الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوسيولوجيا الانقسام والشجار في فلسطين المحتلة

عماد صلاح الدين

2016 / 7 / 9
القضية الفلسطينية


سوسيولوجيا الانقسام والشجار في فلسطين المحتلة
عماد صلاح الدين

مع تفاقم الانقلاب الحاد في العلاقة الطبيعية مع الاحتلال الإسرائيلي؛ من حيث أن أصل علاقة الشعب الفلسطيني - الواقع تحت نيره- معه هي المقاومة والمواجهة والمقاطعة الشاملة، على طريق الوصول إلى عدة أهداف وطنية في: هدم بنية وهياكلية المشروع الصهيوني القائم على الإجلاء والتطهير العرقي والتمييز العنصري، ومن ثم تحقق التحرر الوطني وتقرير المصير وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وليس علاقة السلام والتطبيع والتنسيق الأمني مع تلك البنية والهياكلية الكولونيالية الاستيطانية وهي على حالها هذا. وفوق هذا الانقلاب الحاد في العلاقة مع الاحتلال، صار هناك انقلاب شبه تام في المسار الأخلاقي الاجتماعي والاقتصادي متوجا بمنظومة من الاستهلاكية الحادة والبغيضة التي لا تناسب دولا مستقلة، بل وأيضا تسير في طريق النهوض الشامل؛ فكيف الحال سيكون إذاً؛ إذا كان الأمر يتعلق بشعب واقع تحت احتلال غير تقليدي، بل وإحلالي استبدالي، إستراتيجيته هي الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، وما تبقى منها، ولو القليل، ومن ثم إنهاء قضية السكان الفلسطينيين الأصليين الوطنية.
في هذا المقال، أقدم رؤية فكرية سوسيولوجية اجتماعية وسياسية تحليلية، في منطلقات وأسباب الحالة التي وصل إليها الفلسطينيون – تحديدا- في الضفة الغربية وقطاع غزة، متطرقا إلى عموم الحالة في فلسطين كلها – وبالارتباط - مع عموم الحالة العربية؛ طارحا البديل الذي سينشأ – وبالطبيعة - عن حالة الفراغ في المواجهة مع الكيان الصهيوني ودولته إسرائيل، لصالح هذا الانقلاب الحاد والخطير، في طبيعة العلاقة مع المحتل الإسرائيلي ومشروعه الصهيوني.

وفي السياق؛ ها نعود إلى زمن القبيلة في صورتها الحقيقية، دون مساحيق أو أدوات تجميل هذه المرة، على رغم قشرة التغطية التي تحاولها الحالة الفلسطينية ككل منذ عقود؛ وتسبق أيضا حالة الانتداب البريطاني على فلسطين منذ أكثر من ثمانين عاما، هذا ليس في فلسطين لوحدها؛ اقصد تحديدا الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وما تبقى عليها من فلسطينيين بعد ما جرى في جريمة التطهير العرقي الصهيوني بحقهم قبل عام 1948 وبعده، بل أيضا في الأقطار العربية المجاورة؛ دول الطوق، والبلدان العربية الأخرى التي تحاذيها وتليها.

إن العقلية القبلية والبدائية التي تقوم على قداسة الشخص الصنم والتقليد الصنم، وحتى احتواء الدين في شكلية معزولة عن مضمونها ورسالتها كصنم هي الأخرى؛ ذلك كله جعلنا دائما وباستمرار ضحايا التخلف والمرض والجهل والانحطاط الفكري، وبالتالي غياب الرؤية والأفق، وهذا انعكس على علاقاتنا الإنسانية الداخلية وكذلك في مواجهة الرسمية المسيطرة، وانعكس أيضا على علاقتنا مع الدول والشعوب الأخرى؛ اقصد تقليديا الأعداء الغربيين والأمريكيين ومشروعهم الكولونيالي الاستيطاني الرابح جدا إسرائيل في قلب المنطقة العربية الإسلامية.

كان طبيعيا أن نعيش دون مستوى القطيع الحيواني؛ لا رأي ولا رؤية، ومن الأساس لا حرية لا كرامة ولا قدرة؛ لا في مواجهة استبداد الطغاة الداخليين وفي مواجهة الصنميات الدينية والاجتماعية المختلفة، ولا توجد كذلك القدرة والإمكانية في منع استهدافنا من الآخرين دولا ومجتمعات؛ بالاحتلال والاستيطان وسرقة الثروات، وإلهائنا بمشاريع الوهم التي لا تنتهي في السياسة والسلام والاقتصاد والانفتاح والنهضة وما إلى ذلك. ردنا الوحيد دائما أننا خير امة أخرجت للناس، وأن الكل يريد أن يتآمر علينا ويمنع نهضتنا وقيام دولنا ورفعة امتنا، ومبررنا في مواجهة أنفسنا؛ هذا قدرنا، وكنا على حسن نية، ولم نزل، والقيادات قد استنفدت أقصى ما تملك من حسن النوايا تلك.

قشرة المدنية والرسمية الدولانية تفسخ سطحها الذي لا يحتمل، واهترأت؛ وهي بالفعل تكاد تزول ويجب أن تزول؛ إذ إنها قشرة دون جسم سليم حضاري كي يمكن ان تغلّفه عن حقيق تلك القشرة الديكورية التي لا يُستغنى عنها شكلا، لكنها وحدها لا تقي من حر ولا من مطر أو ثلج أو حتى من حبات برد لطيف في يوم شتاء ونيس على القلب والنفس.

إلى متى هذه القشرة ستبقي ولا تنذوي، ونحن:
المرض فينا نفس المرض في منطلق العقلية القبلية والعائلية والشللية؛ قبل الانتداب والاستعمار الانجليزي على فلسطين؛ اسألوا العجائز بمن تبقى منهم سيقولون لكم: أن الرجل ليس برجل إن لم يكن يسرق ويقطع الطريق، ويأتي بالطريدة السرقة لزوجه كي تعد له منها وليمته؛ ألا نسمع دائما الأمثال والحكم الانهزامية التي لا تنتهي حول الخنوع والاستسلام وقبول الحاكم أيا كان ووضع الرأس بين الرؤوس وقل يا قطاع الرؤوس وامش الحيط الحيط وقل يا رب الستر والفتنة نائمة لعن الله موقظها وما إلى ذلك؛ في الحقيقة هذه حياة بدائية وليست حضارية تؤهل المستبد والعدو الخارجي ليفعل ما يشاء بأناس هذه حقيقتهم رغم مواد التجميل في المدنية والاستهلاكية.

احتلت فلسطين من قبل الانجليز في مطلعية القرن العشرين، والناس بدلا من أن تواجه المحتل ومشاريعه في البلد راحت تواجه بعضها بعضا، بل وبتحالف طرف مع الانجليز في مواجهة طرف آخر لأجل مصالح شخصية ووجاهية عائلية وليس لمصلحة الوطن فلسطين. والناس إن ساقتهم طفرة سلامة الفطر غير الممنهجة ثقافيا وحضاريا لمواجهة المستعمر، وجدت من أهل البيت من يسعى ليجهض مسعاهم، ويتساوق مع طروح لجان ومشاريع استبدادية واستعمارية، وباستخدام خديعة الاستقلال القادم والتحرر القادم، ثم لا شيء سوى مزيد من ضياع الإنسان وأرضه ومصيره الكلي.

ثم تمكنت العصابات الصهيونية من إقامة إسرائيل على الطريق الممهد في النسق القبلي والشخصاني في الحالة الفلسطينية، ثم تكررت الهزيمة والهزائم على يد عرب وفلسطينيين بسند القبيلة وما تستتبع من حضور القائد المقدس الصنم وعموم الارتجالية والانتهازية الفارغة من مضمون الأخلاق العملية في الاجتماع والسياسة، ومعها في هذا الغطاء الديني الطقوسي والخطابة اللغوية العربية والفقهية البعيدة عن فكر الحرية وسلوك العدل، الذين هما جوهر الإسلام أو أي عقيدة دينية سماوية.

أصبنا بصدمة النكسة الهائلة علينا عام 1967، ثم ابتلينا بقيادة تطرح برنامج الحكم الذاتي والنقاط العشر عام 1974، ولما لم تبدأ الثورة بعد على طريق التحرر والعودة وتقرير المصير. ذات العقلية أوصلت إلى كامب ديفيد عام 1979، وذات العقلية أوصلتنا إلى عام 1988، ثم إلى أوسلو، ثم إلى خراب البيت الذي نعيشه اليوم.


وعلى المستوى العربي؛ وفي التناغم القبلي بين الحالة الشعبية و بين القيادة ضاع العراق، ومن ثم سوريا، و كذلك مصر من قبل ومن بعد. والمستقبل يكون على ضوء مقدمات ما مضى وما يحضر؛ ما لم يجر التغيير المطلوب في صناعة إنسان النهضة والحضارة.

طبيعي جدا، أن تحل الاقتتالات الداخلية في فلسطين، ما دام انه لا يوجد إنسان في الحدود الدنيا يعرف ممارسة أن مشكلته الجوهرية مع الاحتلال الإسرائيلي، والمشكلة أيضا أن القيادة والناس على هداها سائرون؛ يعتبرون بالسلوك العملي، بل وحتى التنظيري المبتدع الجديد أن لا احتلال؛ بقلب المعادلة الطبيعية معه رأسا على عقب سواء في المواجهة أو في المعيشة الاستهلاكية فوق العادة؛ إنهم لا يريدون لا مقاومة ولا انتفاضة ولا اقتصاد مقاوم أو حتى مقاومة شعبية سلمية، فماذا سيكون البديل المالئ لكل هذا الفراغ سوى الفساد والمحسوبية والأمراض الاجتماعية والمصالح الشخصية والانقسام والاقتتال على كل شيء، بل والصراع داخل الحزب والحركة الواحدة إلى درجة الاتهام بالعمالة والتخوين، وهم كانوا من قريب أصدقاء الأمس ورفقاء النضال الوطني الفلسطيني.

والحالة العربية لا تختلف عن تلك النسقية، التي تؤدي إليها المشكلة الأساس، في الصنمية القبلية والاجتماعية والدينية، وعموم الثقافة السائدة، اللهم إلا في مستوى الدرجة والمنسوب، لتباينات الظرفية واختلاف عديد التفاصيل وقوة التحكم والسيطرة وطريقة المعالجة الغربية والأمريكية وحتى الروسية الصينية لها؛ ويملأ فراغ المفترض عربيا بالحرية والعدالة والمؤسسية حالة الاقتتال والحروب الأهلية؛ مادام البديل الحضاري الأخلاقي والإنساني في الدولة والمجتمع وعلى مستوى الأمة مستمرا في الغياب والتغييب.

فلماذا، والحال كذلك، وعلى مستوى الضفة الغربية خصوصا، إذا نستغرب كثرة الشجارات الداخلية والعائلية وحتى الصدفية مؤخرا، وكل المقدمات في القابلية لذلك حاضرة وجاهزة باستمرار، دون تغيير أو إصلاح في أبجديات متطلبات العقد الاجتماعي، سواء في زمن السلم أو في زمن الحرب و الاحتلال والاستعمار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام