الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما وراء الاستعراض العسكري في ساحة التحرير

سمير عادل

2016 / 7 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الاستعراض العسكري الذي اقيم يوم الخميس الفائت، والذي قدمته وحدات من مليشيات "الحشد الشعبي" في ساحة التحرير وسط مدينة بغداد وبأشراف رئيس الوزراء حيدر العبادي، هو محاولة لبعث عدة رسائل سياسية في آن واحد، واولها، ان "الحشد الشعبي" مليشيا رسمية وهي الذراع القمعي الجديد لكسر شوكة المخالفين السياسيين، وان لا خلاف بينها وبين رئيس الوزراء الذي اثير اللغط حول العلاقة بينهما خلال الفترة الفائتة. والرسالة الثانية والمهمة وهي رسالة تهديد لمقتدى الصدر وجماعته، الذي هدد بتنظيم تظاهرات حاشدة في ساحة التحرير ضد الحكومة حتى تحقيق مطالبه المبطنة "عدم تهميش التيار الصدري، إطلاق سراح سجنائه منذ فترة حكم المالكي، اعادة توزيع الامتيازات والنفوذ والمناصب"، والمغلفة بشعار الحرب على الفاسدين. وفي الحقيقة جاء الاستعراض العسكري هذه المرة ضربة استباقية ضد الصدر الذي تجرأت جماعته مرتين بالنيل من هيبة حكومة العبادي عندما اقتحمت المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان مرة، وفي المرة الثانية مكتب العبادي نفسه. والرسالة الثالثة هي لعموم الجماهير التي حولت ساحة التحرير منذ ٢٥ شباط ٢٠١١ الى رمز للاحتجاج ضد القوى الاسلامية، وضد فسادها وكل جرائمها، والتي رفعت الشعار الذي اغاظ حتى العبادي نفسه (باسم الدين باكونا الحرامية). واخيرا وبالاستعراض العسكري للعبادي وميليشياته الجديدة "الحشد الشعبي" يٌسدل الستار عن اخر فصول مسرحيته الهزيلة "الاصلاح والحرب على الفاسدين"، وبات كل شيء من اجل الحرب على الارهاب والقضاء على داعش، ليكون السلاح البتار في ضرب كل معارض لسياسة التقشف والاعدامات والاعتقالات والمطالبين بمحاكمة الفاسدين.
وقد استجاب الصدر لرسالة التهديد المذكورة، حيث عمل على تغير في مطالبه وشعاراته الى حد السخرية والمهزلة، واستبدل الشعارات التي رفعتها الجماهير ضد رموز الفساد بشعار اقالة المفسدين من الدرجات الخاصة والمفوضية العليا للانتخابات، كما اطره بيافطة سياسية متهالكة "عراق حرة، امريكا برة.. برة" التي ليس لها اي ربط بسياسة التقشف الحكومية وافقار العمال والموظفين، وغياب الخدمات والانفلات الامني، وسيطرة المليشيات على كل مفاصل الحياة في العراق. وقد هدد الصدر في حال لم يستجب لمطالبه الانفة الذكر، فأنه سيطالب بإقالة الرئاسات الثالثة وغيرها المعروضة في سوق المزايدة للشعارات، لذر المزيد من الرماد في عيون الذي توجهوه بطلا فارغ من المحتوى.
وبعبارة اخرى لم تكن التظاهرات التي دعي لها مقتدى الصدر أكثر من حفظ ماء الوجه، للحفاظ على مصداقيته اما انصاره، والذي حصر تظاهراته فقط في ايام الجمع ليفقد زخمها رويدا وريدا ويكمل عمله في تفريغ الاحتجاجات الجماهيرية من محتواها التي بدأت في تموز من العام الفائت.
ما يكشفه المشهد السياسي اليوم، ان الانتصار على داعش على الاقل في الفلوجة في هذه المرحلة، لم يكن بشيء بالنسبة لمقتدى الصدر ولا لجماعته، بقدر ما يشكل خطرا حياتيا على الحياة السياسية للصدر وجماعته التي بدأت تمزقها محاولات شراء ذمم قادته من قبل أنصار المالكي. فهو يدرك اي الصدر أن مخاوفه من "الحشد الشعبي" كانت في محلها، واليوم بدء الحشد يكشر عن انيابه دون تردد، وخاصة بعد المجزرة الوحشية في منطقة الكرادة على يد عصابات داعش، حيث قال بصريح العبارة رئيس عصائب اهل الحق وهو المطالبة باشراك "الحشد الشعبي" في الملف الامني. والصدر بات يعي اليوم أكثر من اي وقت مضى بأنه حتى المزايدة على محاربة الفاسدين وصلت الى نهايتها، وهو يستقل ويجر ورائه عشرات من المركبات الحديثة والمئات من افراد الحماية عندما قام بزيارة منطقة الكرادة ليزايد مع القوى الاسلامية الاخرى على كارثة منطقة الكرادة، والتي تدفع اجور عناصر تلك الحمايات والمركبات التي رافقت الصدر، من الاموال المنهوبة التي تجبيها جماعته سواء اكانوا في الحكومة او في الدرجات الخاصة او عمولات تدفع مباشرة لمقتدى الصدر لمباركته للعملية السياسية وضمان بقائه فيها.
ان الصراع على السلطة وحسمها بين أطراف التحالف الشيعي، يكاد يصل الى نهايته، وخاصة ان مرحلة ما بعد داعش اقتربت كثيرا، وان قوى الاسلام السياسي تتسابق بالقضاء على التشرذم السياسي في صفوفها باي ثمن كان، سواء بالقضاء على الصدر وجماعته او احتوائهم، او تقزيمهم او تمزيقهم، والتفرغ لتصفية الحساب مع ما يسمون أنفسهم عرب السنة والقوميين الاكراد، لتشييد عراق ولاية الفقيه، او يفضي الى عراق دويلات طائفية وقومية، او عراق ذات عراقات اثنية وعرقية تحت عنوان وخيمة الفدرالية، وستكون على جماجم جماهير العراق.
ان العراق المجهول الهوية السياسية، ومجهول الجغرافية والفاقد للدولة يسير بخطى ثقيلة وخطيرة في خضم تلاطم الصراعات السياسية، وغياب لأفق انتصار اي من الاطراف القومية والاسلامية. لكن الواضح في كل هذه الاوضاع، تشديد الفقر، وتشديد استغلال العمال والموظفين، واستمرار طواحين الفساد بالدوران، واستمرار غياب الامن والامان.
وهكذا لم يأخذ وقتا افتضاح جماعة الصدر واهدافه السياسية التي راهن عليه من زايدوا باسم الوطن والوطنية، وكذلك لم يأخذ وقت حتى تبين ان العبادي هو النسخة المعدلة للمالكي والجعفري قادة حزب الدعوة، وكذلك توضح ان افق الاحتجاجات التي بدأت منذ الصيف الماضي لم يكن افق مستقل عن التيارات السياسية الحاكمة، وتوغل بالأوهام الذي راهن بأنه يمكن فصلها عن تلك التيارات. ولذلك يجب ان نبني جبهتنا في مكان أخر وهي بين العمال والموظفين والشباب، في اماكن العمل والسكن والمعيشة والجامعات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صور أقمار اصطناعية تظهر النزوح الكبير من رفح بعد بدء الهجوم


.. الفيفا يتعهد بإجراء مشورة قانونية بشأن طلب فلسطين تجميد عضوي




.. مجلس النواب الأمريكي يبطل قرار بايدن بوقف مد إسرائيل ببعض ال


.. مصر وإسرائيل.. معضلة معبر رفح!| #الظهيرة




.. إسرائيل للعدل الدولية: رفح هي -نقطة محورية لنشاط إرهابي مستم