الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تُعرِض العروس التركية عن حبها الأول؟

مشعل يسار
كاتب وباحث ومترجم وشاعر

(M.yammine)

2016 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


لو نظرنا إلى الأحداث التركية في إطارها الأشمل لوجدنا أن الانقلاب الذي دبر هناك ضد أردوغان من المنطقي أن تكون وراءه الولايات المتحدة، ليضحي مثابة محاولة "انقلاب ملوّن" على نسق "الثورات الملونة" التي تندرج ضمن سياسة الأميركيين في السنوات الأخيرة وهي "الفوضى الخلاقة" كجزء من استراتيجية الهيمنة الكاملة على العالم.
فهناك عدة أحداث يمكن إدراجها ضمن هذه الاستراتيجية التي باتت تنفذ على أرض الواقع منذ زمن. فبعد "الربيع العربي" الأشبه سياسياً بـ"شتاء نووي" قاسٍ والترهيب الداعشي للشعوب العربية الأميركي الإخراج، هذين العنصرين من عناصر الحرب الأميركية الراميين إلى الاستيلاء على كل نفط الشرق الأوسط بما في ذلك النفط الإيراني ومحاصرة روسيا والصين اقتصاديا وجغرافياً، وبعد تغيير نظام الحكم في أوكرانيا والمجيء بأحفاد أعوان النازيين إلى السلطة هناك المعادين لروسيا بحكم المشيئة الغربية والتماشي مع استراتيجية الغرب الممول لهم، ثم عقد قمة حلف الناتو الأخيرة في مقر حلف وارصو سابقا لتأكيد السيطرة كليا على "تركة الرجل المريض" - الاتحاد السوفياتي والتركيز على "الخطر الروسي" فيها وبعدها، ولأجل المزيد من محاصرة روسيا (لم ينفعها انتقالها إلى الرأسمالية لأن هذه الأخيرة تفترض حتماً سيطرة الذئب الأعتى على باقي قطيع الذئاب!!!) بإرسال قوات إلى جمهوريات البلطيق السوفياتية سابقا وبـ"تشغيل" نظام تبيليسي وما يتيسر لاحقا من أنظمة دول نشأت على أنقاض الاتحاد السوفياتي تُجر مع نظام كييف إلى معسكر ورثة النازية من الفاشيين الجدد في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
هنا كان على روسيا التي بلغ رأسماليوها بعد ربع قرن من نهب الإرث السوفياتي سن الرشد، وهم الذين كانوا طلبوا في تسعينيات القرن الماضي في أولى سني نشأتهم مساعدة الرأسمالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة لقصم ظهر الدولة الاشتراكية السوفياتية الموحدة وإقامة دول رأسمالية فاسدة بأنظمتها وحكامها وبيروقراطياتها على أنقاضها، أن تواجه الحصار الأميركي المستجد. ولم يكن إسقاط المقاتلة الروسية وقتل قائدها من قبل الأتراك في سماء سوريا سببا يحول دون استغلال روسيا أي تناقضات وشروخ بين الأميركيين والأتراك على خلفية دعم الأُوَل للأكراد وتخوف أردوغان من أن يكون وراء الأكمة ما وراءها، أي تقسيم تركيا بعد أن أسهمت هذه في تقسيم سوريا بناء على طموحات المشروع التفتيتي الأميركي. فتعالت روسيا على الجراح (جراح السياسة سريعة الالتئام!!! وكما قال الأديب رئيف خوري ذات يوم: "الحب أقوى!") وكان الغزل الروسي التركي في الفترة الأخيرة مثيراً إذ بعد تشنجات سياسية ودعائية طالت أشهراً عاد الدفء فجأة إلى العلاقات الروسية التركية وجاء اعتذار أردوغان عن حادثة المقاتلة ودعم هذا الاعتذار لاحقا بزعم أن الانقلابيين هم من كان وراء إسقاط المقاتلة، ثم كانت عودة السياح الروس إلى "مكّتهم" المعتادة بتشجيع من السلطات، واستعداد الأتراك لإنشاء حلف "ضد الإرهاب ولأجل استقرار المنطقة" مع روسيا وإيران إلخ. هذا الغزل المستجد بات يؤكد حدوث تغير ما مهم في توجهات السياسة التركية. وحصل هذا على خلفية عدم قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي حتى ولو أضاءت "أصابيعها العشرة" وفقدها كل أمل في أن تكون أكثر من مطية للتواجه الأميركي الأوروبي مع روسيا والصين والبريكس من ورائهما.
لا بد من القول هنا إن روسيا بحاجة الآن إلى خرق للحصار المشتد أكثر فأكثر حول خناقها. وقد جاءتها الفرصة الذهبية مناسبة تاريخية. فلمَ لا تستفيد منها؟! ولذا ليس مستبعدا أن تكون هي وراء إفشال الانقلاب التركي المدعوم أميركياً ولو كان الإفشال والدعم كلاهما تمّا من تحت الطاولة. هذا علما أن تركيا مهمة جدا من الناحية الاستراتيجية لخروج روسيا من العزلة الجغرافية والعسكرية بحيث يضحي تحركها من وإلى منطقة البحر المتوسط عبر المضائق أمراً ممهَّداً مسهَّلاً. هذا ناهيك بمسائل تصدير الغاز عبر مشاريع مد الأنابيب التي كانت طرحت وأقرت سابقا ثم تعرقلت بسبب حادثة المقاتلة علما أن العقوبات لن تستمر إلى الأبد، وبتخفيف الضغط على الروس في أحداث سوريا عموما وتجميد الصراع الأرمني الأذربيجاني والتخفيف من خطر الإسلام المتطرف في المناطق الروسية الإسلامية الطابع (تاتارستان مثلا) وفي الجمهوريات الإسلامية عند الحدود الروسية الجنوبية.
ولو تبين حتى أن الأميركيين لم يكونوا يريدون إلا تخويف وتحجيم أردوغان ليظهر الأمر وكأن الروس تحركوا من ضمن السيناريو الأميركي وهذا مستبعد الآن في ظل النهوض الإمبريالي للبرجوازية الروسية وبحثها عن مكان لائق بحجمها الجديد وبتاريخ البلد الاستقلالي المجيد كدولة عظمى (الذاكرة التاريخية لها تأثيرات مادية أيضا) فإن أردوغان قد يخلط أوراقهم بالاستناد إلى الحلف الجديد الناشئ بالقوة حتى الآن (لم يتبلور بالفعل بعد) وينقلب على مخططاتهم. لا سيما أن الأيديولوجيا البرجوازية الليبرالية الأتاتوركية التي كانت في العهد السوفياتي أساسا لتواؤم تركيا مع الحلف الغربي لم تعد هنا ذات شأن حين صارت روسيا نفسها دولة برجوازية ليبرالية ويمكن لمصالح العروس التركية أن تتوافق مع مصالح العريس الروسي الجديد بعد أن رفض العريس الأوروبي الاقتران بها رسميا وإدخالها إلى بيته الزوجي كاملة الحقوق وفضل في تواطؤ مع العراب الأميركي إبقاءها في وضعية العشيقة المخصصة للمساكنة والطاعة في الخدمة وحسب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خطابات الأدلجة
ناظم سماق ( 2016 / 7 / 21 - 09:04 )
خطابات الأدلجة المكرورة باتت كالغثاء
أعداء الاشتراكية السوفياتية ثبت أخيراً أنهم كانوا داخل الاتحاد السوفياتي وليس خارجه بل داخل الحزب الشيوعي السوفييتي


2 - لنر بعينين اثنتين!!!
مشعل يسار ( 2016 / 7 / 23 - 23:27 )
أعداء الاشتراكية السوفياتية لم يكونوا فقط داخل الاتحاد السوفياتي بل ايضا خارجه وأفظع بكثير مما داخله ابتداء من التدخل الاجنبي 1919-1921 الذي استثار ودعم حربا اهلية كانت السلطة الشعبية بغنى عنها ومرورا بحرب هتلر على الاتحاد السوفياتي 1941-1945 واخيرا توجوا مؤامراتهم عليه بدعمهم الاعداء الداخليين الذين بدأوا نشطهم منذ عهد خروشوف وصولا الى عهد غورباتشوف. لن نبسط الامور ولنقل ان الاعداء الداخليين كانوا دوما ولكنهم لم يقدروا عليه لا هم ولا الاعداء الخارجيون معهم عندما كانت السلطة الاشتراكية اكثر تعافيا. وحين هزلت وانحطت بفضل حكم التحريفيين في الداخل وبتشجيع من الخارج تمكنوا من النظام الاشتراكي معاً. هكذا نكون قد رأينا الأمور بعينين اثنتين لأن عينا واحدة لا ترى الأبعاد والأحجام بل تسطّح الصورة

اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن