الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورة النّجم: قراءة سريانيّة-آراميّة جديدة (3)

ناصر بن رجب

2016 / 7 / 13
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


سورة النّجم: قراءة سريانيّة-آراميّة جديدة (3)


تأليف:


كريستوف لوكسنبيرغ


ترجمة وإعداد: ناصر بن رجب


 


 


7. وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى


لا تقدّم هذه الآية أيّ إشكال خاص. إلاّ أنّ المترجمين لا يُثمِّنون هنا الفُوَيْرِق الدَلالي عندما يترجمون هذه الجملة على أنّها مجرّد تصريح: «Upon the high horizon» (Bell), «alors qu’il était à l’horizon supérieur» (Blachère), «(in der Ferne) ganz oben an Horizont» (Paret). في الواقع، هذه جملة إقراريه تهدف إلى تأكيد التّضاد مع الفكرة التي عبّرت عنها الجملة الرئيسيّة. بالفعل، فليس أمرا هيِّنًا أنّ الله، الساكن في السّماء العليا، يتواضع [يُذِلُّ ذاته] وينزل بنفسه على رسوله. هذا هو المعنى المقصود من عبارة "فِي الأُفُقِ الأَعْلَى"، أي التّضاد بين السّماء والأرض، ولكن خصوصا ذلك التّضاد فيما يتعلّق بتنازل الله لكي يكون في نفس المستوى مع عبده! وبناء على هذا فإنّنا نقترح الترجمة التّالية لهذه الآية: He who resides [lit. who is] at the highest horizon [i.e. in the highest heaven]!”. "وَهُوَ [هُوَ الَّذي يَسْكُنُ] بِالأُفُقِ الأَعْلَى [في السَّمَاءِ العُلْيَا]".


 


8. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى


إنّ القراءة القرآنيّة التقليديّة لكلمة "ثُمَّ"، الآتية من السريانيّة الآراميّة "تُوب" (سريانية) > "تُوم" [مرّة أخرى، من جديد] (مندائية)، والتي اشتُقَّ منها ما يُسمّى بالصيغة العربيّة الكلاسيكيّة، لا تتطابق مع الإملاء القرآني "تم" والتي تتوافق بالأحرى مع التلفُّظ "فمّ/ثمّ" ("شفتان = فم) في اللغة العامّية العربيّة وهذا ما يكشف لنا أصل الظّرف الآرامي "تُوب" المشتقّ من الفعل "تْوَب/تَاب" ("رَجَعَ"، وفي المعنى المجازي يؤدّي نفس معنى الفعل العربي "تَابَ" [عن ذُنوبِه]). ومع ذلك، وبما أنّ اللّفظ "تمّ/ثمّ" لا يرد كظرف في اللّهجات العربيّة المعاصرة، فإنّ الرّسم القرآني المُعتلّ [بدون تنقيط وتشكيل]، بالرّغم من أنّه يُفضِّل هذا النّطق، بإمكانه أيضا أن يتطابق مع التحريك [الصّائت] المندائي (البابلي) "تُوم"، الذي من المحتمل أشدّ الاحتمال أنه اشتُقَّ منه. إنّ النّطق "ثوم(ما)" بتشديد المِيم وينتهي بألف ممدودة مستبعدٌ لأنّ القرآن يرسم باستمرار مثلا "أَمَّا" أو "لَمَّا" بألف في الآخر.


 


الفعل "دَنَا" له نفس المعنى في العربيّة وفي السريانيّة الآراميّة (دْنَا)، أي "اقترب"، بالإضافة إلى أنّه في العربيّة يعني كذلك "هبط، نَزَلَ". والفعل الانعكاسي "تَدلَّى" (من السرياني الآرامي "اتْدَلِّي") له كذلك نفس الاشتقاق المشترك، إلاّ أنّه في هذا السّياق يأتي في المعنى العربي "تَعلّق = لَبَثَ، بقي يترقَّب"، وهو المعنى الذي لا يشاطره فيه الفعل السرياني.


 


المُحرِّر القرآني، الذي يبدو أنه كان على دراية جيّدة بالعهدين القديم والجديد، يقوم هنا بإشارة واضحة إلى إشعْيَاء 11: 2 (وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ)، و42: 1 (هُوَ ذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ)، وكذلك إلى متّى 3: 16 (فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ)، ويوحنا 1: 32-33 (وَشَهِدَ يُوحَنَّا قَائلاً: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، لكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ، ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرًّا عَلَيْهِ، فَهذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ). هذه المقاطع من البَيْبَل تساعد على توفير توضيح لهذا النص القرآني القصير الذي يلمِّح إلى روح الله الذي ينزل ويبقى معلقا فوق رسوله.


 


لقد كان بلاشير على حقّ عندما خالف الطبري وترجم هذه الآية ترجمة منطقيّة وعلى ضوء المرجعيّات البيبليّة: «Puis il s’approcha et demeura suspendu». ولمن نحا هذا النّحو، فإنّ الطبري يروي رأييْن: الاوّل أخرجه من طرق اسناد ثلاث (عن الحسن، وقتادة والرّبيع) ويفيد بأنّ المقصود هنا هو الملاك جبريل، وأمّا الرأي الآخر، المنسوب إلى ابن عبّاس عن أنس بن مالك، فإنّ المعنى هو "دَنَا رَبُّهُ [بشخصه] فَتَدَلَّى".


 


9. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى


فيما يتعلّق بالفعل "كَانَ"، يعتقد الطبري أنّ فاعله الضمني هو (الملاك) جبريل. أمّ بالنّسبة للتّركيب "قَابَ قَوْسَيْن" فإنّه يقدّْم التفسير التّالي: "فكان جبريل من محمّد على قدر قوسين أو أدنى من ذلك. يعني: أو أَقْرب منه" (1). ثمّ يمضي في شرح هذا التركيب، الذي يفهمه على أنّه ظرف مكان، من خلال سرد قائمة من المتغيّرات والمترادِفات كما يلي: "يقال فيه: هو منه قابَ قَوْسَين، وقِيبَ قوسين، وقِيدَ قوسين، وقاد قوسين، وقِدَى قوسين. كلُّ ذلك بمعنى: قدرَ قَوْسَين".


 


وذهبَ آخرون إلى تأويل التعبير "فكان قاب قوسين" بالمعنى التالي: "أنَّه كان مِنْه حيثُ الوَتَرُ من القَوْس". وأخرج الطبري خمس روايات مسنودة لبعض من كان يقول بذلك. كما فهم آخرون تعبير "قَبَ قوْسين" بمعنى: "قَدرَ ذِراعٍ أو ذراعَيْن"، واعتبر نفر آخر أنّ اللّفظة "قَابَ" تعني "القِيد" أي "القياس"، ورأي آخر اعتبر أنّها تعني "نِصْف [طول] الإِصْبعِ" (2).


 


إنّ التعبير "قَابَ قَوْسيْن"، مأخوذ بطبيعة الحال كتعبير قديم، أو فيما يُعرف بالعربيّة الفصحى، ورد في معاجِم اللّغة العربيّة بهذا المعنى المُتَخَيَّل (3). فكلمة "قَابَ" يُفتَرَض أنّها تعني "مسافة قصيرة"، وكذلك التركيب "عَلَى قَابِ قَوْسَيْن" يُؤْخَذ على أنّه تعبير يُفيد "قَريب جدًّا"، "مَسَافة طول اصْبعيْن". إلاَّ أنّ كلَّ محاولات التفسير هذه، والّتي لا واحدة فيها أكثر اقناعا من الأخرى، تدلّ بوضوح أنّ الطبري والّذين ذكرهم من المفسِّرين كانوا على قناعة بأنّهم يتعاملون مع لغة عربيّة مُبينَة، ولم يخطُر على بالهم مطلَقًا أنّ هذا التّعبير هو تعبير سرياني آرامي كما سنشرع ذلك هنا.


 


في سياق هذه الآية ليس جبريل هو فاعل "كَانَ"، وهذا بالنّظر إلى الحديث الذي أورده بشأنه الطبري والذي مفاده أنّ الرسول رآه بأجنحته السّتمائة حيث قال: "رَأَيْتُ جبريلَ له ستُّمائة جناحٍ". كما أنّه ليس هو نفس الفاعل في الجملة السّابقة أي "روح القُدس". الفاعل هو بالأحرى الرّسول نفسه. فمنطق السّياق سيبرهن لنا فعليًّا أنّ الفاعل تغيَّر هنا دون أيّ انتقال واضح، وهو تغيُّر إذ يُربِك القارئ العادي إلاّ أنّه يمثّل سمة مشتركة في الأسلوب القرآني. أخيرًا، فإنّ الكلمة "كَانَ" ليس لها هنا المعنى العربي المتداول ولكن تفيد بدلا من ذلك، وتحت التأثير السرياني، "بَقِيَ".


 


"قَابَـ(ا)" ليست لفظة عربيّة، ولا هي ظرف مكان ولا وحدة قياس، بل هي بالأحرى قراءة خاطئة لصِفَةٍ مشبّهة سريانيّة آراميّة. فعوضا عن "قَابَ" يجب قراءة "قَايث"، الذي هو فعل سرياني آرامي يعني "جَمَد، بقي ساكنا، تسمَّر". ومهما يكن من أمر، فإنّ الحَرْفَم (grapheme) [وحدة خَطِّية] القرآني "قَات" يتطابق مع الصفة المشبّهة السريانيّة، ومن هنا ينبغي للمرء أن يقرأ "قايث" (أنظر "قايم" = في العربيّة "قايم/قائم")، التي تعني "واقف، ثابت، ساكن". وإذا وضعنا الفعل العربي "كان" فإنّ معنى الجملة يصبح "كَانَ قَائِمًا".


 


إنّ القراءة التقليديّة "قَوْسَيْن" هي قراء خاطئة ولا علاقة لها لا بقوس واحد ولا بقوسين إثنين. فالكلمة ليست عربيّة، إذ يجب ازالة النقطتين عن القاف وتعويضهما بنقطة واحدة للحصول على الحرف السرياني ""فَ" (أو پ = p)، ثمّ يجب إضافة ثلاث نقاط إلى السّين للحصول على شين، وهذا يقود إلى قراءة سريانيّة بصيغة التثنية العربيّة " پوْشَيْن/فَوْشَيْن، الذي يعني، حسب معجم منّا تحت مادّة " پَوْشَا" (وقفة، استراحة، انقطاع). وبالتّالي فإنّ الكلمة يُصبح لها معنى "وَقْفَتَيْن = لَحْظَتَيْن [من الزمن]". وهكذا، فبدل القراءة العربيّة التقليديّة " فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى"، يجب أن نقرأ "فَكَانَ قَايِتْ فَوْشَيْنِ أَوْ أَدْنَى"، التي تعني "فَبَقِيَ [العَبْد] مَذْهُولاً لَحْظَتَيْنِ أَوْ أَقَلَّ".


 


10. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى


هذه الآية واضحة في حدّ ذاتها ومعناها مطابق لترجمة بلاشير: «Il révéla alors à son serviteur ce qu’il révéla».


 


11. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى


يفهم بلاشير وبل هذه الآية اعتمادا على تفسير الطبري:


 


Blachère: Son imagination n’a pas abusé sa vue.


Bell: The heart did not falsify what it saw.


 


إلاّ أنّ الفعل "كَذَبَ"، وحسب الشرح الذي نقدّمه لاحقا، يجب أن يُقرأَ "كَذَّبَ". أمّا بخصوص القراءة التقليديّة للفظة "الْفُؤَادُ"، التي أقحم فيها النّسَّاخ العرب المتأخِّرين الهمزة، فهي تُلمِّح إلى معنى "قَلْب" حسب المفهوم العربي للكلمة (6)، ولكنّ هذه القراءة هي قراءة خاطئة. فبدون الهمزة يُقرأُ الحَرْفَم القرآني "فَوَاد". يعطي مَنَّا في معجمه المعنى العربي لجذر الفعل السرياني "پاد/فَاد" كالآتي: "زَاغَ، ضَلَّ، سَهَا، ذَهَلَ". هذا المعنى الأخير هو المعنى الذي يجب أن نبقي عليه للصّيغة الإسميّة القرآنيّة "فَوَاد" التي يعطي مَنَّا ما يُقابلها في السريانيّة على النّحو التالي: فَوْدَا، فِياَدَا، فيَادُوتَا"، التي يجب اعطاؤها معنى "غِيَاب" [ذُهُول]. وهكذا فإنّ هذا اللّفظ يتطابق منطقيّا مع مرادفه السرياني "قَات"(= ساكن، هامد) الوارد في الآية 9، بالإضافة إلى الفِعْلَيْن المرادفين السّابقين في الآية 2 "مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى". وبناء على ذلك فبَدلَ أن نقرأ الآية حسب القراءة التقليديّة "مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى" فإنّه يجب أن نقرأ بالأحرى "مَا كَذَّبَ الفَوَادُ مَا رَأَى" التي تؤدّي المعنى "الذهول لا يجب أن يُكَذِّبَ بأي حال من الأحوال ما رأى" (بمعنى: الذهول لا يفيد أنّ ما رآه [محمّد] كان كاذِبًا).


 


(يتبع)


 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الهوامش:


صدر هذا المقال في كتاب:


New Perspectives on the Qur an


The Qur an in its Historical Context 2


Edited by Gabriel Said Reynolds


First published 20ll


By Routledge


تحت عنوان:


Christoph Luxenberg


Al-Najm (Q 53), Chapter of the Star


A new Syro-Aramaic reading of Verses 1 to 18


Pages : 279-297


 


(1) الطبري، تفسير، 27: 54.


(2) نفس الصدر


(3) أنظر:


H. Wehr, A Dictionary of Modern Written Arabic, ed. J. Milton Cowan, 4th edition, Wiesbaden: Harrassowitz, 1979, 930a.


(4) أنظر:


J.E. Manna, Vocabulaire Chaldéen Arabe, Mossoul, n.p., 1900, 712b. Brockelmann, Lexion syriacum (704a) : (Ar. waqt tempus definitum) : haesit (« to remain still, to freeze ») ; Tesaurus (2 : 3774) : qat: pash d-la zaw’ akh… ayna d-metthed b-gahruta:


أي: "قَطْ: بَقِيَ ساكنا لا يتحرّك كالمذهول".


(5) Manna, 581a.


(6) يعلِّق بلاشير بهذا الخصوص:


«le foie (= le cœur) n’a pas abusé ce qu’il (= Mahomet) a vu».


ثم يُضيف: "نحن نعلم أنّ القلب عند الشعوب السّاميّة يُعْتَبَر غالبًا موطنَ العقل".


(6) Manna, 578a.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السند والتواتر هما الفيصل☺-;-️-;-
عبد الله خلف ( 2016 / 7 / 14 - 15:27 )
أهلاً بك💐-;- كيف حالك؟
هل يوجد سند (متصل صحيح)، ثم يكون هذا (السند)؛ (متواتر)، لكي يرتقي إلى درجة (اليقين)؟
القرآن الكريم؛ منقول ب(السند المتصل الصحيح المتواتر) لنا، ولذا نطرح سؤال:
لماذا لا تكون السريانية والآرامية هما من أقتبس من القرآن؛ لا سيّما وأن المسلمين وصلوا لبلادهم بعد الرسالة الخاتمة مباشرةً؟
من كوارث السريانية والآرامية أنهما ليستا مسنودة بالسند الصحيح المتصل، فلا قيمة للتواتر إن هو خلا من السند.
وعلى هذا، قد تكون السريانية والآرامية أقتبستا من القرآن.

اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م