الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جبران تويني مهلاً

ابراهيم محمود

2005 / 12 / 15
الصحافة والاعلام


أن أكتب، أن أتكلم، أن أضحك، أن أبكي، فليس لأن جبران تويني ذات يوم كنت أقرأ له، أو ألتقيه بين السطور، داخل (النهار)، خارج النهار، وها هو في لحظة من ذات يوم، أو ذات تاريخ، يفتقد الكثير من ذاته التاريخية، يدع القلم: العلم جانباً، يودعه سره، ويرحل إلى جهات شتى حيث تكون الحرية، ويبقى الطغيان من جهته، إنما أمارس كل هذه الهوايات المعقدة ذات الصلة بالحياة والموت، لأن جبران تويني، ذاك الذي كان يسترسل في الكلام، ذاك الذي كان الكلام، يفصح عن انسيابية طاقة من الحرية في مدى مفتوح من إرادة الذات، في مسار مكشوف في مواجهة كل مرتد عن حريته، وراغب في أن يكون مجرد صوت لا معنى لـه، صوت: سوط، كان يحاول البحث عن الفضاء الأقصى، الممكن الأقصى للحرية، حرية المكان الذي شكل مسقط رأسه، ولكنه المكان الذي يتجاوز حدود بلدته، وحدود مدينته، وحدود وطنه الذي ارتضاه لنفسه بقوة شكيمة: عزيمة، بقلمه الذي كان يهدر طاقة حياتية، ويتجاوز مجمل الحدود الحواجزية والرادارات التي تشوش على صدى صوت الحرية حيث يتراسل المعنيون فقط بها في أرجاء/ جهات العالم الأربع، ليكون جبران تويني، أكبر من كل من أرادله أن يكون قفصاً، أو كرباجاً يلعلع في الهواء، ومن كل أحذية الجلادين بكل جنسياتهم وأعراقهم ولغاتهم، أينما كانوا وحلوا، ليكون مجرد صوت خارج مساحة الاسم الذي يعرف به، وفضاء الكلمة التي يتردد صداها هنا وهناك.
لا أكتب عنه، وإن كان هو الدافع الداخلي للكتابة، إنما عني، عن كل من أريد لـه أن يسكت دفعة واحدة، إنما داخل جسده الذي يرعب أعداء الحرية، ليكون بالتالي أكبر من كل الذين لا يستطيعون دفنه روح حرية اكتسبت صفة جمعية، لأنه موزع حيث تكون الحياة، ولأن الجبناء، أعداء الحرية، كسالى المعرفة، خراتيت الجهل، وحدهم يدركون أي خطورة يشكلونها هم على أنفسهم، وأن الذين يرتقون بأجسادهم عالياً، لكم يرعبونهم بوميض أجسادهم، وهم ماضون في عتمة المعابر الرطبة.
أكتب عن جبران تويني، عني، وأنا أتصورني منسوفاً ، ممثلاً بي، مرمياً في عراء مهدور المساحة، مشوهاً، مقطَّع الأوصال، خوف الجلاد في مفرده الجمعي من أن أتوحد ولو في عالم آخر، وأن أتصور أياً كان مثله أو في مشهد أفظع الآن وبعد الآن، طالما الله في علاه، صامت ساكت إزاء ما يجري تاركاً امبراطويته اللامتناهية، بإنسها وجنها، وملائكته المتعددي الأعراق منهوبة، في زحمة الموت التقني، أو المباغت، أو المضغوط آلياً، لا مبال ٍإزاء الجاري هنا وهناك، ولتبرز الحرية كما لو أنها الطعم المرعب للذين يحاولون التخلي عن كل شيء، لتظل داخلهم، ولتبقى كرامة الذات، كما لو أنها بدورها العشاء الأول والأخير للذين يلتقون حول مائدتها الكونية، لتصفيتهم بالجملة، لتستحيل الكرامة تلك وقدة الحرية الموسومة.
أكتب عن أي كان، مهما كان، بصفته انساناً، باعتباره المأخوذ بما هو كوني، لأنه المعني بالحرية، كما لو أنه الوحيد الذي يفوّضه الكون ليكون الناطق الرسمي باسمه، والمسكون بما هو انساني، لأنه المعني بروعة أن يكون المرء انساناً على خُلق، ذاك الذي تنتدبه الأرض ليصبح: يصيغ مشهدها الصوتي الأثير، والفائض حياة، كما لو أنه الوحيد الذي أرادته الحياة الصوت الأكثر بلاغة، ليرتقي إلى أعلى عليين.
جبران تويني، أيها العزيز حيث تكون العزة ، مهلاً، أنت في أعلى عليين، إنما على الأرض، أرضك العالية، لأن ثمة خوفاً من أن يكون أعلى عليين ذاك، مزدحماً بذوي القنابل الموقوتة والأحزمة الناسفة والارهابيين، ومن بينهم من كانوا سبباً في رحيلك الأبدي لتنضم إلى جمهورية الحرية الكونية ذات اللغة الواحدة الموحدة: الانسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع