الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقاطعات الواقعي والخيالي

محمد يوب

2016 / 7 / 16
الادب والفن


تقاطعات الواقعي والخيالي
قراءة في أعمال الأديب إبراهيم ديب
فجأة التقيت بالأديب المغربي (إبراهيم ديب) بمدينة أصيلة المغربية عندما شاركت في أحد اللقاءات الثقافية المتعلقة بالقصة القصيرة؛ افتتنت بحدة ذكائه وسرعة بديهته؛ مطلعا على الثقافات العربية والأجنبية؛ فنفذ إلى قلبي دون تأشيرة دخول. لم تشأ الأقدار أن نجلس طويلا لأغترف من معين ثقافته؛ وحلو كلامه؛ لكن الصدفة شاءت مرة أخرى أن ألتقي به بمدينة فاس؛ بحضرة الأديبين المغربيين؛ (إدريس الواغيش) و(صخر المهيف).
كانت فضاءات (مقهى أركانة) تجمعنا كل مساء؛ كان إنسانا بسيطا؛ يتصرف ككهل في خريف العمر؛ تبدو عليه علامات الوقار؛ تعلو ملامحه لمسة من النكتة والدعابة (مالكو الأموال وأصحاب المعامل والشركات لم يكونوا يثيرون اهتمامي) قليل الكلام وعندما يتكلم يكون موجزا وصائبا عين الجواب؛ لا يزيغ عن الموضوع قيد انملة؛ وبين تدخل وآخر يسترد أنفاسه بنفحة من نفحاته الكتامية (نسبة إلى كتابة ربة الحشيش وملهمة الشعراء) التي تنعش الدماغ وترده الى الصواب.
وفي هذا اللقاء وقع لي أعماله الأربعة وهي: كسر الجليد (رواية) برتقالة فنان(مجموعة قصصية)حجر الملح(شعر) جواد ليس لأحد (شعر).
ولأنني لم أخذل أبدا في حياتي أديبا حقيقيا؛ أخذت أعماله الأدبية إلى مدينة الدار البيضاء حيث أقيم وقرأتها بإمعان شديد؛ وجدت نفسي أمام أديب موهوب متعدد المستويات والروافد؛ صقل تجربته الإبداعية ونماها بالقراءة والإطلاع على روافد الأدب .
أُصِبْتُ بذهول وأنا أقرأ سردياته؛ وازددتُ إعجابا وأنا أملي عيني بحروفه المتشابكة؛ وهي تنسج خيوط قصائدها؛ لقد سخر لغته الشفيفة ليصور أناسا يحيون في دفق عفوي؛ يعيشون الفطرة المندفعة بقواها الغريزية اللاواعية (هؤلاء الصعاليك الممتعون
كأساطير طالعة من بئر القيامة
الموسرون كالشجر
والمهرولون في مجرى التفاؤل) إنه يأخذ شخصياته في السرد كما في الشعر على حين غرة وهم يحلمون أحلام اليقظة ويتلذذون بالوهم؛ يعبر عن واقعهم وعن أحلامهم؛ يأسرك قلمه وهو يفكك تفاصيل حياتهم؛ بما تضطلع عليه نفسه المضطرمة من تأمل سخي في الحياة ودروبها ومشاهدها وشخوصها ومحكياتها؛ مما يدفع القارئ من خلال القراءة والتأويل على التوالد النصي والتأويل الدلالي بتعانق الواقعي بالخيالي؛ لأن جمله القصصية والشعرية ليست بريئة وإنما هي حمالة أوجه .
ولا يمكننا الفصل بين الشعري والنثري في كتابات (إبراهيم ديب) فسردياته مغسولة بماء الشعر؛ وأشعاره صارمة صرامة الفكر؛ وما يمكن الاتفاق عليه منذ الوهلة الأولى هو أنها كتابات تحاكي الواقع؛ تقتنص اللحظات الطافحة بالمفارقات؛ وترصد اللقطات الموحية بالسخرية من بعض الظواهر الاجتماعية والأمراض السلوكية؛ وتفضح رياء بعض النماذج البشرية وحماقاتهم وتفاهة ما يفكرون فيه ( بينما المعلمون – على الأقل أغلب من عرفت – كانوا بؤساء وسطحيين وساديين) فعندما نقرأ أعماله الأدبية نشعر بها وكأنها توهمنا بواقعية ما تحكي؛ عن طريق الإحالة إما إلى شخصيات واقعية أو ظروف عاشها في الواقع؛ حينئذ يحصل هذا التطابق بين المُؤلِّف البيوغرافي والمؤلف الكاتب؛ انطلاقا من إشارات وقرائن موجهة ومصاحبة للأعماله الأدبية ( كان صديقي زروال رحمه الله يقول لي: الذئب يملك 66 حيلة؛ أما القنفذ فيملك حيلة واحدة؛ لكن القنفذ ينقذ نفسه دائما من المخاطر؛ بخلاف الذئب الذي يقع في المهالك رغم سعة حيلته) وما يعطي لهذه الأعمال صفة الواقعية؛ الأمكنة التي هيأها (إبراهيم ديب) لاستيعاب الأحداث والشخصيات ذات الإحالات الواقعية؛ وهي بذلك تفتح نوافذ لرصد سلوك النماذج البشرية المتنوعة ومعاناتها وآلامها وآمالها وتصرفاتها وعلاقاتها.
ومن عمل إلى آخر يطعم واقعيته ببعض تقنيات التيارات الأدبية الأخرى كالرمز والإيحاء (لم تعد قصة بسيطة تشبه قصص الأطفال؛ بل أصبحت أكثر رمزية وتتطلب قراءة عميقة وربما عدة قراءات) حيث الكاتب هنا في هذا المقطع القصصي يتحدث عن تقنيات كتابة القصة من خلال القصة؛ وهذا واحد من الأساليب التي تعتمدها الكتابة القصصية الحديثة؛ وهكذا يخرج من الكتابة عن الواقع إلى كتابة لنقد الواقع؛ سواء من داخل القصة أو من داخل الشعر؛ كأننا نشعر به يسخط على الواقع وعلى كيفية الكتابة عن الواقع؛ متمردا عليه تواقا إلى تغييره مقدما محركال حرقة السؤال دون طرح الأجوبة والبدائل.
فهو في كتاباته جميعها يفتح نوافذ يطل من خلالها على الأماكن والشخصيات والأحداث؛ دون غلقها ليترك المجال للقارئ ليطل بدوره على رصيده الإبداعي؛ من أجل توريطه للمشاركة في عملية الكتابة؛ عن طريق شحذ خياله وتنمية مشاعره؛ لأن الإنسان من طبيعته الفضول والتطلع لاستكمال الأشكال الناقصة التي يراها أو يقرأها.
محمد يوب
ناقد أدبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا


.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس




.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش