الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألقيامه

عامر سليم

2016 / 7 / 11
الادب والفن



لم ارَ بغداد منذ أكثر من عقدين من الزمان .
ولدت وعشت فيها ثلاثة عقودٍ ونيف, اعرفها كما اعرفُ راحة يدي, تجولت في احيائها مشيا على الاقدام وعبرت جسورها, أعرف بيوتها وحواشها وشوارعها وجاداتها وناسها وباصاتها واسواقها وباعتها , تعلمت في مدارسها وتخرجت من جامعتها, لي صور في ساحاتها وحدائقها وبصحبة انصابها وتماثيلها,لي ذكريات في سينماتها ومسارحها ومكتباتها وباراتها وقاعاتها المختلفه , حفظت اسماء جوامعها وكنائسها, سبحت في نهر دجله على شواطئ الكاظميه والاعظميه والصرافيه وصدر القناة.
عشقت اغانيها ومواويلها...عشت بغداد بكل لحظاتها .... نهاراتها ولياليها شمسها وقمرها ونجومها.
...................

الكراده مثل بقية احياء بغداد , تنهض صباح كل يوم على صياح الديك وصوت الاذان وغناء فيروز.
في ذلك الصباح الذي تأخر كثيرا عن موعده ,لم نسمع صياح الديك ولم يعقبه الاذان كالعاده , وفي السماء البعيده كانت اسراب الطيور والعصافير تبتعد مرعوبه فقد احست ان الله اختار ذلك الصباح ليعلن القيامه لعباده الصالحين.
قيامة الكراده تلك التي شاء رب العباد ان يحاكيها بقيامته الكبرى ليختبر قدراته ونتائجها وبنفس الوقت يوفر فرصة للمؤمنين يبتليهم ويختبرهم بها!
فالمؤمن مبتلى كما يقولون!
بعد ان غنت فيروز عن طيارة الورق والخيطان وعن البنت الصغيره على سطح الجيران وعن ضياع الصبي الصغير شادي واختفائه... ضاع صوتها واختلط بصياح البشر وحرائق اجسادهم ودويّ القيامه.
...............

فتحتُ الباب لطارقها , كانت امرأه خمسينيه بيضاء البشره وامرأه اربعينيه سوداءها بصحبة طفل في ربيعه الخامس مهندما مبتسما وهو يحمل مجموعة كتيبات تبشيريه.
ــ أرسلني الله اليك !
ــ وماذا يريد ؟
ــ ان تعرفــه .
ــ انا خير من يعرفه فأنا عراقي!
ــ وهل اخترته ؟
ــ كلا
ــ لماذا ؟
ــ لانه قاتل محترف وبدمٍ بارد !
ــ الله لايقتل , الله محبه , البشر هم من يقتلون والله يرينا الكراهيه و القسوه من خلال الاشرار حتى نتعرف على الحب والرحمه ونختار طريقه , طريق الحق والنجاة.
ــ ومن اختار الاشرار والضحايا في هذا العرض المسرحي.. اليس الله نفسه؟
ــ يجب ان ندفع ثمن الخطيئه , فقد اختار ابنه ليدفع ثمن خطايانا ! ليصّبرنا عندما يكون الثمن موت أبنائنا!
ــ أعود للاختيار مرة اخرى كيف يتسنى لله ان يقف أمام طابور طويل للاطفال ثم يختار منهم الضحايا , كما يفعل اي جلاد بسجنائه وهو يختار بمزاجه من يعدم اولا في طابور الصباح!
ــ الله لا يفعل كما تفكر وترى وتتوهم.. انه البدايه وألمشيئه والنهايه .
عرفنا الدنيا بمشيئته ونتركها بمشيئته وهو لايقتل ولايعدم كما تقول بل هو يحب و يكافئ و يجزي , ومن اختارهم يصِلون اليه اولاً ويعيشون في ملكوته الابدي وتلك هي الجائزه وليست هذه الدنيا التي تمر بنا سريعا , نشقى ونحزن فيها اكثر مما نسر ونفرح.

كانت المرأه الاربعينيه صامته وتهز رأسها بين الفينةِ والاخرى مؤيده ما تقوله صديقتها , ابتسم طفلها ببراءه وهو يمد يده اليّ بالمنشور التبشيري اخذته وانا ابادله الابتسامه ونظرت الى عين امه قائلاً :-
ــ هل إيمانك بالله يتقبّل ويتحمّل ان يكون ابنك الجميل البرئ هذا هو الضحيه المقبله لمشيئته ؟
ارتبكت واختفت ابتسامتها الهادئه وبهت بريق عينيها الصافيتين وبحركه لا اراديه ضمت ابنها الذي كان قريبا منها الى ساقها وهي تحتويه بكفها.
التفتُ الى الاولى وانا اقول...
ــ ليس لله ابن ضحى به , ولـــو كـــان لما فعل !
ــ تفكر وتتسائل وتتحدث مثل الاطفال!
ــ في سؤال الاطفال نجد الصفاء والحريه والشجاعه وكلها تختفتي عندما نكبر لتحل محلها المراوغه والعبوديه والجبُنْ.
ــ لاتبتعد عن الله كثيرا ولاتزيد المسافه بينك وبينه فهو يحبك ويريدك.
ــ سيدتي في وطني الاطفال لايلعبون الا لعبة الاصطفاف الطويل في طابور أختيار الضحايا , والله يقيم قيامته لهم كل يوم انه منْ يبتعد عنا ويزيد المسافه بيننا!

ابتعدت تهز رأسها قائله :-
ــ سأصلي لك ليبدد وحشتك ويضمك لرحمته.
ــ بل أرجوك ان تصلي لاطفال وطني ولكل اطفال الدنيا ليلعبوا ويكبروا بعيداً عنه وعن لعبته القاسيه!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التبشير والدعوة إهانة للعقل الإنساني
ليندا كبرييل ( 2016 / 7 / 13 - 11:07 )
الأستاذ عامر سليم المحترم

تحية طيبة
وسلاماً على روح الشهداء

ليس أسخف من حجج المبشرين المسيحيين بمختلف طوائفهم، والدعاة المسلمين بكل تلوّناتهم

الله لم يعد محبة وسلاما كما يقولون، ليتهم يتركونا نلمس محبته وسلامه في الحقيقة والواقع

أرى الله يستجيب فقط للمرضى في ضميرهم ووجدانهم،فالدماء تسيل أنهارا والرؤوس تقطع أمام عيون الأطفال( قطعوا رؤوس أربعة لاعبي كرة في الرقة منذ يومين)،مثل هذا الله ليس رحيما شفوقا عادلا

إن المبشّر أو الشيخ الذي لا يستهجن أن يصدر فعل الحرق والقتل والإبادة من الله قبل استهجانه من قبل داعش وغيرها، لهو مصاب في عقله وضميره وإنسانيته!

الأطفال والأبرياء المصطفّون في طابور،كسيخ المشوي ينتظرون المحرقة الداعشية
لا أصدق كل من يتاجر باسم الله والأنبياء
عندي عقل يفهم الله أكثر منهم

تشرفنا أستاذ عامر سليم، وأهلا بالمحيا العراقي الجميل والعقل الأجمل
تفضل تقديري


2 - التخلص من هذه القيود الدينية هو خير سبيل
سوري فهمان ( 2016 / 7 / 13 - 12:02 )
الاستاذ عامر
تصديقا لكلامك ما فتئ السوريين يصرخون من ستة سنوات يا الله مالنا غيرك يا الله وهو غير سامع
التخلص من هذه القيود الدينية هو خير سبيل لحياة كريمة وخاصة في مجتمعاتنا القليلة الدين الكثيرة الطائفيه
وأعتقد أن جلال الدين الرومي من قال
بحثت عن الله في الكنيسة والجامع فلم أراه بل وجدته في عقلي .
تحياتي للسيده ليندا وشكرا على هذا المقال المفيد


3 - صدق عبدالله القصيمي
نضال الربضي ( 2016 / 7 / 13 - 12:41 )
العزيزة ليندا،

و أنا أقرأ ُ كلامك ِ -إن المبشّر أو الشيخ الذي لا يستهجن أن يصدر فعل الحرق والقتل والإبادة من الله قبل استهجانه من قبل داعش وغيرها، لهو مصاب في عقله وضميره وإنسانيته!-

قفز َ إلى ذهني المفكر الواعي الصادق مع نفسه و معنا طيب الذكر الراحل: عبدالله القصيمي، و بالذات فقرة قرأتُها له من كتابه -هذا الكون ما ضميره؟- فوجدت ُ نفسي أعود للكتاب أبحث فيه عنها حتى عثرت ُ عليها في فصل -السوط أشهر ُ كاتب ٍ للتاريخ- يقول فيها:

-و طاقة الاندهاش و التعجب تموت في نفوس المؤمنين الذين يرون أن كل شئ محكوم و مصنوع بالقدرة القديمة الخارقة المطلقة...(نص قصير)... إنه يرى كل شئ عاديا ً لا عجب فيه حتى الظلم و الجنون و الألم و العبث...(نص قصير)...إنه لمن الخطأ أو الهرطقة أن نندهش أو نسأل إذا لعبت القدرة المطلقة أحد ألعابها العنيفة الأليمة، و لكنها القدرة المألوفة التكررة-

هذه الفكرة لمستها بنفسي و ألمسها في أي حوار مع أصدقائي المقربين و معظمهم ما زالوا مؤمنين. أجد أنني أصاب بإحباط شديد تجاه هذه اللامبالاة الغريبة عند تناولهم أي موضوع عن الشر و الألم.

السبب: إنهم ينتظرون الحياة الأخرى!

احترامي


4 - صدقت أخي سوري فهمان
نضال الربضي ( 2016 / 7 / 13 - 12:51 )
تحية طيبة أخي سوري فهمان،

كم تألمت و أنا أسمعهم يقولون -يا الله ما النا غيرك- و يرددونها، ثم ينتشلون ضحاياهم!

أتعلم يا صديقي، إن الشرَّ في العالم لهو أكبر دليل على عدم وجود الإله، حتى لو لم تدرس النصوص و تفهم خفاياها و أصولها و تناقضاتها، و حتى لو لم تفهم كيف تعمل كيمياء الدماغ و ترتبط بما يسمى ظاهرة النبوءة، يكفي الشر و الشر فقط لكي يفتح عينيك على أن الإله فكرة في العقل فقط.

صدقني لو كان الإله حقيقيا ً ما عبدتُه و ما قبلت ُ به، لأن من يصمت بإرادته و اختياره و هو القوى مطلق القدرة عن الهلع في عيني طفل ٍ و هو يرى أباه يُذبح أمامه لا يستحق ُّ سوى الاحتقار.

احترامي لك و عسى أن نرى السلام في سوريا من جديد، و إن كنت ُ لا أتوقعه حتى لو توقفت الحرب، لقد مات في القلوب!


5 - العزيزه الغاليه ليندا كبرييل
عامر سليم ( 2016 / 7 / 13 - 15:55 )
تحيه طيبه

ليس عندي ما اضيفه على مداخلتك الثريه والتي احتوت موضوع المقال باختصار وايجاز دقيق.

لي وللمبشرين المسيحيين بمختلف طوائفهم قصصا وحكايا فانا استقبلهم دوما دون تململ واقتني منشوراتهم ومجلاتهم بأحترام واناقشهم بروح مرحه وفكاهه في كثير من الاحيان , ونفترق دوما بابتسمات وضحكات متبادله بالرغم من قول زوجتي المستمر ..يا راجل انت كافر زنديق فلماذا تضيّع وقتك ووقتهم!

اما بخصوص الدعاة المسلمين فانهم لايطرقون الابواب ولكنهم يقفون في شوارع المدن الرئيسيه يحملون منشوراتهم ويحاولون دسها في ايادي الماره !
مره قدم لي احدهم منشور عن اكرام المرأه في الاسلام! ضحكت , انتبه قائلا هل انت مسلم ؟ اجبته كلا انا في الحقيقه يهودي , جفل وكأن عقرباً لدغه فأخذ المنشور من يدي متجهما وهو يلعن (سنسفيل) اجدادي مع نفسه!

انا من تشرفت بحضورك البهي ياجميلة العقل والقلب واللسان

كل المحبه والاحترام


6 - الزميل سوري فهمان
عامر سليم ( 2016 / 7 / 13 - 16:04 )
الزميل الكريم

شكرا لمرورك ومداخلتك البليغه والمكمله للمقال.
انا سعيد لانك وجدت في كلماتي ماهو مفيد.

احترامي وتقديري لكم


7 - تحياتي أخي الطيب
سوري فهمان ( 2016 / 7 / 13 - 16:08 )
عزيزي نضال

كم سررت بتعليقك
على الأقل بحضورك أتشجع أن أفتح موقع الحوار ولو استطعت لطبعت قبلة على شواربك ولو كنت دون شوارب تحياتي أخي الطيب


8 - بغـــــــــــــــــــــداد
عبد الرضا حمد جاسم ( 2016 / 7 / 13 - 16:20 )
بغداد تلك الجميلة التي تغنى بها الشعراء على مر العصور بغداد المستنصرية والنخيل و القباب و دور العلم ...بغداد التي تقرأ و تغني و تلحن و صوبي دجلتها الخالدة و عبق دماء و انفاس الشهداء على جسرها و في شوارعها...بغداد الرياض و المقاهي و الحانات...بغداد التي كان يهاب دخولها من لا يليق بها
بغداد شارع الرشيد والسعدون والمسارح. و النهر وابا نؤاس...بغداد النوادي و القاعات والمسارح...بغداد مسرح الفن الحديث...بغداد السياسة والثقافة والفنون...بغداد جواد سليم و محمد غني حكمت
بغداد والشعراء و الصور...بغداد خان مرجان و مقهى ام كلثوم والبرلمان والزهاوي و حسن عجمي والكيت كات والبرازيلية ومشرب شريف او حداد
بغداد مدرسة الموسيقى و البالية والقبة الفلكية والزوراء...بغداد المتاحف و...بغداد مدينة المنتديات والمعارض و المهرجانات
بغداد النظيفة الفارهة بأحيائها القديمة والحديثة...ووسائط النقل العامة التي تتحرك مع عقارب الساعة.

اخر الافلام

.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط


.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش




.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح