الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا: ليلة أميركية رعناء

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2016 / 7 / 20
مواضيع وابحاث سياسية




يخطر في البال سؤال، لماذا سارع وزير الخارجية الأميركية جون كيري – صديق الأسد مُحرق سوريا – على توجيه نقد مباشرللحكومة التركية، جوهره نفي ضلوع إدارته في محاولة الإنقلاب الفاشلة، التي حاولت الإطاحة بالحكومة والرئيس التركيين الشرعيين. ومن البدهي الانتقال الى الوجه الآخر من السؤال: لماذا تأخرت واشنطن في إدانة الإنقلاب ؟
تعليق كل شئ على مشجب الآخر، هي إشكالية بلا شك، ولكن إهمال روح المؤامرة أيضاً هو مشكلة، و ما بين هذه وتلك تبرز جملة من الخطوط التي تشي بأن ما حدث في تركيا، لم يكن البتة بلا أب. والواقع، ان الولايات المتحدة سرعان ما أرسلت رسالة علنية الى انقرة يحتمل تفسيرها عدّة أوجه أولاها ضرورة عدم الزج بواشنطن في أمر كهذا – حتى وإن توفرت حقائق عليه – وهو ما قال كيري أنه قد يهدد العلاقات الاستراتيجية القائمة بين البلدين، لكن واشنطن لم تتأخر في تأكيد أن استراتيجتها الأمنية والعسكرية في المنطقة تعتمد على مكانة تركيا الأطلسية، فأعلنت عن استئناف ضرباتها الجوية ضد داعش في الرقة، انطلاقا من قاعدة انجلرليك الشهيرة.
هذه الرسائل المتواترة التي تحمل شيئا ونقيضه، هي ناشئة عن قلق ما يتجاوز قلق الولايات المتحدة على الديمقراطية في العالم، أو تركيا على وجه التحديد، قلق لم يسعف الوقت بان كي مون كي يعبر عنه، لكن البيت الأبيض كان مسكوناً به إلى الدرجة التي تمكن فيها من التقاط نوايا هامسة داخل أروقة القيادات التركية العليا، التي تناقلت آراء أو معلومات أولية – ربما – أو تساؤلات حول دور أميركي محتمل في التشجيع على الإنقلاب، او إغفال أمر التحضير له، بما يشبه جواب السفيرة الأميركية غلاسبي لصدام حسين حول غزو العراق للكويت عام 1990.
هل قدرة واشنطن الاستخبارتية في التنصت، تكون على صانعي القرار الشريك التركي، بمثل هذه القوة والرهافة في كشف النوايا، ولا تستطيع التنصت على حركة القواعد العسكرية التركية، وان ترصد تحركاتها، وهي تحت سيطرتها – بشكل أو آخر- الى حدّ كبير ؟
تفسير ذلك، يمكن أن نجده في البوابات الأمنية التي أقامتها لساعات حكومة أنقرة، على الطرق المؤدية الى قاعدة أنجرليك، لكن المواقف التي أخذت تترى من الادارة الاميركية وعدد من الدول الأوربية، الملفعة بالخوف من تعرض الانقلابيين الى محاكمات غير عادلة، لا يمكن اعتباره تدخلاً في شؤون تركيا الداخلية فحسب، وإنما تجاوزاً لوسائل العنف المسلح الذي استخدمه الانقلابيون، في محاولة فرض السيطرة وإرهاب الشارع التركي، المخاوف الغربية التي أشارت الى " عنف " مارسه الشعب الأعزل في قمع العسكريين الانقلابيين المسلحين، يحمل دلالة النظرة المتعالية على الحقائق، بمكاييل مختلفة.
يتكون لدي اعتقاد يترسخ حول دور اميركي في التحضير للإنقلاب، وفي نشوء فكرته، ودعم قيامه، انطلاقاً من الدراسات التي انجزتها قبل عدة اشهر مراكز دراسات أميركية، حول الأوضاع السياسية التركية المأزومة، وخلصت فيها إلى دعوة البيت الأبيض لتبني خيارات دعم انقلاب يقوم به الجيش التركي على السلطات المنتخبة دستورياً في تركيا. ومعروف جيداً ان مراكز الدراسات لا تقوم بدور استشاري فحسب، لصناع القرار في الولايات المتحدة، وحكومات اخرى مختلفة عبر العالم، لكنها ايضاً تضع مؤشرات، وترسم ملامح متعددة الاحتمالات حول القضايا الاستراتيجية، المتصلة بالسياسات الدفاعية والأمنية والعلاقات الخارجية للولايات المتحدة، وتلقى اهتماماً كبيراً من قبل دوائر صنع القرار هناك.
حاولت الحصول على تلك الدراسات في مواقع بعض تلك المراكز، بعد أن أشار باحثون مستقلون إليها، لكنني في الواقع، عجزت عن الوصول اي دراسة متصلة بالوضع في تركيا، وهذا مؤشر على إزاحتها – او إخفائها- في هذه المرحلة كما يبدو لي على الأقل. لكن تعامل واشنطن مع الحدث يشير بوضوح، إلى انها لم تكن ضد الانقلاب، وانها كانت سوف تدعم القائمين به وهو ما يحقق لها – في الحدّ الأدنى -عودة المؤسسة العسكرية التركية الى الحضن الأميركي، بعد ان تمت استعادتها دستورياً، وعلى مراحل، خلال السنوات الخمس الأخيرة.
نقطة أخرى مثيرة، تتمحور في أن معلومات رشحت عن تحقيقات اولية مفادها، أن هدف المحاولة الانقلابية، لم يكن الاستيلاء على السلطة فحسب، وإنما إدخال البلاد في دوامة من الفوضى الكبيرة، التي تجعل من تركيا، دولة في مهبّ الريح، وهي غاية كانت تتمناها ولا تزال قوى إقليمية ودولية حيال تركيا، و ليس خافياً عن أحد ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، كان يدرك تماماً طبيعة الأوضاع الإقليمية والدولية، وتوترات الوضع الداخلي في بلاده، وهو يتطلع نحو تغييرات دستورية جديدة، وتواجه سياساته تحديات داخلية وخارجية جمّة، فبادر الى اتخاذ خطوات من شأنها تبريد مشكلات تركيا مع روسيا واسرائيل، في مسار ينفتح على قضايا استراتيجية أخرى.
صفحة جديدة في تركيا والمنطقة، لكن صفحة الانقلاب و ما خلفها، لا يمكن طيّها، وسوف تترك مفاعليها أثرها البيّن على السياسة التركية الداخلية والخارجية..قريباً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع