الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصائد الدم / قراءة في مجموعة ( شريط صامت ) للشاعر العراقي عبد الزهرة زكي .

هادي الحسيني
(Hadi - Alhussaini)

2016 / 7 / 15
الادب والفن


قصائد الدم !
قراءة في مجموعة (شريط صامت) للشاعر العراقي عبد الزهرة زكي
هادي الحسيني / أوسلو
أعنف المراحل خطورة مرت في تاريخ العراق الحديث هي مرحلة الطائفية والقتل على الهوية والتي بدأت عام 2006 أو ما بعد سقوط النظام العراقي ، لتنتج لنا المآسي والويلات والدمار والمزيد من الأرامل والأيتام ومن ثم تقوم بعملية تفكيك المجتمع العراقي وتقسيم مدنه واحيائه الى طوائف وقوميات ، لكن الأكثر فزعاً ورعباً ودماءً وبكاءً هو قتل الأبرياء بدم بارد ومن دون ذنبٍ يؤهلهم الى القبر !. كانت مهمة الشعر وعلى مَرّ العصور ان يلعب دوراً مهماً في تسجيل وتوثيق تلك الأحداث المؤلمة على إختلافها في تاريخ الانسانية ، الشاعر له دور كبير وفعال في كافة المجتمعات ،ويعتبر مؤشر من مؤشرات الثقافة العالية ، الشعر له دويه بتحريض الثورات على الطغاة وينتصر للفقراء والمظلومين ، ودائما كان الشاعر يخاصم واقعه رغبة في التغيير الى الأحسن والأفضل ..
أسوق المقدمة أعلاه كمدخل الى ( شريط صامت ) وهو عنوان المجموعة الشعرية للشاعر العراقي عبد الزهرة زكي والصادرة عن دار ( المدى ) والذي استطاع عبر هذه المجموعة أن يؤرخ لمرحلة مهمة من هذا التاريخ الدموي للعراقيين الذين فقدوا بوصلة الوطن والمواطنة .!
في شريط صامت تفوح رائحة الدم في كل مقطع أو جملة كتبت ، جثث الأبرياء تنزف الدم في الشوارع والساحات والأسواق والبيوت وكل مكان ، يقابلها قلوب تنزف الدماء هي الأخرى منتظرة ابناءها الذين تحولوا الى جثث في ثلاجات الطب العدلي ! ما أرعبني في مجموعة شريط صامت وبخاصة في القصائد الأولى تكرار كلمة ( الدم !) والتي يبدو ان الشاعر قاصداً بتكرار ذكرها لتتحول كل قصيدة داخل المجموعة الى قصيدة حية زاخرة في اللغة والصور لكنها في جانب آخر عبارة عن جثة تسيل منها الدماء وبدون توقف كما في قصائد ( رائحة الحب ، أسرع من الصوت ، انتظار ، لا أحد يرد والتي يقول فيها :
بين القدمين المضرجتين بالدم ،
أسفل المقعد ،
لم ينتبه عمالُ الانقاذِ لهاتف يرن .
سيارة الإسعاف تنطلق بالجسدِ القتيل .
ويرتفع الدخان بعيداً.
ويمرُ السائقون ، ناظرين وجلاً ،
الى الحطام .
ووسط الدم
أسفل المقعد
الهاتف يرن ..
بعد القصائد الأربع التي أبتدأ فيها الشاعر شريطه الصامت يجسد في قصيدة بعنوان ( قصة الجندي الشجاع ) بطولة وإباء وتضحية أحد جنودنا عندما يكتشف أرهابياً يرتدي حزاما ًناسفاً ! يحتضنه بعيداً عن الناس . فينقذ من ينقذ ، لكنه يموت !وتلك لعمري بطولة ليست نادرة فحسب إنما لم تحدث كثيراً في حروب عالمية وويلات مرت بها البشرية ، لكنها حدثت ومازالت تحدث في العراق الذي تعرض ويتعرض الى هجمات إرهابية لم يمّر بها من قبل ! كما جاء في القصيدة التي يقول الشاعر في مطلعها :
حدق فيه
حدق في الموت بعينيه ..
وحينما أحتضنه
انفجرَ القاتل بحزامه الناسف
وماتا
ماتا معا ...
في صفحة 20 ثمة قصيدة تحمل عنوان المجموعة ( شريط صامت ) ، والشريط هنا هو شريط الكاسيت الذي يستمع إليه سائق السيارة في مسجل سيارته وان كان قد أنقرض منذ سنوات طويلة وحلّ محله السِديّ او القرص إلا أنه ظل كرمز لسماع الموسيقى والغناء ، لكن الشاعر عبد الزهرة زكي وظفه بطريقة شعرية رائعة بعد أن أجهز السائق على ضحيته وهرب في سيارته عكس إتجاه السير والشريط ظل يدور بصمتٍ مطلق ، القصيدة تشرح الموقف بدقة بعيداً عن تفجيرات اللغة واستخدام كلمات صعبة على المتلقي ، فالدم والقتل والمأساة الصعبة لا تحتاج الى ألغاز وطلاسم أكثر داخل اللغة ، لهذا فالشاعر عبد الزهرة زكي معروف بمجموعته الأولى ( اليد تكتشف ) والتي قرأناها في بغداد بداية العقد التسعيني كانت مجموعة شعرية تحتاج الى قاريء نبيه لانها مكتوبة بلغة ذهنية لغة تحيطها الطلاسم الكثيرة تحسباً لملاحقات النظام آنذاك . هنا في شريط صامت المأساة تحكي والشاعر يصورها لنا عبر قصائده التي تقطر منها الدماء ، يقول الشاعر في قصيدة شريط صامت :
استدار القاتل سريعاً
عكس السير .
يدور الشريط صامتاً في المسجل .
وتمر السيارات ُ بصمتٍ
فيمر ، بصمتٍ ، منصرفاً
عن عابرين يتفادون النظر إليه .
المسدس بارد بين فخذيه .
وعلى ضباب المرآة شبحُ يتلاشى
لقتيل مرمي وحيداً على الرصيف !
وتستمر المأساة في قصائد مثل ( الجثة ، الدم يحفر مجراه ، من حلم منسي ، مطر ثقيل ، فرصة للحياة ). في تراجيديا الدم الذي يسيل في شوارع العاصمة بغداد دون توقف ودون رادع يذكر لايقافه ، لكن الألم يعلو على هامش الروح والتي تبدو كجثة هي الأخرى !
وحتى روح القاريء للمجموعة تعيش في دوامة الحياة الملطخة بدماء الناس الابرياء في كل مكان من أرض العراق .
وبعد الدماء التي سالت من قصائد مجموعة ( شريط صامت ) لعبد الزهرة زكي عبر مشاهد الدم التي تخيف الشعر ! فكيف بها لا تخيف القاريء ؟
ينقلنا الشاعر الى مشاهد أخرى عنصرها الأول الموت أيضا لكن هذه المرة أخف شدة في وقوعها ، ليس كما القصائد الأولى للديوان التي كانت تنزف دماً . .
ثم تأتي قصائد أخرى تحت عنوان ( هل ثمة حبيس يتحرر ؟) التي أحتوت على قصائد مثل ( المخطوف ، أسئلة المخطوف ،أليها من قبو الخطف ، الأبن المخطوف ) في هذه القصائد يجسد الشاعر عبر قصائده مأساة المخطوفين الذين في الغالب يعودن الى ذويهم كجثث مضرجة بدمائها حتى وان دفع ذويهم الفدية لخاطفيهم!
ولعل مسلسل الخطف في بغداد تحديدا باعتبارها عاصمة العراق أخذ قسطا كبيراً من مأساة العراق التي مرت ومازالت تمر عبر شريطها الصامت ..
ثم ينقلنا الشاعر الى قصائد الوحشة مستعيراً جملة شعرية لشاعر نمساوي أسمه غريلبارتسر يقول فيها ( أسير وراء جثماني .. وأنا حي ) !
قصائد الوحشة عبارة عن قبور الضحايا ، شواهد القبور ، وحشة القبر ، أحلام القبر ، ياه ياه ، من الدم والموت والخطف الى وحشة القبور ، لقد جسّد الشاعر زكي باب الوحشة في قصائد كالتالي : ( قبر أعرفه ، لا ليل في القبر ، على الورق الأصفر ، صورة من الحرب ، وقصائد اخرى ، يقول الشاعر في قصيدة قبر أعرفه :
في أفق أحلامي
يتكرر قبرٌ
قبرٌ لا أعرفه
لا أعرف دفينه
كل صباح أنهض ، وأجيء بورد ، وبماء الورد
فأرش القبر .
أمسح عن شاهدات التراب
فلا أثر للإسم
ويبقى التراب !
ثمة قصيدة بعنوان الوحشة مهداة الى صفاء ابو سدير هي قصيدة كتبها الشاعر عام 2000 قبل المآسي سالفة الذكر التي لحقت بالعراق لكنها تتحدث عن مأساة رحيل نجل صفاء ابو سدير بحادث مؤسف ، إلا ان القصيدة جاءت في مكانها الصحيح وضمن دراما الأحداث في تلك المجموعة .
وفي آخر جزء من أجزاء المجموعة وهو بعنوان ( هديل أسود للنسيان ) وقد أحتوى على قصائد : النسيان ، الحارس الشخصي ، فمه ، لغة واضحة .. ولغتي ليست كاللغات ، مسير يطول ، البيت ، رفقة الجسد ، تحت الأقدام ، وهديل أسود والتي يقول فيها :
هذا الدرب كتاب مفتوح
يقرأه المبصر والأعمى
تتهجى أسطره ، في الظلمات ، الروح ..
في قصائد هديل أسود يحاول الشاعر أن يعود الى ذهنيته الشعرية التي ذكرتها سلفاً والتي تجسد بعضا منها في ديوانه الأول كما قلت بداية هذه القراءة ( اليد تكتشف ) لكنها أي القصائد مرتبطة أرتباطاً وثيقاً في المجموعة برمتها ومسترساً بطريقة تكاد تكون قصيدة واحدة تبدأ بالدم والموت عبر القتل والدماء والاختطاف ثم وحشة القبر والعودة الى البيت والأصغاء الى الآلام والفواجع التي لم تنتهي !
بقيّ أن أقول ان الشاعر عبد الزهرة زكي الذي واظب منذ فترة السبعينات على كتابة القصيدة الحديثة قد نجح بمهارة عالية في تجسيد مأساة العراق وموت الانسان فيه بالطرق التي لا يمكن للعقل تصديقها ولو لا اننا نراها امام اعيننا كل يوم لقلنا ان مجموعة شريط صامت هي ضرب من الخيال الشعري ! إلا ان احداث العراق فاقت كل التصورات والتوقعات ، وإذا كنا ننبهر بمشهد فلم من أفلام الرعب ، فمشاهد الموت في العراق يصعب تجسيدها في أي نوع من الافلام ، ولا يمكن للعقل ان يتقبلها ويقتنع فيها أطلاقاً ! لكنها مقنعة داخل العراق ومازالت مستمرة ،! ان نقرأها في الشعر عبر شريط صامت سيكون سهلا على العقل تحملها . ولهذا فان العراق صامت منذ سنوات ، ليس في شريط الكاسيت الذي ظل يدور به السائق القاتل داخل القصيدة ، انما صمت العراق في كل شيء ، وكأن البلاد لا يدور شريطها إلا بصمت الموت عبر القتل المطلق !!

14/07/2016
أوسلو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة