الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


درس المعارضة التركية

إكرام يوسف

2016 / 7 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


رغم ان العبارة صارت مبتذلة من كثرة تداولها ، إلا انها صحيحة الى حد كبير؛ فتركيا "لن تعود بعد 15 يوليو مثلما كانت قبله".. وربما المنطقة كلها أيضا!! ولا شك ان محاولة الانقلاب الفاشلة ليلة السبت الماضي، تحمل في طياتها الكثير من الدروس التي يتعين على كل من الحكومات والشعوب استخلاصها.
بيد انني أرى ـ في اعتقادي المتواضع ـ أن المعارضة التركية، على اختلاف توجهاتها، كانت البطل الرئيسي الذي يتعين الاحتفاء به في هذه التجربة!! فعلى الرغم من اختلافات حادة، واتهامات للحكومة بالفساد، طالت المقربين من رئيس الجمهوية، بل وشملت ابنه بلال، ورغم سجل اردوغان الحافل بقمع المعارضين، حتى احتلت بلاده المركز الأول بين أكثر الدول سجنا للصحفيين في العالم؛ ورغم ان تيارات المعارضة المدنية، على اختلاف توجهاتها، تحلم بالتخلص من أردوغان؛ إلا أن هؤلاء المعارضين، كانوا اول من هب دفاعا عن الديمقراطية ورفضا للانقلاب العسكري! ضربت المعارضة التركية المثل في احترام الديمقراطية، والحرص على الوطن، فهم يريدون الإاحة برئيس الدولة عبر الألية الديمقراطية التي تعودوا عليها، وبإرادة شعبية وليس عبر دبابات القوات المسلحة. أدرك المعارضون أن الجيش مهمته المقدسة حماية حدود البلاد لا حكمها!! وتعلموا من دروس الانقلابات العسكرية التي حفل بها تاريخ بلادهم، أن تولي العسكريين إدارة البلاد تكون نتيجته كارثية! وان ابعاد الجيش عن السياسة فيه مصلحة الجيش ومصلحة الوطن معا.
ولا شك ان هناك مؤيدين داخل المجتمع التركي للرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية"، وإلا لما وصل للحكم وبقي فيه ثلاثة عشر عاما حتى الآن، فوفقا لأرقام أوردتها شبكة سي ان ان الأمريكية، استطاع أردوغان ان يجعل تركيا مقصداً للاستثمارات المباشرة، التي تجاوزت قيمتها مائة مليار دولار منذ العام 2003. كما قفز حجم الصادرات التركية إلى 152 مليار دولار خلال عشر سنوات، أي عشرة أضعاف قيمة الصادرات التركية قبل تولي أردوغان السلطة. وفي عهد حزب التنمية والعدالة وصلت البلاد إلى المركز السادس عشر على قائمة أقوى الاقتصادات في العالم، بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن صندوق النقد الدولي، حيث اظهرت الأرقام وصول الناتج المحلي الإجمالي إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل توليه السلطة، وارتفع معدل دخل الفرد في عهده اكثر من ثلاثة أضعاف، وشهدت البلاد اهتماما كبيرا بالتعليم والصحة. كما ان الجيش التركي ثاني اكبر جيش في حلف الناتو بعد الجيش الأمريكي.
غير أن مؤيديه وحدهم لم يكونوا قادرين على منحه الدعم الكافي داخليا، وأمام عيون العالم؛!! فكان موقف المعارضة التركية مؤثرا، حظي باحترام العالم، واتاح للرئيس التركي فرصة جديدة، لعله يغتنمها لإصلاح ما ينبغي إصلاحه، حتى يسترد شعبية أخذت في التراجع منذ فترة ليست بالقليلة! فيما يرجعه معارضوه أساسا إلى نزوعه نحو تكريس نظام ديكتاتورية الحزب الواحد والفرد الواحد، وتكميم افواه المعارضين، حتى بات من ينتقده على تويتر يعاقب بالسجن!! وفي استعراضها لحقوق الانسان التركي ذكرت منظمة العفو الدولية "واجهت وسائل الإعلام ضغوطاً غير مسبوقة من الحكومة؛ وعانت حرية التعبير على شبكة الإنترنت وفي الفضاء الإعلامي والصحفي بصورة كبيرة. واستمرت الانتهاكات للحق في حرية التجمع السلمي. كما تزايدت حالات الاستخدام المفرط للقوة من جانب الشرطة، وإساءة معاملة المعتقلين أثناء احتجازهم. وتواصل الإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان. وتعرضت استقلالية القضاء للمزيد من التجريف"!! ونقلت وسائل الاعلام صورا وقصصا عن سوء معاملة اللاجئين السوريين وتحدثت منظمة العفو الدولية عن حبس بعضهم حبسا انفراديا، مما دفع الكثيرين منهم للإلقاء بأنفسهم في جحيم الهجرة غير المشروعة، الذي ينتهي بالكثير منهم الى الموت غرقا قبل الوصول الى سواحل أوروبا!
أضف إلى ذلك، ما تثيره المعارضة من شكاوى ضد مساعي أردوغان وحزبه للتخلي عن الهوية العلمانية للبلاد وإضفاء هوية طائفية عليها، وتحول نظام الحكم الى نظام ديني. ولا تتوقف اتهامات المعارضة لنظام حزب العدالة والتنمية بالهيمنة على الفرص الاقتصادية في البلاد واحتكارها، وما يتصل بها من فساد، حتى أن حملة اعتقالات طالت في ديسمبر 2013عشرات الأشخاص، من بينهم أبناء بعض الوزراء ورجال أعمال مقربين من حكومة حزب العدالة والتنمية. وبثت مواقع على شبكة الإنترنت تسجيلات صوتية للعديد من المسئولين رفيعي المستوى، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق ـ رئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان ـ ونجله بلال!! غير أن الحكومة سرعان ما عزلت مسئولي الشرطة، الذين قادوا حملات الاعتقال، والقضاة والمدعين العامين الذين أصدروا قرارات بدء حملات الاعتقال، ونقلهم إلى أماكن أخرى!! وبعدها شرع أردوغان ووسائل إعلامه في ترويج فكرة أن ماحدث لم يكن سوى محاولة انقلاب ضد الحكومة، قام بها كيان مواز تغلغل في مفاصل الدولة بقيادة حركة الخدمة التابعة لرجل الدين فتح الله أوجلن، الصديق السابق لأردوغان، المقيم حاليا في المنفى الأمريكي، ويتهمه النظام التركي الآن، بأنه كان وراء محاولة الانقلاب الأخيرة!
ولعل أخشى ما أخشاه، أن يتغافل أردوغان عن درس التجربة، ويعمد إلى سياسات انتقامية ثأرية، بدعوى حماية الاستقرار، ويستغل غضب الاتراك من فكرة الانقلاب العسكري، في إقصاء كافة القوى المعارضة، بدلا من التعاون معها، لمعالجة الأخطاء التي ارتكبتها حكومته، على نحو يهدد الاستقرار حقا! وقد بدأت بالفعل بوادر تصرفات محمومة للإطاحة بالآلاف من الأتراك في مختلف المؤسسات، بدعوى ان أسماءهم تم العثور عليها بحوذة بعض قيادات الانقلاب: قضاة كانت قيادات الانقلاب تعتزم تعيينهم لمحاكمة اردوغان ورجاله بعد نجاح الانقلاب، أو موظفين يعتزم رجال الانقلاب الاستعانة بهم في إدارة البلاد!! وربما كان الكثير من هذه الأسماء قد اختير، بناء على تقارير او بيانات توصل اليها الانقلابيون، من دون ان يعرف أصحابها أصلا انهم مرشحون للعمل مع نظام جديد، وغالبا لم يكونوا يعلمون أصلا أن انقلابا على وشك الوقوع!
على أردوغان ان يبادر بسرعة، بفتح المجال أمام مشاركة سياسية واسعة تضم كامل الطيف السياسي في بلاده، لبحث سبل معالجة الأخطاء داخليا وخارجيا. وعليه أن يتعلم من محاولة الانقلاب ان الشعب هو السند الحقيقي، والداعم الوحيد الذي يمكن المراهنة عليه، وأن الحلفاء الأجانب تحكمهم حسابات مصالحهم، وسرعان ما يتخلصون من اقرب الحلفاء إذا ما فقد قوته داخل بلاده.. ولعله لم ينس بعد حكاما كانوا عملاء مخلصين للقوى العظمى، سرعان ما تخلت عنهم وأدارت لهم ظهر المجن، بمجرد ان لفظتهم شعوبهم وصاروا أوراقا محروقة! ولعلنا لاحظنا جميعا كيف كانت ردود فعل الدول الكبرى متحفظة، في الساعات الأولى للانقلاب، ولم يعلن أيها موقفا واضحا صريحا يدعم به موقف أردوغان الحليف، ترقبا لما تسفر عنه الأحداث!
على الحاكم ـ أي حاكم ـ أن يتخلص مما أسميه "متلازمة الغباء المصاحب للكرسي" وأن يتعلم من رؤوس الذئاب الطائرة، ويدرك أن المعارضة في أي مجتمع، صمام الأمان الحقيقي للاستقرار، وان تكميم الأفواه وقمع المعارضين، وسد قنوات الحراك السياسي، لا ينتج تمكينا ولا يدعم موقف الحاكم، وإنما يعجل بسقوطه أكثر مما يتوقع. وأن طبول المؤيدين مهما كان وقعها مريحا على أسماع الحاكم، لا تسفر إلا عن حجب أصوات الناقدين المخلصين، التي قد تكون مزعجة، لكن الخلاص الحقيقي، في الاصغاء إليها. لقد مدت المعارضة التركية يدها حفاظا على استقرار الوطن، وصار على أردوغان الاختيار، إما أن يقابل المعروف بمعروف، ويتخلى عن أحلام السلطنة والتمكين والاستئثار بالسلطة، وإما سقوطا مدويا مع أول انتخابات قادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير