الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا... شكرا للمدرسة الغنوشية

عماد صلاح الدين

2016 / 7 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


تركيا... شكرا للمدرسة الغنوشية
عماد صلاح الدين

استطاعت القيادة التركية، برئاسة الطيب أردوغان، ومعها كل المتضامنين من أحزاب معارضة إفشال محاولة الانقلاب العسكري الأخيرة. ترجمة هذه الاستطاعة كانت الناس والجماهير في كل تركيا، ومن كل صوب وحدب فيها.

أما لماذا الناس تجاوبوا بكل هذه السرعة مع دعوة رئيسهم عبر الفيس تايم، وفي منتصف الليل أو حتى في ساعة متأخرة منه؛ ذلك لان اردوغان والمجموعة التي معه، ومنذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، عرفوا أن الإسلام ليس مسائل طقوسية ولا شعاراتية، ولا هي في مزيد الاستزادة من التسبيح والتهجد وإكثار الصلوات والدعوات وكرّ المرات في زيارة بيت الله العتيق حجا وعمرة فقط، وإجراء الماراثونيات فيها وبها إلى درجة جعلها حالات وثنية؛ يتم معها توثين الأشخاص والأحزاب والمرجعيات، وبالتالي عبادة اجتهادات ماضيوية، وإضافة ابتداعات حاضرة وربما مستقبلية، في الرؤى الصنمية وسلوكياتها العديدة، وفي غير مجال.

لقد فهموا الدين حضارة دنيوية لجميع المواطنين الأتراك قوامها التطبيق والتنفيذ العملي لمجالاتها العديدة والمتنوعة بعد سلسلة إخفاقات في الفكر والممارسة من قبل أحزاب ذات ميول إسلامية، كان أخرها حزب الرفاه بزعامة المرحوم البروفيسور نجم الدين أربكان، حين أطاح العسكر بحكومته بنصف انقلاب عام 1997، بعد ثلاثة انقلابات أخرى منذ عام 1960؛ كانت هذه الأحزاب السابقة وقيادتها تظن الدين قول الإسلام هو الحل شعائر وتجليات روحانية إلى مرتبة الكهنوت، والتخندق في مواجهة الباطل الداخلي، أو حتى أن الجماعة ولا غير هي الحل؛ فكانت النتيجة أنهم فشلوا وافشلوا الناس معهم، في مواجهة الطغيان والاستبداد، خصوصا من المؤسسة العسكرية التركية" الجيش".

الجماعة الأردوغانية، إن جاز التعبير هنا، فهمت أن الحل هو في خدمة الناس وتطوير حياتهم وقدراتهم وإمكاناتهم؛ في الصحة، التربية، التعليم، وفي الاقتصاد والاجتماع، ومجالات أخرى. لقد فهموا وهم يؤدون رسالتهم الخدمية للناس دون تمييز؛ بان هذا ابن الحزب أو ذلك ليس منه، كما تفعل لدينا الحركات الوطنية والإسلامية في فلسطين، أو حتى كما كان يفعل الإسلاميون في المشرق العربي ولم يزالوا، لقد فهموا من جديد أن مسألة التنظير للوعي والثقافة، وحتى التمثّلية العملية للأخلاق والمنظومة القيمية، ليست مسألة دعوة في المسجد أو كلمة تقال فقط، بل هي حالات عمل مستمرة وتضحيات ومثابرة وجد وإتقان وتفان لأجل كل الناس. لقد بدأت هذه المجموعة ذات البعد الثقافي والأخلاقي والممارسة العملية لمشروع الحضارة الإسلامية، ومن وقت ليس بالبعيد جدا، في خدمة الناس عن طريق الترشح لرئاسة وعضوية البلديات في أنقرة واستنبول وغيرهما. كانت أوضاع البلديات التركية مترهلة من قبل مقدم اللبنة الأولى لنموذج العدالة والتنمية من القرن الماضي، إلى درجة توصف وكأنها مؤهلة لتكون مكب نفايات؛ لا تقوى على تقديم الخدمات المطلوبة في حدها الأدنى للمواطنين الأتراك. من هنا بدأ الأردوغانيون، واخذوا يراكمون انجازات وراء انجازات، ومعها صار حب الناس لهم يتراكم يوما بعد يوم، إلى أن انتقلوا إلى المرحلة التالية؛ إلى مرحلة الحزب في الحكومة منذ عام 2002، وبالتدريج صاروا يوسعون دائرة نشاط خدمة الناس دون تمييز، لأن الوطن للجميع سواء كان ذلك في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو حتى في قطاع العدالة الجيش وعموم المؤسسة الأمنية والشرطية.

وقيادة العدالة والتنمية وهم يسيرون ويحثّون الخطى نحو الأمام، لم تكن تستحوذ عليهم سخائف الأمور وسفاسفها، من التعلق بأهداب أمور يريد البعض جعلها أس الدين وجوهره؛ طريقها الخطابة والتباري في عبادة الشعائر وليس رب الشعائر، وتكرار معزوفة الإسلام هو الحل الفضفاضة والهيولية؛ أو أن طريقها نخدم من الناس من كان في الحزب أو الحركة، كما هو جار لدينا في المشرق العربي، أو نخدم من أتقن أطلاق لحيته وحمل سواكه وقال اتبعوني اللهم إني بلّغت؛ أو أن طريقها بهذا الذي تبدو عليه علامات التدين الشكلية فزوجوه ممن يشاء، وأرسلوه ممنوحا ومبعوثا إلى أرقى الجامعات، حتى ولو كان أكاديميا أو في ذلك المجال لا يصلح أو لا يستقيم، أو فوضوه باستلام الأموال وتوزيعها؛ فانه هو القوي الأمين، ولا مانع أن يتزوج بثالثة أو رابعة، وان يكون له مصالح وعقارات، فتلك من ضرورات الدعوة ونجاح المسيرة وحتى السيرة؛ أو أن طريقها دعم الشخص لضمان زيادة عدد رؤوس المؤيدين، وليس لزيادة وعيهم وانتمائهم لدينهم وإنسانيتهم ووطنيتهم وأمتهم.. فلكم خذل هؤلاء أولئك وقت الأزمات ومحن الانقضاض على الديمقراطيات الانتخابية، و بالتالي خذلهم الناس على كثرة عدد رؤوسهم الانتخابية؛ خصوصا في فلسطين عام 2006، وفي مصر عام 2013، بل إن حزب العدالة والتنمية التركية فهم أن الأمور ليست حسن نوايا فقط، ولا هي في حسن الشكل والديباج الديني كأولوية، وإنما فهمها واقعا معاشا في الضمانة الخدمية والمدنية والمعيشية، وفي الحرية والكرامة والشرعية وعدالة التوزيع وصون الهوية وتراكم الانجازات عاما فعاما للناس؛ ليكون كل ذلك صدقيّة على المرجعية الفكرية والأخلاقية الواعية التي يتبنونها، ويعرف الجميع أنها مرجعيتهم، لكن دون التكرار الخطابي والشعاري؛ إنها الحالة العملية والليونة والقابلية للاستمرارية، وهي أيضا – هنا- محبة الخير للجميع، وليس لابن الحزب الذي صار هو القبيلة في مشرقنا العربي عموما، والى درجة التخوين والتكفير والإزاحة الاجتماعية للآخرين وامتلاك ناصية الحقيقة الدينية والوطنية.. هنا نجح حزب العدالة في الحكومة والرئاسة، وبعظيم تعداد الأصوات الانتخابية التي لم يسبق لها مثيل أو مضاه في التجارب الانتخابية التركية المعاصرة. عند المعظم من الناس في تركيا صار للشعيرة معنى؛ وهم يصلون لله الأحد، ويبتهلون في دعواتهم؛ اللهم وفق اردوغان وصحبه. صارت الشعيرة داخلة في التزام الانضباط، وليست عبئا على الأمة التركية؛ فحفظ الناس المعروف والمحبة والتفاني لأجلهم، بعد أن أصبح اقتصادهم في ظلال التجربة الأردوغانية الاقتصاد رقم ستة عشر عالميا، ووصلت نسبة النمو لعام 2015 أعلى من نسب النمو حتى في الدول الاسكندينافية من شمال أوروبا. خرجوا وهم يتدافعون بالملايين، والبعض منهم يبكي حبا ووفاء وتقديرا لمعروف لا ينسى أبدا، وآخرون بين من تمدد على الأرض أمام عجلات الدبابة وبين من اقتحم طريق الدبابة بسيارته الخاصة ليمنع تقدمها، وغيرها حالات كثيرة . كانت تلكم هي المقدمات لتراكمات مسيرة حقيقية في مشروع النهضة الحضارية الإسلامية، التي نظّر لها الراحل المفكر والمهندس الجزائري مالك بن نبي، وتلكم النهضة الحضارية الإسلامية الجوهرية التي أفنى العالم المفكر المصري عبد الوهاب المسيري حياته؛ لأجل الاهتداء إليها عقليا وفكريا وإيمانيا رحمهما الله تعالى.

إن المدرسة الحضارية الإسلامية في تركيا، كان معلمها - وعن حق وجدارة لمن لا يعلم- الأستاذ القدير راشد الغنوشي صاحب الرؤية الحضارية والثقافية الإسلامية العملية؛ لقد تعلم الأردوغانيون الكثير من هذه الرؤية؛ من خلال مؤلفاته وأطروحاته. وإذا أردنا أن نجري مقارنة بين تجربة الغنوشي وحزبه في تونس الخضراء وبين تجربة العدالة والتنمية ورائدها الطيب رجب في تركيا، لوجدنا مدى فائقية الرؤية الأخلاقية والإنسانية لراشد الغنوشي وحزبه هناك؛ في كيفية تلافي انقلاب كاد يتحقق على الثورة وانجازاتها في تونس، لولا هذه الليونة الحضارية التي اتسم بها قادة التجربة في العدالة والتنمية، على رغم سني الاستبداد هناك منذ عقود، ومنذ تولي- أقله- بن علي للحكم؛ قياسا بالدعائم المساندة والقوية المُرساة في تركيا بالنسبة للتجربة المقابلة، واني لأجد أيضا صدى هذه التجربة في الليونة والاستمرارية الحضارية الإسلامية على نفس الطريق تقريبا في المغرب العربي.

لكم نحن بحاجة كفلسطينيين وعرب؛ لأن نتعلم من دروس أخلاقية ووطنية وحضارية التجارب في تركيا وتونس وكذلك المغرب؛ الذي اختصر فيه الأخيرون طريق الثورة إلى طريق المشاركة والابتدار الفاعلي الايجابي المقتدر؛ نتعلم ذلك في حاجة التحرر الوطني وتقرير المصير في فلسطين، بحيث يكون المشهد النضالي الفلسطيني موحدا في الرؤية والميثاق والمؤسسات النضالية الوطنية الفلسطينية، ويتعلم العرب خصوصا في المشرق وإسلاميوهم في المقدمة منهم أن الوطن والأمة تجمعنا، وان الاستبداد والتشنج يورثانا مزيد انقسامات وحروبا أهلية وتسلط الخلق علينا، من كل النواحي والآفاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية