ، عمالياً شجاعاً دؤوباً ، أخذ في عدد من البلدان منحى " الثورات الشعبية " من أجل امتلاك سلطة الدولة ، لبناء مجتمع يتمتع بمزايا " الجنة " بالمفهوم الإنساني العلمي العادل .

بالمجمل ، كان العالم ، في الزمن ما بين ( 1917 - 1991 ) منقسماً إلى عالمين .. اشتراكي .. ورأسمالي . وكان الصراع بينمها يدور ، حول أي منهما يملك ، حقاً " مفاتيح " الجنة " . أي العدالة بمضامينها الإنسانية الحضارية المتنامية مجتمعة ، من خلال حسم الصراعات الطبقية .. المجتمعية .. الدولية .. السياسية الاجتماعية .
وكان هو جوهر البحث عن الجنة في الأرض . أما جنة السماء " الإلهية " فكان رجال الدين في المعابد المختلفة ، يخادعون ، كل الطبقات الاجتماعية ، للحصول عليها ، عبر العبادات ، والطقوس ، والوعد في الكتب الدينية .
وحين دمر الاتحاد السوفياتي ، كان الهجوم الشرس الكاذب ، على ما أنجزته التجربة الاشتراكية الأولى في التاريخ ، وعلى النظرية الماركسية ، التي كانت الدليل والمرجعية لهذه التجربة .

وبدأت الحرب الفكرية على الأيديولوجيا .. على كل الأيديولوجيات ، والنظريات ، المحركة والموجهة للنضالات الطبقية ، ولنضالات الشعوب المقهورة المفوتة ، وخاصة النظرية الماركسية ، بسلاح الليبرالية الديمقراطية المزيفة ، وبسلاح المذهبية الدينية ، والنزعات الأقلوية المتخلفة تاريخياً .
وانتشرت الفوضى الفكرية ، لتجريد الشعوب والطبقات الاجتماعية المضطهدة ، من أي مرجعية تدعم نضالاتها ، وترشدها إلى المسارات النضالية الصحيحة .

وحدث الخواء الفكري ،الذي دعم الاستبداد الأميركي - الغربي الكوني ، والذي شجع الأفكار الرجعية المتطرفة ، للقيام بنفي المقومات والشروط ، التي تتيح تحقيق إقامة مجتمعات إنسانية متحررة عادلة ، ونفي مقومات وجود " اليوتوبيا " ، وتحقيق الحلم الإنساني على الأرض بأساليب علمية وعملية ، وإعادة حصرها فقط " بالجنة الإلهية " في السماء ، وذلك عبر القمع العبودي الرأسمالي ، والإرهابي ، وعبر الفتن والحروب . وتم تجنيد التيارات الدينية الرجعية ، لملء الخواء الفكري ، والإيديولوجي ، وبناء منظمات إرهابية ، لإرهاب العالم ، ليقبل بالهيمنة ، الأميركية - الغربية ، وإعادة احتلال عدد من البلدان ، ذات الأهمية المميزة ، مثل العراق وسوريا ولليمن وليبيا ولبنان ، بذريعة مكافحة الإرهاب .

إن حرب الإرهاب ، على العالم ، تدل على أن العالم يسلك مساراً رأسمالياً حربياً خطيراً هو ما فوق الإمبريالية ، على المنجزات الإنسانية ، وعلى المصير الإنساني ، وهو يحمل معه تناقضاته ، بين الاحتكارات الرأسمالية الكبرى ، بين قطاعات صناعة الأسلحة ، والطاقة ، والرأسمال المالي ، ليتبوأ القطبية الدولية من طرف ، ولسيطرة قطاع اقتصادي محدد على الاقتصاد العالمي من طرف آخر .
ووفقاً لإحداثيات العالم في السنوات الماضية ، يبدو أن قطاع الصناعات الحربية ، هو الذي يهيمن الآن . وذلك من خلال حرب الإرهاب الدولي ، التي نشرها في مختلف القارات والبلدان ، وانفلات تجارة الأسلحة ، في السوقين ، البيضاء والسوداء في آن .

ولملاقاة هذا المسار الحربي الخطير ، الذي يجني أرباحه دماً ، من شرايين الشعوب ، ينبغي توحيد نضالات كل القوى السياسية الوطنية والقومية الديمقراطية المتحررة والإنسانية الحية ، الوطنية والدولية ، الحريصة على حقوقها وكرامتها ووجودها . وحسب النجاح في تحقيق هذه الوحدة النضالية ، تختزل ، وتضعف هذه الحرب .. وتندحر .
وفي ملاقاة المسار العدواني للاحتكارات الرأسمالية ، وخاصة المنتجة للآليات الحربية القاتلة المدمرة ، ليس هناك يسار ويمين بالمعنى الكلاسيكي . إذ أن اليسار إن لم يكن في مثل هذه الحرب ، شريكاً فاعلاً للقوى الوطنية ، ليس بيسار . والإمبريالية والرجعية ، والإرهاب الدولي ، هي اليمين .
والهدف هو الوصول إلى عالم بلا إرهاب .. بلا حروب .. عالم متضامن .. متكامل .. من أجل الاستقرار .. والسلام .. والتقدم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية