الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخرج على الطريق: الخشية من تحجيب الأفلام (3-3)

عدنان حسين أحمد

2016 / 7 / 11
الادب والفن


حرية الرأي
يخشى خان دائمًا من قمع حرية الرأي، وحق الإبداع لذلك انتقد منع المخرجة كاملة أبو ذكري من تصوير مسلسل "ذات" في جامعة "عين شمس" حينما اعترض طلاب ينتمون إلى تيَار إسلامي على ملابس الممثلين والكومبارس بحجة أنها "خليعة" وتجرح الذوق العام. كما انتقد بشدة منع شيخ أحد المساجد للمخرج أحمد عبدالله في أثناء تصوير فيلمه "فرش وغطا" من دون أن يقدّم أي سبب مقنع لهذا المنع. كما تعرض خان نفسه إلى هذا المنع في فيلمه المعنون "فتاة المصنع" لأسباب مماثلة الأمر الذي يدفعه إلى خشية مضاعفة من تجحيب الأفلام بحجة الشعار المزيّف للسينما النظيفة التي يقمعون بواسطتها أي عمل إبداعي خالص.
يمحض خان أماكن التصوير حُبًا من نوع خاص مثلما يحب المدن المصرية برمتها لكن يظل وقع الإسكندرية كبيرًا عليه. الصورة السينمائية التي قدّمتها الإسكندرية في الخمسينات والستينات والسبعينات هي صورة عفوية من دون شك، وسوف تظل عالقة في أذهان المشاهدين لمدة زمنية طويلة. فالإسكندرية كانت قلب صناعة السينما في مصر قبل أن تخطفها القاهرة التي توفرت على أستوديوهات كبيرة ومصادر جذب أخرى معروفة. أنجز خان ثلاثة أفلام في الإسكندرية وهي "الرغبة"، "طائر على الطريق" و"موعد على العشاء".
إن منْ يُدقق في أفلام خان سوف يكتشف هيمنة الشوارع، وحضور الأزقة الضيقة، وقوة البهجة الكامنة في الحياة الشعبية النابضة بالحياة لذلك فإن غالبية أفلامه تعالج هموم الناس، وتتعاطى مع مشكلاتهم اليومية فلا وجود لسينما "التليفون الأبيض" في أفلامه. ومثلما تبرز الشوارع والحارات في أفلامه تتسيّد المصاعد أيضًا. ولكي لا يدعنا نضرب أخماسًا بأسداس فإنه يعترف مسبقًا بأن ولعه بالأسانسيرات قد جاء من "الباب المفتوح" 1963 لهنري بركات فلاغرابة أن يحضر الأسانسير في "البطيخة" بشكل رمزي وفي "الثأر" و "طائر على الطريق" و "نص أرنب" و "الحرّيف" و "زوجة رجل مهم" وغيرها من أفلامه التي تجمع بين جمال البهجة وقوة التعبير. وطالما نحن بصدد الحديث عن التفاصيل فإن مشاهد الأكل وجدت طريقها إلى أفلام خان وحجته في ذلك أنها موجودة في الحياة فلماذا تُجحب في الأفلام رغم أن المنتجين لا يحبذون هذه المشاهد بسبب كلفتها المادية.

الاحتفاء بالآخر
يحفل هذا الكتاب بمعلومات كثيرة عن الممثلين والمخرجين وكُتّاب السيناريو والمنتجين والتقنيين الذين عملوا مع خان أو مع مخرجين آخرين، وهذه المعلومات دقيقة بمكان بحيث أن تصلح أن تعزّز سيرهم الذاتية والإبداعية إن هم أقدموا على كتابتها. وفي هذا المقال يسلط خان الضوء على "سفريات حميدة" الذي لم يكن يسافر حتى جوًا إلا عام 1992، ثم انفكت عقدة سفره فأخذ يتنقل بين باريس وأثينا ولوس أنجليس واليابان هذا إضافة إلى العواصم العربية التي تحتفي بمهرجانات الفن السابع. لم يكتف خان بالتركيز على محمود حميدة وإنما امتدّ إلى أحمد زكي، محود عبد العزيز، فاروق الفيشاوي، مديحة كامل، سعاد حسني، فريد شوقي، توفيق الدقن، يحيى الفخراني والمونتيرة نادية شكري، والسينارست وسام سليمان، ومساعد كاميرا إسماعيل جمال، والسائق العم رمضان، والخادمة والمربيّة هند علي خضر.
وفي السياق ذاته يتحدث عن المخرجين والفنانين الأجانب لكنه ينتهز مناسبة لا تخلو من مفارقة لهذا الحديث. فحينما يشير إلى جون فرانكنهيمير الذي خلّف وراء 36 فيلمًا قبل أن يموت عام 2000 وعشرات المسرحيات والأعمال التلفازية، وكذلك سيدني لوميت الذي أنجز أكثر من خمسين فيلمًا قبل أن توافيه المنية عام 2011. هذا المخرجان الكبيران كانا يتجهان من التلفزيون إلى السينما بينما يحدث العكس في مصر حيث يتجه المخرجون السينمائيون إلى الأعمال التلفازية وهنا مكمن المفارقة.
تنطوي حياة الرؤساء المصريين المعاصرين على قدر كبير من الإثارة فلاغرابة أن تتحول إلى أفلام درامية لكن لكل مخرج رؤيته الفنية الخاصة به فبغض النظر عن الأحداث التاريخية التي مرّت في عصر الرئيس الراحل أنور السادات إلاّ إن أكثر ما دفع خان لخوض هذه التجربة هي "دراما الطفل الفقير الذي أصبح في يوم ما رئيسًا للدولة"(435). وقد كان خان أمينًا في سرد الجوانب الدرامية من حياة السادات المثيرة بالفعل. وفي الختام يتساءل خان إن كانت السينما المصرية ستسرد لاحقًا وقائع ثورة يناير وما بعدها بصدق أم لا؟

التعايش الإنساني
مثلما يحثّ خان القرّاء ومحبّي الفن السابع على متابعة الأفلام الروائية والمقالات النقدية المهمة التي تُكتب عنها فإنه يحرِّضهم أيضًا على متابعة الأفلام الوثائقية النوعية مثل فيلم "طليان مصر" للمخرج شريف فتحي الذي يعود بنا إلى الزمن الجميل في الخمسينات والستينات ويوثق باللقاءات والصور والحنين لذلك الزمن الكوزموبوليتاني سواء في الأسكندرية أم في القاهرة ودور الإيطاليين تحديدًا في العمارة المصرية، وبالذات مساجد أبي العبّاس في الأسكندرية وعمر مكرّم بالقاهرة، إضافة إلى مساجد وكنائس أخرى في عموم البلاد صممها المهندس الإيطالي ماريو روسي الذي كان كبير مهندسي وزارة الأوقاف المصرية في الثلاثينات من القرن المنصرم. من رسائل الفيلم الأساسية هي التعايش الإنساني في زمن لم يعرف التفرقة على أساس الجنس والقومية والدين والمذهب، والتلاقح الثقافي والحضاري بين الشعوب التي تمدّ بعضها بعضًا بالعلوم والمعارف والخبرات. ومخرج الفيلم لم ينس إسهامات الإيطاليين في الأدب والفن والصناعة ويكفي أن نشير إلى دور ألفيزي أورفانيللي، رائد فن التصوير السينمائي الذي تخرّج على يده العديد من السينمائيين المصريين.
لم تكن هوايات خان في مرحلة الطفولة نموذجية ولا تشجّع على الاقتداء بها ففي سن مبكرة كان "يتشعبط" بالترام الذي كان يدور حول قصر السكاكيني ولا يقفز منه إلاّ بعد أن يكتشف "الكمسري" وجوده.
لا يجد خان حرجًا في القول بأن سقف صالونهم في أحد حارات "غمرة" قد سقط، وأنهم ظلوا يشاهدون النجوم وهم جالسون على الأرائك إلى أن تمّ ترميم السقف الذي حرمهم من رؤية النجوم المشعة في كبد السماء. أما الحدث الثالث والأخير في هذا المقال السيروي فهو اكتشاف خان لظاهرة الموت أول مرة حين لمح في مدخل العمارة خشبة عريضة مسنودة على الحائط بينما يهيمن على المكان هدوء غامض ومهيب.

أدب الرحلات
يرقى وصف في أثناء حضوره بعض المهرجانات السينمائية إلى أدب الرحلات لما يتوفر عليه من خبرة في هذا المضمار فهو يتحدث عن العبّارة الجندولية لكنه يأخذك إلى كيت بلانشيت ويذكِّرها بدورها الصغير في فيلم خيري بشارة لكنه ينسى أن يقول لها بأن الفيلم مصري فيراودها الشك في كلامه. يحدثك عن الهزّة العاطفية التي انتابته وهو يرى صديقه المخرج خيري بشارة وإلى جواره زوجته وابنته وأخته وهو يقدّم فيلمه Moondog لجمهور دبي ثم ينتقل بك فجأة إلى بيتر سكارليت، مدير مهرجان أبو ظبي السينمائي السابق، وهو جالس بمفرده على مصطبة تحيط بوجهه غلالة حزن لمحها الكثيرون من روّاد هذا المهرجان بمن فيهم كاتب هذه السطور المتواضعة. ولا ينسَ خان أن يختم مقاله بجائزة المهر الفضي التي حصدها فيلم "هرج ومرج" لابنته نادين التي قررت أن تمشي على خُطى والدها الذي أحبّ السينما وكرّس حياته لها.
سيتكرر هذا الوصف الرحلاتي في مهرجاني "جنيدو" و "ستراسبورج" وهو يتنقل بين سحر الأمكنة وفتنة الأفلام ولا يتردد في أن يشيد بهذا المهرجان أو ينتقد ذاك بحسب المعطيات التي يوفرها كل مهرجان على حدة.

الهاجس النقدي
للنقد حصته في هذا الكتاب ومن يتابع عمود محمد خان الأسبوعي سيعرف عن كثب هاجسه النقدي، ومواقفه الفكرية من السينما الأميركية، والسينما السائدة في مصر، والسينما المستقلة التي يدافع ولا يشترط عليها أن تلغي السينما السائدة التي تعتاش على هزّ الوسط ومداعبة الغرائز والشهوات الحسية لشريحة واسعة من المواطنين مع الأسف الشديد. تضيف السينما الأميركية فضلاً عن إيقاظ الغرائز النائمة جرعة من العنف، والجريمة، والإبهار التكنولوجي، كما تحمي نفسها بشركات توزيع احتكارية حول العالم لتضمن استمراريتها وحياتها التي تبدو أطول بكثير مما نتخيّل.
في كثير من أعمدة خان نتلمّس الرأي النقدي سواء تحدث عن فيلم "الرغبة" الذي لم تجتز ميزانيته سقف المليون جنيه مصري بينما فاقت ميزانية فيلم "غاتسبي العظيم" حافة المائة مليون دولار أميركي ولك أن تقدر عزيزي القارئ محنة المخرج العربي الذي يريد أن ينجز فيلمًا ناجحًا يجمع بين الجدية والبهجة في أقل تقدير.
يصف خان فيلم "المومياء" بأنه قصيدة سينمائية، وينعت شادي عبد السلام بالشاعر السينمائي بدلاً من صفة المخرج، وهذا الوصف النقدي تنطبق عليه تقنية "السهل الممتنع" وربما لهذا السبب عُرض الفيلم في صالة "باريس بولمان" المخصصة لعرض أفلام شعراء السينما مثل أنطونيوني وفليني وفيسكونتي وتروفو وغودار. فيلم "المومياء" الذي رممته مؤسسة الفيلم التي أنشأها المخرج سكورسيزي سوف تنجح في ترميم 500 فيلم من بينها فيلم "طيش الشباب" ويعزو اختيار سكورسيزي لترميم هذا الفيلم بالذات لأنه يستدعي فيه الحنين إلى زمن الخمسينات. ثمة أكثر من إشادة بفليني وأنطونيوني وإنجمار بيرغمان، ومانويل دي أوليفيرا، وألان رينيه وسواهم من نجوم السينما العالمية وأعلامها البارزين.

مغامرة بيروت
لا تنتظم مقالات هذا الكتاب على وفق خط زمني مستقيم فها هو خان يعود بنا إلى الوراء وتحديدًا للسنتين اللتين قضاهما في بيروت 1964-1966بعد أن ملّ من وظيفته في لجنة قراءة السينايوهات فقام بمغامرة سفره إلى بيروت وهو في الثانية والعشرين من عمره. عمل خان مساعد مخرج مع أربعة مخرجين وهم جمال فارس ويوسف معلوف وكوستانوف وفاروق عجرمة. وحسبي أن ذكريات خان في هاتين السنتين كفيلة بإنجاز أكثر من فصل من سيرته الذاتية والإبداعية إن هو قرر كتابتها. فعامل النجاح في العمل السينمائي ليس مهمًا في كتابة هذه السيرة قدر أهمية رصد المشاعر الذاتية العميقة التي كانت تنتابه آنذاك وهي اهمّ اشتراطات السيرة المرتقبة التي نتلمّس وجودها بين تضاعيف هذا الكتاب.
يختم محمد خان كتابه بالأصداء التي تلقاها فيلم "فتاة المصنع" الذي عُرض في الدورة العشرين للمهرجان الفرنسي العربي للأفلام في المملكة الأردنية الهاشمية. وقد أيقن خان بأن فيلم هذا الفيلم الواقعي الجديد بامتياز يسلب الألباب أينما عُرض وقد بذل فيه طاقم الفيلم برمته جهودًا جهيدة في أثناء إعداد الفيلم، وتصويره، ووضع اللمسات الأخيرة عليه. الفيلم يمجِّد الفتاة الفقيرة الكادحة التي أحبت شابًا من خارج طبقتها الاجتماعية وحينما تعذّر الاقتران به ذهبت إلى حفل زواجه ورقصت فيه كما لم ترقص من قبل لأنها تحررت من كل الأصفاد التي كانت تقيّدها، وتحدّ من حركتها لتتنفس أول مرة هواءً نقيًا يخلو من الشوائب والمنغصات.
لابد من الإشارة إلى بضعة آراء مهمة قد تكون موجودة في ثنايا الكتاب بشكل أو بآخر أبرزها أن الشخصية هي التي ترفده بالفكرة وليس "الحدوتة". وأن خان نفسه يفضل الكتابة للسينما مباشرة ولا يحبذ اقتباس ثيماته من قصص وروايات أخرى باستثناء ما حدث في فيلم "الرغبة" التي استوحى كاتبها بشير الديك القصة من رواية "غاتسبي العظيم" لسكوت فيتزجيرالد. كما يؤكد خان بأنه يمتلك حسًا دراميًا قويًا يؤهله لبناء الفيلم بالطريقة التي تأخذ بألباب المشاهدين وتبهرهم في كثير من الأحيان. ويعزو هذا البناء الرصين إلى توظيف تفكيره الهندسي في البنية الدرامية لكل الأفلام القصيرة التي أنجزها في أوائل الستينات وأفلامه الروائية الطويلة التي استهلها بـ "ضربة شمس" عام 1978 وحتى فيلمه الأخير "قبل زخمة الصيف" عام 2015.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذكرى وفاة الشاعر أمل دنقل.. محطات فى حياة -أمير شعراء الرفض-


.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي




.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني


.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم




.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع