الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لغم وقصص قصيرة اخرى

عادل كامل

2016 / 7 / 10
الادب والفن


لغم و قصص قصيرة أخرى

عادل كامل
[1] لغم
بعد أن وضعها بين فكيه، خاطب التمساح الغزال:
ـ إذا سألتني سؤالا ً لا اعرف الإجابة عليه، فسأطلق سراحك، أيتها الغزال.
فردت بشرود:
ـ ولكنك، سيدي، أنت من يضع الأسئلة، وأنت وحدك من يعرف الإجابة عليها!
ـ حسنا ً، بعد هذا الفشل الذريع، أمنحك فرصة ثانية: إذا عثرت على جواب غير مسبوق بسؤال، فسأطلق سراحك أيضا ً!
بعد أن فكرت الغزال برهة أجابت:
ـ وأنت لديك الإجابات غير المسبوقة بأسئلة أيضا ً! فلِم َ تهدر وقتك الثمين وأنت جائع، وأنا بين فكيك؟
تمتم التمساح بصوت متلعثم:
ـ الآن فقط أدركت لماذا أصبح الجهل وحده سيد المعرفة!
ـ لم افهم قصدك، سيدي!
ـ لو كنت ِ تمتلكين ذرة عقل، لكنت عرفت كيف تخلصين نفسك منهم...، ولكنك بجهلك قتلتني!
ـ والآن لم اعد افهم شيئا ً من كلماتك أبدا ً!
ـ اعرف! لأنني ما أن وضعتك بين فكي حتى أدركت أنهم زرعوا داخل جسدك لغما ً ما أن افترسك حتى أكون صعدت إلى السماء، وإن لم افعل، فان السماء ستطبق علي ّ، معك، ونرجع إلى الأعماق...!


[2] هزيمة
سألت الذبابة الفيل، وهي قابعة في آذنه تطنطن:
ـ ماذا لو انتصرت على السباع، والنمور، والأفاعي، وباقي الأعداء... ، ماذا ستفعل؟
لم يجد إلا جوابا ً واحدا ً:
ـ مادمت خسرت حربي معك، أيتها الذبابة، ولم استطع أن أتخلص من طنينك، في داخل رأسي، فهل للانتصارات الحقيقية الأخرى من معنى؟


[3] شبل بذيل ديناصور
ولدت الأتان شبلا ً بذيل ديناصور...، فتجمعت بهائم الزرائب، ودواب الحظائر، وزواحف البراري، وبرمائيات المستنقعات، لا تعرف تأويلا ً للحدث، بوصفه مصيبة. لكن زعيم الحمير، اقترب منهم، وقال:
ـ ما العجب في الأمر....، الم ْ تكن الأتان عذراء، طوال الزمن...، وان أسد الغابة هو الذي اختارها شريكة له...، بحضور زعيم الديناصورات؟
ـ اجل، اجل...، ولكن ما هذا الذيل...؟
أجاب زعيم الحمير:
ـ هذا إثبات لا يقبل الدحض بان أصل الحمير يرجع إلى سلالات الديناصورات العظيمة أيضا ً!
فسأله قرد كاد يفطس من الضحك:
ـ لكن السيد داروين قال أن أصل الأشرار ينحدرون عن سلالاتنا....؟
فرد كبير الحمير بثقة تامة:
ـ المسكين ارتكب حماقة كبرى وكان عليه أن يجري بحوثه في حديقتنا، ليخبرنا بالحقيقة!

[4] لا عودة
وضع مساعد آمر الجناح التقرير السري، أمام فخامة المدير، وقال:
ـ أنجزنا الواجب على نحو تام.
أومأ المدير لمساعده باختيار الوظيفة الجديدة، فقال المساعد:
ـ سيدي، وهل كنا نعمل من اجل المناصب، أو الكراسي، أو الوظائف الراقية؟
ـ حسنا ً...، أنا من سيختارها لك.
وانتهى الحوار بإشارة من المدير أن ينتظر. وها هو المدير يطلع على التقرير:
ـ لم يبق احد من الموتى خارج سيطرة رقابتنا...، فأخبار العالم السفلي تصلنا لحظة بعد لحظة...، كما تصلنا معلومات دقيقة عن تحركات جميع المفقودين التائهين في البحار والبراري والوديان والبساتين والمستنقعات...
توقف المدير عن القراءة برهة، من ثم تابع:
ـ وقد بدأنا برصد كل من لم يتكون بعد...، فلم يبق رحما ً، في حديقتنا، خارج السيطرة...، فكل الأجنة، وعناصرها، والعوامل المساعدة تحت المراقبة، على مدار ساعات الليل والنهار...
وضع المدير التقرير جانبا ً، وأرسل نظرات تائهة إلى السماء، عبر نافذة زجاجية بيضاء، وخاطب نفسه:
ـ الآن لم يعد لوجودي ضرورة...!
لكن مساعده تمتم بصوت مرتجف:
ـ سيدي، في التقرير التالي....، لدينا كل ما ستقومون به...، فالعيون تتبعت رحلتكم إلى العالم الذي لا عودة منه، منذ زمن بعيد!

[5] معضلة
ـ هذه هي المشكلة...، يا نفسي...
متابعا ً، دار بخلد الديناصور:
ـ وضعوا السباع والنمور والذئاب خلف قضبان الحديد، وتركوا الحمير، الخراف، الضفادع، والجرذان طليقة تمرح في الحدائق..
اقتربت نعجة من الديناصور، وأجابت على ما دار بخاطره:
ـ لا تحزن! فالدنيا دوارة، مرة لك، ومرة عليك!
خاطبها الديناصور من وراء القفص الزجاجي:
ـ اقتربي..
اقتربت كثيرا ً منه، فسألها بصوت خفيض:
ـ هل أنت سعيدة بما يجري لنا...؟
ـ سيدي، أنا غير سعيدة، بما جرى...، وسأكون غير سعيدة بما سيجري أيضا ً!
ـ وما الذي يمكن أن يكون أكثر سوءا ً مما يجري اليوم؟
قالت بمرح:
ـ سيأتي اليوم الذي سيطلقون سراحك فيه أيها الديناصور العظيم، ليضعوا الحمير، البغال، الخراف، الزرافات، البعوض، العقارب، والحشرات وراء الزجاج!
فراح يردد مع نفسه، بشرود:
ـ هذه هي المشكلة، يا نفسي...، فانا لا اعرف أكنت طليقا ً ثم سجنت، أم كنت سجينا ً كي احلم بالحرية؟

[6] دعني أغرد
أقترب العصفور من البلبل، وسأله:
ـ لم تعد تغرد، كما كنت تفعل في الغابة؟
ـ يا سيدي، لو كنت أغلقت فمي، لما كانوا وضعوني داخل هذا القفص ...، والآن قلت: أغلق منقارك، فقد يطلقون سراحك..، مادمت لم تعد نافعا ً، ولا تغرد!
ضحك العصفور وسأله:
ـ ولو أطلقوا سراحك، فماذا ستفعل...؟
ـ سأمضي حياتي أصغي إلى صمت الصخور!
ـ آ ...، أي انك تكون خرجت من السجن الصغير، لتدخل في رحاب السجن الأعظم؟
فجأة، غرد البلبل، فتعجب العصفور، وسأله:
ـ ماذا تفعل؟
ـ سيدي، أصبحت لا اعرف أأبكي على مصيري، أم أنوح على مصير الصخور؟
ـ هذه هي القوانين، لا أنت وضعتها، ولا أنا..، فهي وجدت قبل وجودنا، وستبقى بعد زوالنا.
ـ اعرف...، فانا كلما حاولت سبر أغوارها، اكتشف أنني لم اعد افهم منها شيئا ً! فدعني أشيّع مصيري بنفسي، مادمت اعرفه، قبل أن لا أجد من يرسلني إلى المجهول!

[7] خاتمة
توقف الحمل عند تمثال كبير الذئاب، وخاطبه:
ـ سيدي، لا في الماضي كنا نستطيع الهرب منكم، ولا الآن تستطيع أن تتركنا طلقاء؟
فقال الذئب له:
ـ بحق الجحيم، من اعتدى على الآخر...؟
ولأن الحمل كان يعتقد انه كان يخاطب تمثالا ً من الحجر، رد بشجاعة:
ـ الآن كم أنا سعيد أن أراك تتمتع بتنفس الهواء الطلق...، فتمتع بحريتك حتى نهاية الدهر!
لكنه سمع الذئب يقول له:
ـ اهرب....، فأحفادي يبحثون عنك!
ـ آه ....، يا لها من محنة، لا تعرف أين تنتهي كي تبدأ..، ولا تعرف متى تنتهي كي تقع في اسر فاتحتها! فان نجوت من الأسلاف وقعت ضحية أحفادهم، وإن نجوت من الأحفاد، لا يرحمك أسلافهم!
أجاب الذئب بصوت حزين:
ـ وأنا نفسي لا اعرف: أأنتم وجدتم لنا...، أم نحن وجدنا لكم؟
ضحك الحمل:
ـ لا فائدة من الجواب...، لأن الحكاية وجدت كي لا تكون لها خاتمة!

[8] الشاهد
بعد أن شهدت حلبة الملاكمة، منازلة بين كبير السباع في مواجهة كبير الفئران، وانتهت بالمصالحة، فلا غالب ولا مغلوب، أمر المدير بمنازلة أخرى بين كبير الأرانب في مواجهة كبير الثيران، وهي الأخرى انتهت بالتعادل.
فقال المدير حكمته الخالدة:
ـ لو انتهت المنازلات بانتصار احد الطرفين...، لكان عرشنا أوهى من عش العصافير!
اقترب كبير العصافير من المدير، وسأله:
ـ أتخاف من العناكب، يا سعادة المدير؟
ـ لا!
وأضاف المدير بعد لحظة تأمل:
ـ دعك من العناكب، فإنها مازالت تشتبك في نزال لم ينته مع الحشرات..!
هتف العصفور:
ـ وهكذا لا تستطيع جميع الظلمات أن تنتصر على هذا القليل من الضوء؟
أمر المدير بالمنازلة التالية، بين كبير الذئاب في مواجهة غزال.
فارتفعت الحناجر بالهتاف، والزغاريد، والأيدي بالتصفيق. فقال كبير الذئاب:
ـ المنازلة ظالمة، بل وغير عادلة تماما ً!
فسأله المدير:
ـ هل تخاف من غزال؟ إنها لن تؤذيك، فهي وديعة، ناعمة، رقيقة، وشفافة!
صاح الذئب:
ـ أنا لا اجهل أن الموت وجد مأواه في غزال...، مثلما وجدت الرحمة سكنها في قلب سعادة المدير الجبار! لا الذئاب انتصرت على النعاج، ولا الماء أطفأ جمرات لهب جهنم، لا الصقور نجحت في اجتثاث الفئران، ولا الفئران كفت عن التكاثر....
ناده المدير بصوت غاضب:
ـ من أنت؟
ـ أنا الشاهد، سيدي، بانتظار تجدد المنازلة التي ستنتهي بالمصالحة!

[9] حاجز
نظر الفأر إلى حلبة الرقص، مرتلا ً آيات الحمد والشكر، انه وضع داخل قفص قضبانه من حديد، فلم يعد يصدق أن يرى آلاف الصنوف من الأفاعي اجتمعت، ومن حدائق العالم، في مباراة لاختيار أكثرها جمالا ً، رقة، ونعومة. فضحك الفأر في نفسه، مرددا ً: أليس أكثرها جمالا ً أكثرها ً شرا ً؟
لكن ملكة جمال الأفاعي، اقتربت منه، ورفعت قفصه عاليا ً، في الهواء، وقالت:
ـ يا أفاعي العالم...، اهدي جائزتي الأولى إلى هذا الفأر الجميل!
فسألها مذعورا ً:
ـ وهل أنا شرير؟
ـ يا حمار...، يا نعجة، إنها لعبة إن لم تلعبها لعبوا بك...، وإن لعبتها فلن تأسف انك لم تلعبها. فالشر والجمال لا يعزلان إلا بحاجز كهذا الذي بيننا. فلا أنت تستطيع الهرب منا...، ولا نحن نستطيع محوك من الوجود!

[10] لا جدوى
بعد أن داس الفيل على ساق النملة، سمعها تصرخ:
ـ أنا اعرف انك لست بحاجة إلى سحقي، ومحوي من الوجود...، ومع ذلك، يا سيدي، انك كسرت ساقي!
فقال لها الفيل معتذرا ً:
ـ قسما ً بالغابات والصحارى والبحار لم أرك!
فقال النملة بصوت خفيض:
ـ بل أنا هي التي لم تشاهدك يا سعادة الفيل الجبار!
أجاب الفيل:
ـ سيدتي، أنا لست بحاجة إلى هذا النصر...، ولا أنت تستحقين هذه الخسارة...
فقالت:
ـ إذا كنت قصدت أن العدالة أخذت مجراها...، فانا أخبرك: إنها ليست العدالة...، بل الجور هو الذي ذهب ابعد من مداه! فلا جدوى من عويلي...، مثلما لا جدوى من اعتذارك، وأنت تدك الأرض، ولا ترى من يدب فوقها، ولا أنا استطعت تجنب درب سيادتك!
10/7/2016
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة