الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسوية القضايا الخلافية وتعديل الدستور على اسس واضحة

أحمد إبريهي علي

2016 / 7 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


مراجعة دستور العراق وتعديله هو بذاته مطلبا دستوريا مؤجلا لصعوبة الاتفاق بين القوى السياسية. وتحرك المجلس النيابي هذه الأيام لتشكيل لجنة ممثلة لجميع الأحزاب والكتل من اجل التوصل إلى صيغة مقترحة للتعديل. ومن الضروري الأنتباه إلى ان هذه المهمة تأسيسية وشاملة، ومن الخطر الشديد على مستقبل العراق التعامل مع التعديل في ضوء الضغوطات التي تواه الأحزاب والفرص وتحالفات ومخاوف الظرف الحالي.
ونأمل ان يعبر الدستور الجديد عن صورة الحياة المشتركة التي يريدها العراقيون والمستقبل الذي ينشدون عن بصيرة وقناعة، وارادة بناء مجتمع وطني للعيش بسلام وتعاون باخلاص للكفاح من اجل الأرتقاء الحضاري والأزدهار الأقتصادي والأنساني. وعلى اساس التعاقد الأجتماعي الجديد يرسم الدستور بنية الدولة بعد تعيين وظائفها، ونظام الحكم، والقواعد المنظّمة للتنافس على السلطة وكيفية تشكيل هيئاتها التشريعية والتنفيذية والتنسيقية والرقابية وصلاحيات كل منها. ويؤكد الألتزام بإحترام وحماية حقوق الأنسان الأساسية والحريات المدنية، ويبين المبادئ التي تحكم تشريع القوانين، وضوابط ادارة اجهزة الدولة لمحتلف التخصصات والمستويات. ومن المنتظر ان تتخذ القوى الفاعلة في الساحة السياسية التدابير الكافية لأعادة طرح الأسس التي تقوم عليها الدولة ونظام الحياة السياسية لحوار مسؤول، والتفاوض حولها بين ممثلي المجموعات السكانية وتيارات الفكر والمصالح الأساسية لفئات المجتمع الأقتصادية والأجتماعية.
ولابد من مواجهة المسائل الكبرى المختلف عليها، والحوار طويل النفس في عمق مضامينها نحو توافق تقوم عليه دولة كفؤة وحياة سياسية مستقرة. وايضا، وكما دلت التجربة، من المهم استحضار معرفة دقيقة بكافة العمليات التي تزاولها الدولة وتنظيمها وادارتها، وصلة التشريعات الحاكمة لها بنصوص الدستور والخلل المرتبط بنقص التغطية الدستورية او غموض النصوص والتباسها.
النظام الحالي ديمقراطي نيابي، حسب نصوص الدستور، وصار توافقيا في الممارسة حيث تشترك جميع الأحزاب في السلطة التنفيذية تبعا لمقاعدها في مجلس النواب، وايضا يتطلب تشريع القوانين الحساسة موافقة جميع الكتل. واقترنت تلك التوافقية بضعف الدولة، ومحدودية قدرتها على فرض القانون، وعدم تمكن مجلس الوزراء من اتخاذ قرارات صعبة يتطلبها الخروج من المأزق، ولم تفلح الديمقراطية التوافية في استرضاء القوى الرافضة للعهد الجديد. وسوف يؤثر تقييم التجربة على التعامل مع البدائل المقترحة ومنها حكم الأغلبية والذي يصطدم بواقع الأنقسام الأثني- الديني إذ يصعب تأليف اغلبية ممثلة للجغرافية البشرية تمثيلا مقنعا، والتغلب على هذه المشكلة ينتظر جهودا حثيثة . اما النظام الرئاسي، والذي لابد من طرحه للنقاش طالما تداوله اعضاء في المجلس النيابي، فمن المستبعد تبنيه في الدستور المعدل، لنفس الأسباب التي منعت حكم الأغلبية، ما لم يجمع العراقيون على وحدة المجتمع السياسي.
والقضية الخلافية الأخرى درجة اللامركزية في الدولة العراقية، عدا كردستان، وقد تداولت الصحافة مفردات الكونفدرالية والفيدرالية إلى جانب وجود تيار سياسي عريض وله امتداد جغرافي شامل يفضل الأكتفاء باللامركزية التي قدمها قانون المحافظات الأحدث .
ومن اسباب الألتباس طرح مفاهيم الكونفدرالية والفدرالية دون تعاريف اجرائية بمنتهى الوضوح والتحديد كي يفهم الجميع على ماذا يتفقون او لماذا يختلفون. وعلى الصعيد العملي لا تعني الكونفدرالية سوى الأرتباط الشكلي بين كيانات تامة الأستقلال، وهي تقترح من بعض الأوساط العراقية وجهات اجنبية بحجة ان دولة العراق لا تمتلك مقومات الأستمرار، لعمق الأنقسام وحدّة النزاع الذي يغذيه الأستقطاب الطائفي الثنائي في المنطقة، من جهة، ولأن البيئة الأقليمية والسياسة الدولية ليست مع تشكيل دولتين بمعنى الكلمة من العراق العربي. والواقع ان العراقيين، مثل بقية البشر، بحاجة إلى دولة فعالة للعيش في كنفها، ذات سيادة ويحترم استقلالها، وتتمتع بالعضوية الأعتيادية في المجتمع الدولي، وليست شرا نتقيه وعبئا نبحث عن حيل شتى للتخلص منه. وان الحديث عن شبه الدولة او الدولة الناقصة لا يخلو من معاملة العراقيين بمضمون عنصري او فاشي ينبغي رفضه بحزم.
اما الفدرالية فغالبا ما تقترح مع لاحقة " فيدرالية مثل كردستان " ، بينما الفدرالية المتعارف عليها كما في المانيا، الولايات المتحدة الامريكية ، كندا ، البرازيل ... وغيرها تفترض سيادة الدولة الأتحادية على ارض الوطن كلها وجميع السكان، ولها العلوية على سيادة الولايات ( الأقاليم)، وكذلك تحتكر السلطة الاتحادية الجيش والسياسة الأمنية والخارجية. والفدرالية بهذا المعنى لا تختلف جوهريا ، بل في الدرجة، عن اللامركزية الممكنة في اطار قانون المحافظات الجديد. وكيف يغفل السياسيون ان علاقة كردستان بالعراق الحالي تستند إلى وجود الدولة العراقية وقوام هذا الوجود سلطتها على الأقليم العربي والاخير لو اصبح " فدراليات مثل كردستان" تكون الدولة العراقية قد اختفت.
والفدرالية كما هي في الدول آنفة الذكر تقوم على وجود اساس اقتصادي - مالي للولايات ( الأقاليم)، والدول التي اعتاد سكانها ،ومختلف مناطقها، على الريع النفطي تحتاج مدة طويلة وارادة مجتمع وكفاح لتكوين الأساس الأقتصادي الذي تقوم عليه الولايات الفدرالية. وفي هذا الأطار، ايضا، تناقش القضية الخلافية بشأن الثروة النفطية وادارة التطوير والأستخراج والتصدير ... والتصرف بالموارد. وهنا ليس من المنطقي تعويم النقاش بل من المفيد وعي العلاقات الضرورية بين النفط وما عداه ، ولا يخفى التلازم بين المركزية في ادارة الثروة النفطية وبقاء دولة السيادة الواحدة.
وعند التوافق على بقاء الديمقراطية النيابية يتعين الوقوف مليا عند صلاحيات مجلس الوزراء ورئيس الوزراء ومسؤوليتهما عن اداء الوزارات. وإلى جانب ذلك اوضحت التجربة حاجة الأستقرار إلى الجمع بين استقلال المحافظات في صلاحياتها وتراتبية السلطة في الدولة الواحدة .
ومن المقترحات المتداولة: تقليص عدد اعضاء مجلس النواب ومجالس المحافظات ويمكن تثبيت قاعدة في الدستور لهذا الغرض، وهذه تتطلب المزيد من الحوار والتوافق . كما ان النصوص التي تناولت الهيئات المستقلة في الدستور بحاجة ماسة إلى اعادة نظر، والافضل عدم النص على هيئات مستقلة بعينها في الدستور بل تخويل مجلسي الوزراء والنواب صلاحية استحداث والغاء الهيئات المستقلة.
ومن المسائل المثارة تمثيل السكان في الأنتخابات وشروط الترشيح والوحدة الأنتخابية هل هي المحافظة ام وحدات اصغر بل حتى تقسيم المحافظة إلى نطاقات جغرافية بشرية بمقعد واحد في مجلس النواب او مجلس المحافظة ، وهل من الضروري ورود ضوابط في الدستور لهذا الغرض ام تترك لقوانين الانتخابات، وتضاف إلى هذه المجموعة حصة النساء بنسبة ثابتة فهي موضع تساؤل ايضا .
لقد أكد الدستور الحالي على نبذ جميع اشكال العنصرية والفاشية والكراهيات الدينية والأجتماعية ،ولم ينعكس هذا المبدا الدستوري في الممارسات الفكرية والثقافية والسياسية.، ومن الضروري اعادة مناقشة هذه التحديات بالتفصيل لضمان التشريعات الرادعة. لأن تجريم الكراهيات والتحريض على العداوة الدينية والعنصرية في غاية الأهمية للسلم الأهلي في العراق. ويندرج في هذا السياق تجريم قتل المدنيين في السلم والحرب والتحريض على قتلهم وتبريره في كل الأحوال . وينص الدستور على حماية الديمقراطية وان تعد الدعوة للأطاحة بها من اشكال الأرهاب .
بقيت قضية كردستان، ونقترح العمل بمبدأ معروف في العالم وهو عدم التناظر، اي ان الدستور يعد لنظام سياسي للعراق ودولة عراقية واحدة مستقلة وذات سيادة، كفوءة ونزيهة وقادرة على فرض القانون، تحتكر العنف والقوات المسلحة وسياسة الامن والعلاقات الخارجية، وبعد ذلك ينظر في علاقة كردستان بهذه الدولة. بمعنى ان الدستور لا يعدل لأحتواء كردستان قهرا ، ولا تكيف الدولة العراقية بأكملها لتنسجم مع وضع كردستان الخاص. وهذه المقاربة تضمن مصالح الطرفين لأن كردستان لا يناسبها التناظر مع بقية العراق كما لا يناسب العراق وليس بإمكانه التماثل مع كردستان.
ويمكن في سياق الحوار على الدستور الجديد الأتفاق على إجرآت لتسوية الخلافات بين الاقليم والمركز بما في ذلك ترسيم الحدود، ويندرج في هذا الباب وضع الأقليات على التخوم بين الاقليم وبقية العراق وخياراتها. د. احمد ابريهي علي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تزايد اهتمام المغرب وإسبانيا بتنفيذ مشروع الربط القاري بينهم


.. انقسام داخل إسرائيل بشأن العملية العسكرية البرية في رفح




.. الجيش الإسرائيلي يصدر مزيدا من أوامر التهجير لسكان رفح


.. تصاعد وتيرة الغارات الإسرائيلية على وسط قطاع غزة




.. مشاهد لعاصفة شمسية -شديدة- ضربت الأرض لأول مرة منذ 21 عاماً