الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخنا يغور في الأرض عبر القبور

رضا محافظي

2005 / 12 / 15
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


لقد وافت المنية الأيام الماضية السيد حسين الشافعي ، النائب الأسبق للرئيس المصري بعد حياة عامرة بالأحداث على المستوى السياسي و العسكري . هو رجل لم يكن ليعرفه الكثيرون في الوطن العربي من عامة الشباب لولا مروره ضيفا على عدد من الحصص التلفزيونية التي تبثها القنوات الفضائية و التي تحدث فيها عن الأحداث التي عايشها او تلك التي كان سببا مباشرا فيها .

أمثال الشافعي رحمه الله كثيرون ممن صنعوا التاريخ أو كانوا شهودا عليه لكن مروا في صمت و انتقلوا من دار الى دار دون أن يتركوا - أو أحيانا دون أن يسمح لهم أن يتركوا - وراءهم أثرا مكتوبا او ملموسا يعطي صورة واضحة عما قاموا به أو عما عايشوه لمن جاء بعدهم من الأجيال بما يحفظ لهذه الامة تاريخها من الضياع . شخصيات كثيرة انزوت الى أركان مظلمة بعد نشاط و حركة و فضلت الموت في صمت ، و اخرى جرى قهرها و تم منعها من تسجيل شهاداتها .

لقد عملتُ في فترة سابقة - و لا ازال - على البحث في تاريخ بلادي (الجزائر) خاصة في الفترة التي كانت فيها محتلة من طرف الفرنسيين و ركزت على جوانب معينة من ذلك . و قد اطلعت في خلال ذلك على أعداد كبيرة من المؤلفات لشخصيات لا يعرف لها دور بارز في التاريخ مثل الأطباء و الفنيين و الأشخاص العاديين الآخرين دونوا فيها تفاصيل رحلاتهم القصيرة و الطويلة في الجزائر . لم يكن ليرغمهم احد على ذلك و ربما لم تكن تحدوهم من وراء ذلك الرغبة في الشهرة أو كسب شيء مادي من وراء الكتابة . كل ما في الامر هو حب ابقاء ذاكرة الامة حية منتبهة و لو في أصغر الامور التي قد تبدو في حينها غير ذات أهمية .

من لا يعرف أن العائلات في البلدان التي تحترم نفسها و تحترم تاريخها تعلم أبناءها ضرورة أن يفتحوا لأنفسهم مذكرات يومية يدونون فيها كل مساء ما حدث لهم خلال اليوم و ما اختلج صدورهم من مشاعر و ما دار في خلدهم من أفكار ؟ هل نقوم نحن بذلك على مستوى جماعي ؟ هل هي ثقافة سائدة عندنا ؟ الواقع يقول لا . نحن لا نقوم بذلك و قد يتجاوز البعض منا سن الاربعين دون أن يستطيع أن يفكر في ذلك . و يتعدى الأمر الأفراد ليخص مؤسسات بحد ذاتها في الوطن العربي و الاسلامي . مؤسسات مهمة و ذات صيت و سمعة لا تعـرف لنفسها تاريخا و ربما قد لا يستطيع موظفوها حتى تعداد الرؤساء الذين تعاقبوا على تسييرها على مدى سنين قليلة مضت فكيف اذا أريد التدقيق في التاريخ البعيد . أطنان من الكتب و نفائس التراثيات في مختلف المجالات كانت فريسة سهلة لذوي النهم العلمي من العالم الغربي، جاؤا الى بلادنا في شكل زوار و سائحين مسالمين و اقتنوها مقابل أثمان بخسة مهينة و في بعض الاحيان من دون مقابل في ظل غياب رقابة صارمة و في ظل اهامل تام لتلك النفائس من الجهات المسؤولة عن حمايتها . و في بعض الاحيان - بل في كثير من الاحيان - لم يتم الالتفات الى معالم تاريخية مهمة الا بعد أن دق غيرنا الاجراس في عواصم تتكلم لغة غيرلغتنا .

لقد قبلنا لأنفسنا ان نعيش اللحظات في وقتها ثم نرميها وراءنا دون التفات . لا نتأثر لحدث و لا نعتبر لدرس. و ان حدث أن رجعنا قليلا الى الوراء فمن اجل البكاء ، و البكاء على الأطلال عندنا من فنون الأدب . الكتابة في التاريخ و الاهتمام بها صار لدينا من صغائر الاهتمامات حتى على مستوى الاكاديمي . التاريخ هو آخر مادة علمية مهمة لدى الطلاب و لدى الادارات التعليمية في الكثير من البلاد العربية . الطلاب الذين يتم توجيههم الى ذلك الاختصاص كثيرا ما يكونون أولائك الذين يحصلون على علامات و معدلات نجاح صغيرة . غالبا ما يتم بث الحصص التاريخية التلفزيونية التاريخية في أوقات يكون أغلب الناس يغطون في نوم عميق .

الأشخاص الذين صنعوا الاحداث عندنا بعيدون تماما - بارادتهم أو بغير ارادتهم - عن مسرح الاحداث و قليلا ما تتاح لهم فرصة الكلام . و ان اتيحت لهم فرصة للكلام فان ذلك غالبا ما يكون مرتبطا بأحداث معينة مرة او مرتين في السنة . و قبل ذلك و بعده تجدهم يرقدون في سبات عميق . و الى ان تحين فرصة أخرى للكلام ، يكون الموت قد تخطف عددا كبيرا او صغيرا منهم و يكون تاريخ الامة قد تسرب معهم عبر القبور الى عالم النسيان الأبدي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا