الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسرح المصري: ظاهرة تأبى أن تعي ذاتها!! (1-2) 1- -عن احصاءات المسرح المصري-

عبد الناصر حنفي

2016 / 7 / 20
الادب والفن


لا يمكن تناول الحدود العامة لاي ظاهرة في الواقع بدقة مقبولة إلا عبر مجموعة من التعيينات الامبريقية أو الاحصاءات التي "تؤطر" هذه الظاهرة وتحدد مدى إنتشارها، وحدود فاعليتها وتأثيرها، والموارد المتوفرة لها، وحجم العناصر المشاركة فيها ..الخ، أما دون ذلك فليس أمامنا سوى الابحار في ألعاب التأويلات التي قد يضارب بعضها بعضا، والآراء والتحليلات الجزئية التي قد تتفاوت قدرة كل منها على الإلمام بتبدي بعينه للظاهرة على حساب تبديات أخرى. وصحيح بالطبع أن مثل هذه التأويلات والتحليلات تؤدي دورا معرفيا شديد الأهمية ولا غني عنه، وهي أداتنا الأولى في اكتشاف واقتناص ملامح الظاهرة التي ندرسها، ولكنها مهما بلغت كفاءتها ومنهجيتها وقدرتها على العطاء، فإن الاقتصار عليها هو أشبه ما يكون بالاكتفاء بدراسة مدينة ما عبر دراسة بعض مبانيها أو شوارعها، فمهما توغلنا في مثل هذه الدراسات فلن يكون بمقدورها أن تقول لنا شيئا يمكن الاعتداد به حول السمات العامة لتلك المدينة، أو حتى ملامحها الجغرافية البسيطة.
وهذه الفكرة تسري بالطبع على ظاهرة المسرح بوجه عام، بإعتبارها في الأساس ممارسة اجتماعية تقوم على شكل خاص من أشكال التجمع الإنساني، وبالتالي فهي ليست مجرد فعالية جمالية محضة، أي أنه لا يمكننا تأطيرها كظاهرة بالعودة إلى مقولات أو تحليلات فنية أو استطيقية فحسب.
وهكذا، فإذا ما أردنا تأطير ظاهرة المسرح المصري تحديدا فنحن بحاجة إلى التفعيل المستمر لعدة احصاءات، هي:
1- عدد العروض المنتجة سنويا.
2- عدد الممارسين المشاركين في انتاج هذه العروض سنويا، مع تقدير دقيق قدر الامكان لمجمل عدد الممارسين للمسرح في مصر، سواء كانوا لا يزالوا نشطين حاليا أم انقطعوا عن هذه الممارسة لبعض الوقت.
3- عدد الاماكن التي تستخدم في تنفيذ العروض سنويا، مع تقدير لعدد الاماكن المماثلة التي يمكن استخدامها.
4- عدد ليالي العروض المنفذة سنويا.
5- عدد المشاهدين للعروض سنويا، مع مقارنتها بالسعة القصوى لأماكن تنفيذ العروض.
6- الدورة الاقتصادية للعروض المنتجة سنويا (اجمالي تكلفة الانتاج والتنفيذ، واجمالي المدخولات).
******************
ومنذ خمسة عشر عام تقريبا بدأت الكتابة على نحو متواتر في بعض نشرات مهرجانات الثقافة الجماهيرية حول هذه الاحصاءات السنوية "المجهولة" والمفتقدة، للمسرح المصري، خاصة فيما يتعلق بعدد عروضه السنوية (يمكن مراجعة أولى هذه الكتابات والتي أعيد نشرها عام 2004 بعنوان "في ظاهرة المسرح المصري" على موقع "الحوار المتمدن) محاولا لفت الأنظار إلى أنه حتى أدنى التقديرات الأولية لعدد العروض التي تقدم سنويا في مصر ستعطينا رقما هائلا يفوق ما ينتجه أي مجال فني آخر (سينما، رواية، شعر، ..إلخ)، أما عدد الممارسين أو المشتغلين في تلك العروض فيقدر سنويا بعشرات الآلاف على الأقل، ومع مراعاة ما يتميز به حقل الممارسة المسرحية من تغيير وتبدل دائم في أفراده من عرض إلى آخر، ومن سنة إلى أخرى، والذي يمكن تقديره بنسبة مئوية تقل في الوسط الاحترافي، وتتزايد بين الهواة حتى تصل إلى 50% أحيانا، بحيث أنه لو تراجعنا إلى الخلف عدة سنوات (عشرين مثلا) فسنجد أنفسنا أمام رقم يقدر بمئات الألوف ممن مارسوا المسرح في تلك الفترة. وهو ما دعاني حينها إلى وصف المسرحيين باعتبارهم "اضخم كتلة ثقافية في مصر"، فهم مثلا –طبقا لهذه التقديرات- يفوقون "عددا" ممارسي الأدب وقراءه معا، والحال نفسه بالنسبة للفنون التشكيلية، وهم أضعاف أضعاف العاملين في صناعتي السينما والفيديو.
لقد كان واضحا حينها، ولا زال أشد وضوحا الآن، أنه حال إثبات صحة تلك التقديرات فإن ظاهرة المسرح المصري يمكن أن تشهد نقلة نوعية كبيرة على مستوى الاهتمام بها والتعاطي معها على كافة الأصعدة والمستويات، وأنها ستجبر صناع القرار على إعادة النظر في الكثير من سياساتهم واستراتيجياتهم، خاصة وأن تلك الظاهرة تعاني تهميشا مؤسسيا على الرغم من أهميتها وتغلغلها بين المصريين عبر كافة التباينات الاجتماعية والطبقية والثقافية والتعليمية والجغرافية ..الخ، وهو ما لا يتناسب مع التقزيم المبالغ فيه لاقتصادياتها التي تدور في فلك اقل كثيرا مما يتوفر لإنتاج مسلسل تليفزيوني واحد متوسط التكلفة، فالملاحظ هنا أنه عبر كافة الأوعية الإنتاجية (خاصة بعد خروج الرأسمال الخاص من سوق المسرح) فإن الدورة المالية السنوية للمسرح المصري تتراوح بين 25 مليون جنيه، إلى 30 مليون جنيه في افضل التقديرات، علما بأن الجزء الأعظم من هذا الرقم يأتي من مؤسسات الدولة، وهو ما يعني أن نصيب الفرد في مصر من الخدمة المسرحية لا يتجاوز بضعة قروش كل عام!!
والمدهش هنا –إلى درجة صادمة- هو أن أقل التقديرات المتداولة لهذه الأرقام، وأكثرها افتقارا للدقة في نفس الوقت هو تلك الأرقام المعلنة من الجهات الرسمية للدولة، وبخاصة ما يصدر عن الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء، والذي يقتصر تعامله مع ظاهرة المسرح على اجترار وإعادة تدوير البيانات الصادرة عن مؤسسات مسرح الدولة، والتي لا يمثل حضورها سوى نسبة ضئيلة للغاية من مجمل ظاهرة المسرح في مصر.
وفي ذلك الوقت كنت أعتقد أن لدينا الموارد والكيانات والكوادر القادرة على إنجاز مثل هذه الإحصاءات، وأن الأمر لا يتطلب سوى شيء من لفت الأنظار وجذب الاهتمام إلى أهميتها حتى نشرع في البدء في عمل حقيقي يضعنا فوق أرض معرفية صلبة بواقع وامتدادات حضور الظاهرة المسرحية في مصر، غير أن مرور خمسة عشر عاما منذ بدء هذه الحملة قد أثبت خطأ هذه الفرضية، فقد اقتصر الأمر طوال تلك السنوات على مجرد اهتمام محدود –أغلبه عابر- من بعض الاصدقاء من الكتاب والنقاد بتقديرات عدد العروض المنتجة سنويا في مصر فقط (دون إبداء الاهتمام نفسه بالارقام الأخرى) وتقديم تحليلات وتمحيصات جعلت هذه الارقام تتضاعف أكثر من مرة، ففيما كان تقديري الأول يتوقف عند 1000 عرض سنويا (وقد كان هذا رقما مخيفا حينها) فإن توالي اكتشاف تفاصيل أكثر عن بعض البؤر الانتاجية المتوارية (مثل المسرح الكنسي، والمدرسي، ومراكز الشباب ..الخ) قد جعل التقديرات التالية تتجاوز الثلاثة آلاف ونصف عرض سنويا (راجع مثلا: مقال الصديق أحمد زيدان في العدد الأول من نشرة المهرجان القومي للمسرح - الدورة الثامنة)
وبالطبع فلا شيء فعلي قد جرى على الارض منذ حينها!، والأكثر إدهاشا أنه حتى الآن لم تصدر عن "المسرحيين" مطالبات جدية تحاول الضغط على الجهات المعنية للبدء في العمل على هذا المشروع.
إن هذا الاهتمام الغائب والمفتقد رغم تطلبه وراهنيته يضعنا بمواجهة المسرحيين أنفسهم قبل أن يضعنا في مواجهة صناع القرار السياسي والثقافي، بحيث أننا بتنا مجبرين قبل اي شيء آخر على تناول هذا الموقف المغترب للمسرحيين المصريين عن الظاهرة المسرحية التي يفترض أنها تعنيهم وتخصهم وتمثل جوهر نشاطهم الفني في الحياة، وهو ما يدفعنا للتساؤل حول "نمط الوعي المهيمن" عند هؤلاء المسرحيين في علاقتهم بتلك الظاهرة، والذي سيكون موضوع مقالنا التالي.
*نشر بالعدد الأول من النشرة الورقية للمهرجان القومي للمسرح المصري- الدورة التاسعة، 19-7-2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا