الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا وشبح الانقلابات

صلاح الدين مسلم

2016 / 7 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


إنّ أحد أسباب ما يحدث في تركيا هو نتيجة ما اقترفته يد الاستبداد الحديث في القرن الواحد العشرين، إذ لم يتّعظ أحد من الرؤوساء الشموليين التوتاليتاريين من تجربة صدام حسين الذي مهّد لسقوط الدولة القوميّة في الشرق الأوسط، وكانت الثورة التي انطلقت شرارتها من تونس عنتْ تكرار مقولة: "إنّ الشرق الأوسط يرفض الديكتاتوريين" لكنّ الغباء الدولتي التركيّ الذي خبِر الجيش فيه طريقة الانقلابات العسكريّة بإيعاز من الغرب دائماً وأبداً قد قرّر إعادة الهتلريّة النازيّة المطعّمة بالسلجوقيّة الهيمنيّة الممزوجة بالعثمانيّة الفتحيّة النهبيّة ليثق أردوغان بنفسه إلى درجة أنّه رأى في نفسه أبداً البديل عن أولئك الاستبداديين.
وبما أنّ الشعب التركيّ لم يخبر الثورات عبر تسعة قرون، وكانت الصراعات دائماً تحصل في القمّة، وبما أنّ الذي يثور في تركيا هو أبداً المكوّن الكرديّ وقبله الأرمني والرومي...، فكان لا بدّ من حلّ واحد هو استئثار العنصر التركيّ العامل المسالم البعيد عن الحضارة ليكون صاحب الحظّ الأوفر في الحياة في الدولة التركيّة، وبالتالي كانت أي نهضة للعنصر غير التركيّ اختباراً، وورقة ضغط من قبل مغيّري الخطّ التركيّ والمنهجيّة الدولتيّة التركيّة، وبما أنّ أردوغان فشل في ترويض الكرد فكان العقاب هو الإطاحة به، لكنّ أردوغان هو الداعشيّ الذي استطاع السيطرة على منابر الجوامع والذي حلّ محلّ الوزير السلجوقيّ الذي استمدّ شرعيته من الخليفة العبّاسيّ بحلّته الجديدة "أبو بكر البغداديّ" فصار كسرُ شوكته أمراً صعباً.
إنّ ما يحصل في تركيّة من عمليّة انقلابيّة سواء مدبّرة من أردوغان أو من غولان أو من غيره لا تحصل في العالم إلّا في تركية، وهذه العقليّة التي تمتّ إلى القرن العشرين في الشرق الأوسط يوضحّ مدى ضحالة هذه الدولة المفكّكة التي ظلّت تبرهن من خلال هذه الانقلابات مدى الاستمرار في لعب دور الرجل المريض، الذي يحاول أن يبرهن أنّه ندّ لأوربا من خلال الضغط عليها في مسألة اللاجئين، بل وصل الأمر بهذه الدولة المنهارة على تحدّ روسيا وأميركا والعالم بأسره، ومن هنا تكمن الذهنيّة العثمانيّة المتعاليّة لدى هذا الكيان الغريب عن الشرق الأوسط.
فسواء إن ربح أردوغان هذه الجولة أو ربح الجيش فإن شوكة هذه الإمبراطوريّة قد ضعفت، وما عادت تستطيع هذه الدولة أن تقف على قدميها، وللأسف فكلّما زادت المشاكل كان الحلّ هو الهجوم على الكرد، لتفريغ هذا الانتكاس في حرب خاسرة ضدّ الكرد وكأنّها هزمت الكون لا محالة، ومن هذه العقلية الانهزاميّة نستشف مدى ضحالة الحضارة في الذهنيّة التركيّة الدولتيّة الغريبة.
وإن ربح أردوغان هذه المعركة فإنّ شوكة أردوغان قد اهتزّت وسيكون المقابل هو تدمير لبنية الجيش؛ العماد الأول للوجود التركيّ، وهزيمة للديمقراطيّة. لكنّه بالمقابل سيعتدّ بنفسه إذْ أنّه خرج منتصراً في هذه الحرب الأهليّة، ولا حلّ إلّا أن يضع أتباعه الإسلامويين في هذا الجيش وبالتالي خسارة للعلمانيّة، وصعود للأصوليّة في حرب مدمّرة لتركيا قبل غيرها، وإن ربح الجيش المعركة فإنّه يحتاج إلى أعوام ليرقّع كل شيء ويعيد التوازن إلى الدولة التركيّة، وفي هذه الحالة ستضعف الدولة فترة طويلة وبالتالي ستقوى الديمقراطيّة المجتمعيّة التي تنبع من باكور كردستان (جنوب غرب تركيا) ويستعيد المجتمع عافيته.
لكنّ خسارة أردوغان تعني أنّ الدولة التركيّة يجب أن تتغيّر تغييراً جذرياً، إذ أنّه من المحال أن تبقى الأمور دائماً على هذا المنوال بيد الجيش الذي يمتلك زمام الأمور، فمتى ما أراد هذا الجيش سيطر على كلّ المقدّرات وسيطر على كلّ شيء، وكلّ هذا الخلل يكمن في الأفق الواحد والدولة الواحدة التي لها مسار واحد ولغة واحدة، مع أنّ هذا المكوّن التركيّ لا يتجاوز نصف تركيا.
تكمن خسارة أردوغان في أنّ كلّ ما يفعله بات مفضوحاً، وإن كان محبوكاً بقوّة وبمسرحيّات مدبّرة، وفي خلال سياق السيناريو والعمليّة المدبّرة من أردوغان يخرج فيه هذا السوبرمان متعالياً لتقع الفأس عليه دون أن يشعر الناس أنّ ما يحصل مع هذا الراعي الكذّاب حقيقة وليس مسرحيّة، لكنّ في كلّ السيناريوهات يبقى الشعب هو الخاسر الوحيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ