الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايا جدو أبو حيدر -6-

كمال عبود

2016 / 7 / 12
الادب والفن


***1***
( حبيّب ديبو )

يعرفهُ الذين تجاوزوا الخمسين من أعمارهم في القرية ، حين عرفناه كُنَّا صغاراً ، ننتظرهُ كلَّ يومٍ على حافّةِ الساقية ، عِنْدَ الغروب تماماً يتجاوزُ حبيّب ديبو مفرق القريةِ وطريقها الواسع ويلجُ طريقاً ترابياً لا يتسع إِلَّا لشخصٍ واحد ، طريق العين ...

حين يظهرُ الثور البني اللون، يتقافز الأطفال ، يضحكون ، ترتفع الأيادي الصغيرة: حبيّب ديبو .... حبيّب ديبو ..
تلوحُ قافلةُ حبيّب ديبو - ثيرانهُ السبعة - واحداً تلو الآخر ، خلفهم رجلٌ رثَّ الثياب ، قمباز إلى الوسط ، سروال إلى الركبتين ، سترة بالية على الكتف ، أما الساقان عاريتان وثمة حذاء قديم تجرّهُ قدمان حافيتان...

ثيرانٌ سبعة ورثها رجلّ أربعيني ( مقطوع من شجره إِلَّا من خالةّ طاعنةٍ في السن ) وطريق واحدٌ في الأياب والذهاب ، غرفة صغيرةٌ طينيّة وزريبة ، طعامهُ مِنْ خشاش الأرض ، هذه حياة كامله لمملكةٍ توحد الثيران وصاحبها...

لا يستجدي أحداً ،لا يقبلُ عطايا ،لا يبيع ولا يشتري ، لا يؤذي أحداً ولا يسرق أحداً ، طريق واحد ، نموذج للحياة واحد ، همٌ واحد ... إخلاص للثيران.

***2***

(ابن الريش)

كان طالباً عادياً ، أخذ الثانوية ، تغيّرت طباعه ، تفاخَر على أقرانهِ ... صار يتأبّطُ محفظةً وجريده ، يُدخّنُ تبغاً أجنبياً بعد أن استلم وظيفةً في المدينه ، لَبْس نظّارةً طبيّه ... يضعها على أرنبةِ أنفهِ وينظرُ من فوقِها للآخرين ، يعطي الرشى لمراقب الدوام ويذهب إلى مكانهِ الذي تعوّد عليه ... إلى المقهى ... إلى طاولةٍ قرب الشباك ، يُدخّن ... يشربُ كثيراً من القهوةِ ، يراقب المارّةَ ويكتب أشياءً ثمّ يدعكُ الورق المكتوب ويرميه هكذا ...

قال له غانم: يابن الريش هات اقرأ لنا ما تكتب ...؟
ردّ جايد: ما راح تفهم ، لأنو أكبر من مستواك ...؟
أكيد مستواي أكبر من ابن الريش: ردّ غانم.
قال جايد: مكانك الطبيعي ... عالهامش.

انتهت بالواسطة المجادلة.

في الأيام التاليات، أحضر جايد صوراً للرئيس عبد الناصر وألصقها على جدران المقهى مُتباهياً ، قائلاً: سيرفعكم عن هامش الحياة.

وعلى نفس الجدران - بعد الانفصال كانت صور شيخ تحلُ مكان صور الرئيس صاحبها يُسمى - ماركس...

قال جايد مشيراً الى الصور: هذا من انتشلكم من الهامش الذي أنتم فيه
وفجأةً بعد أيامٍ شوهد ينزع الصور ، بعصبية وطأها بقدميه ...
في حرب 1967 اختفى جايد هارباً من خدمتهِ الإلزامية ، وعاد بعد عفوٍ شاملٍ إلى وظيفتهِ وإلى... المقهى.

***3***

مات حبيّب ديبو... قال شاب قدم لتوّهِ ... آجروا يا شباب ... الله يرحمه
نهض الجميع إِلَّا جايداً، ذهبوا ... شيّعوا المتوفي ، وعادوا ... وزع صاحب المقهى شراباً مجانياً عن روح المتوفي قائلاً: تَرحّموا عليه مأجورين

قال جايد مُستهزئاً: شو ها الخسارة ...؟ كان عا هامش الحياة ...

عندها هبَّ غانم واقفاً سار الى جايد واضعاً إصبعين من يده اليمنى على نظّارتي جايد:
ولَك يا جايد ... يابن الريش ، يابن اللي سرق جيجات الضيعة وحماماتها
ولَك حبيّب ديبوا عندوا سبعة ثيران ، تُطعم ألف أسرة ، ولَك أنت شو قدَّمت ... الله يرحمك يا حبيّب ديبو ، أنت عشت عا قدّك .. بس فيه غيرك كان وراح يضل عا ... الهامش.

***4***

يُقال على ذِمَّة أحدهم ، إِنَّ جايد موجودٌ دائماً في المؤتمرات الخاصّة بحل الأزمه في البلد ، وأكّدَ أنَّهُ ما يزالُ يضعُ نظاراتهِ فوق أرنبة أنفه.

***5***
الله يرحمك يا حبَيّب ديبو

*****
اللاذقية، القنجرة، 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطل الفنون القتالية حبيب نورمحمدوف يطالب ترمب بوقف الحرب في


.. حريق في شقة الفنانة سمية الا?لفي بـ الجيزة وتعرضها للاختناق




.. منصة بحرينية عالمية لتعليم تلاوة القرآن الكريم واللغة العربي


.. -الفن ضربة حظ-... هذا ما قاله الفنان علي جاسم عن -المشاهدات




.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة