الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جاموسة الليدي غاغا

نعيم عبد مهلهل

2016 / 7 / 11
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ايامنا كانت ساحرة عندما كنا نسمو في ليل الأهوار من خلال القراءة والاغنية وحروب الحرمس على رقابنا .
كان القلة منا يهوى أن يسمع اغنية غربية ، لكن واحد من المعلمين من اهل الحلة المنفيين الى هور الجبايش كان قبل أن يترك كل الاداب المرحلة الثالثة ــ اللغة الفرنسية الى معهد المعلمين ويتعين هنا في العمق الذي كاد يجن فيه حين داهمه الحرمس بشراسة البرابرة ، إذا التحق الى الدوام في مدرستنا بعد يومين من رحلة سياحة لشهرين قضاها في فرنسا.
وبسبب ثقافته الفرنسية أجبرنا أن نعيش نشوة سماع الاغاني الفرنسية بالرغم اننا لانفهم معناها ، ولكن بوح الصوت والموسيقا كان يسكن قلوبنا برهافة تمر كما نسائم ليل الشتاء على خدودنا حين نصر أن نسمع الاغاني قرب الضفاف الطيني وتحت ضوء القمر ، حيث يغفو المعدان ومن يسمع شارل ازنافور وميراي ماثيو واديث بياف سيقول عنا :ماذا يسمع هؤلاء المجانين حتما يسمعون خربط بخربط. وتسملت بتمسلت .
كنا نعرف مشاعرهم الممدة على السوابيط لكننا نصر على أن نسمع ، والمشاغب منا يُعليَّ صوت مسجل الكاسيت ، الى أن شعرنا انهم تعودوا على اديث بياف وهي تبث في الليل الحزين للمعلم الحلي آهات اشتياق الى ليل باريس ونساء على ضفاف السين يجلسن بأفخاذ نصف عارية ، فيشتعل فيه الف شوق الى قدوم الصيف ليعاود اسطورة اشتياقه الى باريس ويسافر اليها ، ومعه قرر اثنان من معلمي مدرستنا السفر أيضاً.
لم نكن نعلم أن طعمة الشاب المعيدي قد اعجبته الاصوات الفرنساوية بالرغم من انه ترك المدرسة في الخامس الابتدائي قبل سنوات والتحق مع قطيع جواميس ابيه ، ولكنه اقترب من جلستنا ذات ليلة وقال لي : استاذ هذا الصوت به بحه حزينة تشبه بحة صوت داخل حسن ، ما هو اسمها ؟
قلت : أديث بياف .
وبالكاد نطق اسمها ، وقل لاادري احب سماع صوتها قبل انام.
ضحكنا وقلنا تلك هي الاساطير ، من اديث بياف الى قرى المعدان الموسيقى توحدنا.
في ليلة اخرى زارنا طعمة واراد صورة لبياف . فأريته لوحة مرسومة لاديث بياف بدى شعرها اجعدا كما عش لقلق وقد نثر عليه الرسام اشرطة ملونه وقيثارات تسقط الدموع من اوتارها وقفازات ملاكم ، وبرج ايفل وهو يرتدي قبعة رمادية.
في اليوم الثاني مرَ طعمة وهو يقود جاموسته وقد وضع على راسها اشياء غريبة ، قماش ستن ازرق ، طاسة فافون ، مسبحة طويلة ، خزامة شذرية . خنجر ، أبريق نايلون أحمر.
ضحكنا ، وقلنا : طعمة ما الذي تفعله ، لقد حولت جاموستك الى مهرج .؟!
لم يفهم ما ذا يعني المهرج ولكنه ضحك وقال : جاموستي حزينة مثل مغنيتكم الفرنساوية .
قلنا لماذا ؟
قال لاني سمعت ان جهاز المسجل عاطل ، وعليَّ أن اتذكر المطربة التي صوتها يقطر حزنها على طريقة صورتها التي معك استاذ.
الآن ذهب زمن جهاز التسجيل وابتعد المكان ، وطعمة الطيب نحرته شظية في حرب حفر الباطن ، وحدي امام التلفاز في المكان الالماني النائي عن سحر تلك الليالي في قرية المحاريث الواقعة في عمق الاهوار ، لاشاهد قناة (الار تي ال ) الالمانية تنقل حفلا للمطربة الامريكية الليدي غاغا.
كان الحفل صاخبا ومملا ونبرة صوته تخدش ثقافة السماع في ذكرياتي كلها فهو ليس سوى الصراخ والفوضى والجنون ، وقد عملت غاغا تسريحتها بتقليعة غريبة علقت فيه اشياء كثيرة تشبه تماما تلك الاشياء التي علقها طعمة على رأس جاموسته .
قلت متذكرا ذلك الوجه البرئ لطعمه : اين انت الآن ياطعمه ، لو كنت حيا الآن لكنت اكثرنا سعادة ، فلقد قلدت تقليعتكَ مطربة امريكية شهيرة اسمها الليدي غاغا.؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرانس كافكا: عبقري يتملكه الشك الذاتي


.. الرئيس الإسرائيلي يؤكد دعمه لحكومة نتنياهو للتوصل إلى اتفاق




.. مراسلتنا: رشقة صواريخ من جنوب لبنان باتجاه كريات شمونة | #را


.. منظمة أوبك بلس تعقد اجتماعا مقررا في العاصمة السعودية الرياض




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقعات بمناقشة مجلس الحرب إيجاد بديل