الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في البحث عن الأمل والسقوط في الأحضان االقاتلة

عبد المجيد حمدان

2016 / 7 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


في البحث عن الأمل والسقوط في الأحضان القاتلة
افتضاح جرائم تنظيمات الإسلام السياسي ، بث الأمل لدي ، ولدى متابعين ومثقفين ، في إحداث بعض النفور الشعبي من هذه التنظيمات. لكن ارتفاع وتيرة بعض مظاهر التدين في فلسطين مثلا ، كتزايد الإقبال على أداء العمرة ، وعلى صلاة التراويح في رمضان ، يشير لشيء آخر . والحال بدا وكأن هناك متلازمة تجمع بين اتساع دوائر افتضاح جرائم هذه التنظيمات ، وبين غلبة مظاهر التدين وما يرافقها من تدهور للنظم القيمية والأخلاقية . هذه المتلازمة أعادت طرح ظاهرة الإسلام السياسي على طاولة مفكرين ، مثقفين وسياسيين من جديد ، فالبحث في أسباب نشوء ، نمو وتمدد هذه الظاهرة ، بل واكتساحها للشارع العربي خاصة ، والإسلامي عامة .
حتى الآن لم تأت إعادة البحث بأي جديد . فقط عودة لترديد ما كان مفكرون وكتاب كثر ، غربيون وعرب ، قد سبق وعرضوه في تفسير أسباب وتطور الظاهرة . ومنها ما يوصف بانسداد أفق المستقبل أمام المواطن ، ففقدانه الأمل في حياة كريمة ، نتيجة لعقود من سيطرة نظم الفساد والاستبداد السياسي ، وتوطن البطالة ، الفقر والجهل من جهة ، وتواصل مسلسل الهزائم والخيبات من جهة أخرى . ولا ينسى هؤلاء التنويه بضعف وعجز قوى اليسار عن طرح البديل من جهة ثالثة . والنتيجة أن بحث المواطن عن الأمل والأمان قاده إلى السقوط في أحضان تنظيمات الإسلام السياسي ، من خلال القبول بأطروحاته عن أمان الآخرة ممكن التحقيق ، عبر توسيع مظاهر التدين ، بديلا لأمان الدنيا المفقود أو ضعيف احتمال الحدوث .
ورغم شيوع هذا التفسير فقد بات واضحا أنه لمس جانبا من المسألة وقدم جزءا من الإجابة ، فيما ترك الكثير من الجوانب بلا بحث وبلا إجابة . ومنها على سبيل المثال لا الحصر : 1 – تنازل أهل السنة عن مذاهبهم الأربعة لصالح المذهب الوهابي ، أشد المذاهب انغلاقا ومعاداة للعقل .
2- إدارة التجمعات العربية والإسلامية ، في البلدان الأوروبية والأمريكية المضيفة ، الظهر للأفق المفتوح ، وللأمل في حياة حرة كريمة ، والانغلاق على النفس فيما يشبه غيتوات العصور القديمة .
3 – سقوط القضية الفلسطينية ، والتي عزي إليها الكثير من أسباب الظاهرة ، إلى ذيل أجندات هذه التنظيمات السياسية ، وذيل أجندات جماهيرها الآخذة بمظاهر التدين حتى في الأرض الفلسطينية المحتلة .
4 – انجذاب جماهير النساء ، نصف الأمة الأكثر انسحاقا ، وغير المعني في أكثريته بمسائل انفتاح أو انسداد الأفق ، وغير الباحث عن الأمل ، بسبب استلاب مسؤوليته تاريخيا ، لبديل الآخرة هذا رغم أن هذا البديل لا يقدم لهن أملا أو أمانا .
عودة إلى الوراء :
هناك وصف جميل للذاكرة الشعبية بأنها ذاكرة سمكية . لكن إذا جاز أن ضغط الأحداث يحول الذاكرة الشعبية إلى ذاكرة سمكية ، فهل يجوز أن تكون ذاكرة المثقفين والمفكرين كذلك ؟ مشكلة التفسير السابق في التصاق أصحابه بالحاضر ، وخلقهم الانطباع وكأن تنظيمات الإسلام السياسي مثلها مثل الفقع – الفطر- ، الذي نبت ونضج فجأة بعد يوم ماطر . بمعنى آخر يتجاهل مثل هذا التفسير عقودا طويلة من الصراع السياسي فالعسكري ، تذوقت فيها هذه التنظيمات مرارات الفشل ، قبل الوصول لهذا النجاح الذي نراه ونعايشه .
كلنا نعرف ، وإن كان البعض منا لا يتذكر ، أن تحولا كبيرا طرأ على مسار تنظيمات الإسلام السياسي ، مع نهاية الحرب العالمية الثانية . قبلها نشأ تنظيم الإخوان الوهابيين وضرب جذورا عميقة في الأرض السعودية . وبعده جاء تنظيما عصبة مسلمي عموم الهند ، والتي شقت باكستان عن الهند الأم ، فحركة الإخوان المسلمين في مصر . ثم تتالى نشوء الجديد من هذه التنظيمات فيما بعد .
نهاية الحرب العالمية الثانية وإن دشنت مرحلة أفول الاستعمار وتتالي استقلال المستعمرات ، فإنها دشنت أيضا بداية الحرب الباردة ، وانقسام العالم إلى جبهتين عريضتين ومتصارعتين ؛ جبهة قوى التحرر والتقدم والاشتراكية ، بقيادة الاتحاد السوفييتي كما عرفت آنذاك ، وجبهة الامبريالية وقوى الاستعمار الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية . ثم وفي نهاية الخمسينات وبداية الستينات نشأت جبهة ثالثة باسم كتلة عدم الانحياز من البلدان المستقلة حديثا ، حاولت أن تنأى بشعوبها ، وأن تتجنب نتائج الصراع بين الجبهتين الكبيرتين . والسؤال الذي لم يطرح : أين كان موقع تنظيمات الإسلام السياسي ، العتيق منها والحديث ، من هذه الجبهات ؟
قبيل نهاية الحرب جاء الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت ، ليلتقي بالملك عبد العزيز آل سعود ، على ظهر المدمرة كوينسي الراسية في البحيرات المرة من قناة السويس ، وقبل توجه الرئيس إلى مؤتمر يالطا الذي كان سيجمعه برئيس الوزراء البريطاني ، وينستون تشرتشل ، والزعيم السوفييتي يوسف ستالين . وأسفر اللقاء عن تحول العربية السعودية من التحالف مع بريطانيا إلى التحالف مع أمريكا .
والسؤال: ما الذي دعا رئيس أقوى دولة في العالم ، كما أظهرتها نتائج الحرب ، إلى القدوم ، فاللقاء مع ملك بدوي ، لم يكن لبلاده أي شأن دولي بعد ؟ والجواب : لم يكن الأمر متعلقا بالبترول ، الذي كانت اتفاقيات التنقيب عنه للشركات الأمريكية حصريا ، والمكتشف منه ليس بالكمية والأهمية التي نعرفها اليوم . وإذن لماذا ؟
كانت نذر المجابهة المرتقبة بين كتلتي الرأسمالية والشيوعية ، تزداد وضوحا مع اقتراب نهاية الحرب . ولأن المجابهة الفكرية قد تكون أكثرها سخونة ، فقد توجب على أمريكا أن تسرع في البحث عن حلفاء موثوقين ومعتمدين في هذه المجابهة . ولما كانت السعودية تقوم على تحالف الأسرة الحاكمة مع الإخوان الوهابيين ، الأعداء الألداء ليس للشيوعية فقط ، وإنما لكل فكر يحمل شبهة التقدمية أو الانفتاح على العصر ، فقد تحمل روزفلت عناء القدوم ، ولقاء الملك البدوي على ظهر المدمرة الأمريكية .
دشن التحالف الوهابي - السعودي الأمريكي اندماج تنظيمات الإسلام السياسي ، قديمها وحديث النشأة منها ، في جبهة الاستعمار الجديد بالقيادة الأمريكية . والمراجع لتاريخ هذه الجبهة تدهشه حقيقة أن الالتحاق بها لم يقتصر على نظم الاستبداد والرجعية المعادية لطموحات وحريات شعوبها ، ومنها من كانت تصف نفسها بالإسلامية ، بل وحقيقة عدم شذوذ تنظيم إسلامي واحد عن هذه القاعدة . والخدمات التي قدمتها هذه التنظيمات ، وتحت شعار معاداة الشيوعية ، غنية عن البيان .
والآن هل كانت مجرد مصادفة أن الحركة الصهيونية ، في ذات الفترة، نقلت هي الأخرى تحالفها من بريطانيا إلى الولايات المتحدة ؟ لقد وقعت نكبة فلسطين بعد سنتين فقط من بدء تفعيل الدخول الوهابي السعودي في الجبهة الإمبريالية . فهل كانت صدفة هي الأخرى أن نأى الإخوان الوهابيون ، كما العربية السعودية ، بأنفسهم عن أي شأن يتعلق بالقضية الفلسطينية ؟ صحيح أن القضية ظلت حاضرة في الدعاية الإعلامية والإعلانية ، لكنها في الحقيقة غابت عن أي فعل يحتمل أن يؤدي إلى شكل ما من المواجهة مع الصهيونية وإسرائيل .
وصحيح أيضا أن القضية الفلسطينية ظلت حاضرة في الفعل الدعوي والدعائي لجناح آخر من الإخوان ، وهم إخوان مصر وفروعهم . لكن تاريخ الفعل في القضية يقول أن مشاركة الإخوان في الدفاع عن فلسطين وقف عند حدود المشاركة في كتيبة المتطوعين ، والتي دخلت مع الجيش المصري ، وخرجت معه أيضا . ومنذ ذلك اليوم اقتصر دور الإخوان على اللعب على عواطف الجماهير . وحتى بعد احتلال 67 صمت فرعهم في فلسطين 20 سنة قبل أن ينطق بكلمة ضد الاحتلال ، ولكنه في ذات الوقت وقف موقفا نشطا وعدائيا من الثورة الفلسطينية ومن منظمة التحرير . ووصل الأمر حد بحث التنسيق مع الاحتلال للمواجهة مع فصائل المنظمة ، كما اتضح من مفاوضات قيادات الإخوان مع قيادة الاحتلال ، والتي امتدت لسنوات ، في عقد الثمانينات من القرن الماضي .
أكثر من ذلك تحالف الإخوان ، والتنظيمات الإسلامية الناشئة ، ومباشرة بعد وقوع النكبة ، مع النظم العربية التي كان لها دور كبير في وقوعها ، والتي انتظمت في جبهة الإمبريالية . وضمن هذا التحالف ، ولأن هذه التنظيمات كانت مدركة لأهمية دورها في المواجهة مع فكر الاشتراكية والتحرر الوطني ، فقد انتبهت مبكرا لخطورة التطور الذي حدث في حقلي التربية والتعليم . فبعد انتهاء عهد الخلافة العثمانية السعيد دخل النظام المدرسي بديلا لنظام الكُتَّاب ، ودخلت الفلسفة ، علم الاجتماع ، العلوم الطبيعية والرياضيات إلى المناهج . وكان من شأن تدريسها بصورة صحيحة حدوث ثورة في العقل العربي المغيب والراكد منذ قرون عدة .
إذن ونتيجة لإدراك الإخوان ، والتنظيمات الإسلامية الناشئة ، لخطر التربية والتعليم ، وتصعيب مهام المواجهة مع الفكر الاشتراكي والتحرر الوطني ، فقد اشترطت على النظم العربية الحليفة تسليمها وزارات التربية والتعليم ، وكان لها ما أرادت . بعد ذلك عملت بجهد ومثابرة على تحييد فعل تأثير العلوم المذكورة آنفا على العقل العربي . بداية نجحت في حذف علوم الفلسفة من المناهج ، وتلتها باعتماد نهج التلقين في العلوم الطبيعية والرياضيات ، الأمر الذي حولها إلى علوم تعمل لصالح تغليب النقل على العقل . وذلك غير حشر الدين في ثنايا كل المواد المدرسية الأخرى ، وحتى في العلوم الطبيعية ذاتها .
وفي العام 67 وقع حدث بالغ الدلالة ، وإن واصل الغياب عن تحليلات المتابعين . قادة الإخوان والأعضاء ، وليس المتولي الشعراوي الموصوف بالعلامة وحده ، وقادة وأعضاء تنظيمات إسلامية أخرى ، صلوا لله ركعتي شكر على الهزيمة المذلة التي ألحقتها إسرائيل بمصر وجيشها وقائدها جمال عبد الناصر . وغاب السؤال عن الألسنة : هل كانت الصلاة مجرد تعبير عن كره الإخوان وأضرابهم لعبد الناصر ونظامه ؟ أم هل دللت ركعتا صلاة المتأسلمين على عمق تحالفهم مع الجبهة الإمبريالية ؟ وهل أشارت لموقع القضية الفلسطينية في الذهن المتأسلم ، ولنزولها بالتالي ، رغم صخب الضجيج الموجه لابتزاز عواطف الجماهير ، إلى ذيل قوائم الاهتمامات ؟ للأسف لم يحدث شيء من ذلك .
وعودة :
ونعود لعلاقات قيادة جبهة الإمبريالية مع حلفائها . ولعله من نافل القول التذكير بأشكال الدعم ، السياسي ، المالي ، العسكري ، الإعلامي ...الخ الذي قدمته أمريكا وجبهتها ، للنظم الحليفة ، وبما في ذلك إيصال من وصفت بنظم إسلامية إلى سدة الحكم في أكثر من بلد إسلامي ، كباكستان وإندونيسيا على سبيل المثال لا الحصر . نُظم غدت أكثر فسادا واستبدادا من مثيلاتها المحسوبة على العلمانية . لكن ، وفي المقابل ، ماذا عن ضرورة التذكير بتنوع وتعدد وسعة أشكال المساندة والمساعدة المقدمة للحركات والتنظيمات الإسلامية الحليفة ، لتمكينها من القيام بمهماتها في مناهضة الشيوعية ، وأفكار التحرر الوطني ؟ وعقب الطفرة النفطية تحول جانب من مهمات الدعم هذه إلى العربية السعودية وحليفاتها الخليجيات . وفي أقل من عقدين تحولت هذه التنظيمات إلى منظومة كبيرة تملك مالا بلا حساب ، وكماً هائلا من المنابر المتنوعة والفاعلة .
لم يظهر أثر هذا التحول ، بالصورة المقاربة لما نراه الآن ، في فترة انتعاش حركة التحرر العالمية . فلو أخذنا فترة قيادة جمال عبد الناصر لحركة التحرر العربية كمثال ، لرأينا كيف أن هذه الحركة كانت تملك من منابر الفكر ، الإعلام والإعلان ، ما ظل يتفوق على مثيلتها الإسلاموية ، الأمر الذي لم يجعل مهمة الأخيرة ليس شديدة الصعوبة فقط ، بل وأقرب إلى الفشل الذي ظهر في صورة محاصرتها شعبيا . لكن التطورات اللاحقة قضت بقلب المعادلة السابقة ، وبغياب منابر التحرر وانفراد المنابر الإسلاموية بالشارع الشعبي كما سنرى .


خطوة فاصلة :
ففي مطلع الثمانينات استغلت أمريكا نزول السوفييت إلى المستنقع الأفغاني لتوسيع وتعزيز دور تنظيمات الإسلام السياسي الحليفة . أعطتها دفعة كبيرة ، ونقلتها نقلة كبرى ، بفتح المجال أمام العمل الجهادي وإضافته إلى نشاطاتها . ولم تقف النقلة عند حدود التحشيد ، التعبئة ، التدريب ، التسليح ، فالمساندة والدعم ، بل تعدتها إلى ذرى جديدة من الدعم المالي ، وهو مهمة السعودية والخليج بالأساس ، فالدعم السياسي ، المعنوي ، الأدبي ، الدعوي ، الإعلامي ...الخ . وجاءت النتيجة بهزيمة الاتحاد السوفييتي ، ومن ثم سقوط وتفكك جبهة الاشتراكية والتحرر الوطني . وقفزت أمريكا لاحتلال مركز القطب العالمي الأوحد . وفي غضون أقل من عقدين ، وقد غابت جبهة الاشتراكية والتحرر الوطني ، ومعها كل منابرها السياسية ، الفكرية ، الثقافية ، الإعلامية ، الدعائية ...الخ ، تحولت مجموعات الإسلام السياسي إلى منظومة عالمية هائلة القوة والتأثير ؛ تمويل غير محدود ، وما لا يحصى من المنابر فالمخاطبة المباشرة لجماهير غيب التعليم وعيها ؛ مراكز إسلامية ، جمعيات إغاثة ، معاهد ثقافية وفكرية ، جامعات ، اتحادات علماء ، كليات دعوية ، فضائيات وإذاعات ، كتب وصحف ودوريات ، منابر مئات آلاف المساجد التي تلف الكرة الأرضية بكاملها ، ومئات آلاف الأئمة المتفرغين ، وشراء ذمم علماء علوم يحورون علوم الطبيعة والطب والفلك والفضاء ..الخ لتبرير ما يصفونه بالإعجاز العلمي للقرآن والدين ....الخ الخ ، وكل ذلك في مواجهة خصم مفكك القوى ، وبات مجردا من كل شيء ، وحتى من ملكية ولو منبر واحد ، يمكن أن يوصل صوتا ذا تأثير إلى الشارع الشعبي . لا مال ، لا كتاب ، لا صحف ، لا دوريات ، لا فضائيات ، لا إذاعات .....الخ . وأكثر من ذلك تحولت منابر الاشتراكية وحركة التحرر القوية السابقة ، إلى منابر مضادة ، انضم مجهودها لمجهود المنابر الإسلاموية ، وحتى أن بعضها تفوق في نفاقه عليها . ببساطة خلا الميدان لحميدان كما يقول مثلنا الشعبي .
تطورات عاصفة :
ولما كانت أفغانستان قد شهدت ولادة وتطور المجموعات الجهادية ، فقد شهدت أيضا تضخيما هائلا لدور هذه المجموعات ، وبالتحديد لفعل العقيدة الدينية في إسقاط وتفكيك جبهة الاشتراكية والتحرر الوطني . وبات قائما في ذهن المجموعات الجهادية ، رغم سرعة وقوع صراعات فتتها ، أن من أطاح بدولة عظمى شكلت على مدار عقود أحد قطبي العالم ، قادر على تكرار ذلك مع عدو آخر مماثل . وما دام الأمر كذلك فقد آن الأوان لإقامة دولة الخلافة العظمى واستئناف مسيرة جلب شعوب العالم لحظيرة الإسلام .
وهكذا ، وكما حدث في كل مراحل التاريخ ، كان أن الانتصار على العدو المشترك أعاد ما هو غير مشترك بين أعضاء الجبهة إلى واجهة الصراع . وكما حدث مع نهاية الحرب العالمية الثانية ، تحول حليف الأمس إلى عدو اليوم . وهكذا انتقلت أمريكا والغرب عموما إلى موقع الشيطان الأكبر عند بعض التنظيمات ، محتلة المكان الذي شغله الاتحاد السوفييتي طوال سنوات الحرب الباردة .
وأخيرا نصل إلى القول : لقد وقعت أكثر من محاولة لإقامة الخلافة ؛ انطلاقا من أفغانستان ومرورا بالصومال ، الشيشان ، الجزائر ، السودان وصولا إلى العراق ، سوريا ، مالي ، نيجيريا ليبيا ، سيناء ...الخ . والنجاح الوحيد المتحقق كان إشعال حروب أهلية ، نجم عنها قتل وتشريد وخراب يستعصي على الوصف . ومن كل ذلك بدا واضحا أن هذه المنظومة ، وبالإمكانات الهائلة التي تملكها ، لم تتحول إلى جبهة واحدة ومتراصة . وعلى العكس ، وفي غضون هذه الفترة القصيرة من عمرها ، وكما حدث في كل مراحل التاريخ الإسلامي ، برزت إلى العلن الخلافات العقائدية ، فتباين المصالح ، فالانتقال للصراعات الدموية . وعلى سبيل المثال لم يُشَرْ إلى تناقض المصالح بين دعاة إقامة الخلافة ، وبين النظم الحاضنة والمساندة ، والسعودي في المقدمة . هذا النظام التي تقول كل المؤشرات أنه يطمح ، إلى جانب نظم أخرى كالباكستان ، تركيا وإيران ، إلى أن يكون هو مركز الخلافة ، تكرارا لتاريخ واحدة من الخلافتين الأموية والعباسية . يغذي الطموح السعودي هذا، ذلك النجاح المذهل بتحويل أهل السنة عن مذاهبهم الأربعة إلى المذهب الوهابي وحده . يضاف إليه نجاح آخر ، تمثل في فصل التجمعات العربية والإسلامية عن مجتمعات البلدان التي استقبلتها ، ووفرت لها فرص الأمل التي افتقدتها في بلدانها وجاءت تبحث عنها في تلك البلدان .
وأيضا لم تكتمل حتى الآن استدارة كامل المنظومة الإسلاموية الهائلة لفض التحالف فالعداء مع جبهة الإمبريالية . هناك ما زالت قطاعات كبيرة منها تواصل مسيرة التحالف مع هذه الجبهة . وحتى تلك التي توصف بعدائها الشديد ، مثل داعش ، النصرة ، بوكو حرام ، أنصار بيت المقدس ...الخ ، ما زالت تحتفظ بعلاقات مع أطراف من هذه الجبهة ، هي من يمدها بترياق الحياة حتى الآن .
أما النجاح الوحيد المؤكد لهذه المنظومة حتى الآن ، فهو استفرادها بالشارع العربي ، وصبها في أذنه سيلا هائلا من الأفكار التي لم تفعل شيئا غير سلبه آماله وأمانه في الدنيا ، وإقناعه بأنها دار عبور إلى الآخرة ، حيث الجنة وثمارها . لكن ورغم ما تبدو عليه هذه المنظومة من قوة ، ورغم ما تملكه من وسائل وإمكانيات هائلة الضخامة ، فإن العين الخبيرة لا يفوتها أن ترى ما تقوم عليه من الهشاشة . والدليل أنها ترى في صفحة فيسبوك واحدة خطرا قد يزلزل كيانها .
خاتمة :
في 2/6 / 2013 كنت قد شاركت في حوار مفتوح على الحوار المتمدن بموضوع تحت عنوان :" الإسلام السياسي ومعركة الدفاع الأخيرة " ، ختمته بالعبارة التالية : " أمامنا حقيقة ساطعة وهي أن هجمات الإسلاميين على الجبهات المتعددة ، والفظائع التي يرتكبونها باسم الدين ، تعبر عن ، وتعكس حالة من اليأس أكثر من كونها حالة تفاؤل بالنصر ، كما يبدو على السطح . هذه الهجمات والدعوات إلى الجهاد ، واستقطاب المتطوعين من أربعة أقطاب الأرض ، والاستعجال في التمكين ، تقول بصورة واضحة ليس فيها أدنى لبس ، أنها معركة الدفاع الأخيرة وقبل سقوط آخر قلاعها " . وأضيف اليوم أن هذا الجنون الذي يتلبس بعض تنظيمات الإسلام السياسي ، وما يقترفه من جرائم في مختلف ساحات العالم ، لا يقول غير شيء واحد وهو أن أوان استرداد الناس لعقلهم ، والخلاص من هذا الجنون ، قد حان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خطوة جديدة نحو إكسير الحياة؟ باحثون صينيون يكشفون عن علاج يط


.. ماذا تعني سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معب




.. حفل ميت غالا 2024.. إليكم أغرب الإطلالات على السجادة الحمراء


.. بعد إعلان حماس.. هل تنجح الضغوط في جعل حكومة نتنياهو توافق ع




.. حزب الله – إسرائيل.. جبهة مشتعلة وتطورات تصعيدية| #الظهيرة