الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسيس القوات المسلحة يمزق الشعب ويدمر الوطن

نوري جاسم المياحي

2016 / 7 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لا ادري لماذا انتابني شعور بالاسى والحزن وربما لكوني ضابط عسكري سابق عندما شاهدت صور قادة وضباط وجنود الجيش التركي يهانون ويضربون من قبل أناس مدنين وبلا رحمة وفي الوقت نفسه الذي كان الكثير منهم مسلحا واذا أراد الدفاع عن نفسه كان باستطاعة أي واحد منهم ان يقتل العشرات ممن اعتدى عليهم من المدنين وهذا الموقف من العسكر جدير بالاحترام والتقدير لانهم تحملوا الاهانات بصبر وعقلانية وتجنبوا سفك الدماء ...
ومن المعروف كمبدأ عام ان اهم مايميز الضابط او الجندي العسكري المهني والحقيقي هي الكرامة والاباء والشهامة وعزة النفس والشجاعة والاستعداد للموت في سبيل الدفاع عن الوطن والشعب ...ومتى فقد هذه الميزات فقد فقد صفته العسكرية ...وتحول العسكري عندها الى انسان مرتزق اختار الانتساب الى الجيش او القوات المسلحة للارتزاق والراتب فقط لاغير ...
لا ادري لماذا توقفت مع نفسي لاقارن بين ما كان عليه الجيش العراقي في العهد الملكي والجيش التركي قبل الانقلاب الأخير وما لحق به من إهانة واحتقار وربما قبل ان يستلم قيادة تركيا الرئيس اردوغان وحزب العدالة التركي ...
ولكي أكون منصفا وواضحا في شرح الهدف من مقالتي هذه هو ليس تحليل سياسيا لما يجري من صراع على السلطة او الولاءات ...فانا لست مهتما ان فشل الانقلاب او نجح او فاز اردوغان او خسر ...وانما هو راي شخصي ومقارنة تاريخية لما أصاب الجيش العراقي بسبب السياسة والتسيس ...وما اتنبأ واتوقعه فيما سيحصل في المستقبل للجيش التركي على المدى القريب والبعيد وبالتاكيد سينعكس هذا حتما على امن واستقرار الدولة التركية وكما حدث للدولة العراقية وشعبها منذ 14 تموز 1958 وحتى يومنا هذا ...
أتذكر جيدا ما كان يحدث في الانتفاضات الشعبية في بغداد وفي العهد الملكي بالذات وعندما تعجز الحكومة العراقية عن حفظ الامن ومنع المظاهرات الاحتجاجية ضد الحكومة سواء في بغداد او بقية المدن كانت تنزل الجيش وتنشره في الشوارع لكي تضمن الامن وسلامة المواطنين ومؤسسات الدولة ...والسبب في ذلك هو ما يكنه الشعب من احترام وتبجيل للقوات المسلحة منطلقا من قناعة راسخة عند كل مواطن عراقي ان الجيش وجد لحماية الوطن والشعب من اعتداء او تجاوز الحكومة ...اي انه يلعب دور محايد ومتجرد من الميول والاتجاهات السياسية ...اي انه مؤسسة عسكرية صرفة ومهنية .... وعند استمرار الاحتجاجات والمظاهرات كانت الحكومة رأسا وفورا تستقيل لتاتي حكومة يرضى عنها الشعب وليس كما يحدث هذه الأيام ... الحكومة تحتقر إرادة الشعب حتى ولو تظاهر عن بكرة ابيه والادهى والامر هو ان لديها قتل المتظاهرين بدلا من الاستجابة لمطاليبهم ...
وللامانة التاريخية ان هذه التربية والاعداد لمنتسبي الجيش كان أولا للرعيل الأول من الضباط العراقيين الذين شكلوا نواة الجيش العراقي والذين تخرجوا من المعاهد العسكرية للدولة العثمانية والفضل الثاني يعود لمشورة وتدريب وتعليم الضباط البريطانين الذي ساعدو وشاركو في تنظيم وتدريب وتسليح الجيش العراقي والتعلم بالنظام السائد في بريطانيا العظمى آنذاك وبحكم كونها دولة الانتداب على العراق ...
واذكر جيدا ولمرات عديدة وفي مواقف متعددة كيف ان المواطنين المحتجين والمتظاهرين ضد الحكومة يلجأ ون الى الجيش لحمايتهم من شرطة النظام التي كانت تلاحقهم وتطارهم بالعصي والهراوات الغليظة ( التي كانت تسمى الدونكيات ) ولا ادري اصل هذه التسمية اهي إنكليزية او تركية وربما عجمية ...
واتذكر جيدا كيف كان المتظاهرون وتعبيرا عن حبهم للجيش يصعدون على الدبابات ويهوسون ...والجندي يتفرج ويضحك وربما ينسجم معهم ويأخذه الواهس وياهم ويدبج ويهوس هو أيضا ...بالمقابل نشوف الشرطي هو والبسطال ماله واللفاف على رجلة والكيتر والنص بنطرون وبيده الدونكي يركض وراء المتظاهرين وهو يضرب أقرب المتظاهرين اليه وكأنه ثور هائج ...ولكن متى ما راي الجيش ولجوء المتظاهر اليه ...تراه راسا يلزم بريك وتوقف عن الملاحقة ...هذا وصف حقيقي لما شاهدته بأم عيني ....
نعم هكذا كانت العلاقة بين الجيش والشعب علاقة حب واحترام متبادل فقد كان الجيش جيش لكل الشعب وليس جيش لحزب معين وكان مهنيا صرفا ويعاقب بأقصى العقوبات وحتى يطرد من الخدمة كل عسكري يثبت عليه التعاطي بالسياسة ...
ولكن بعد انقلاب تموز 1958 كان معظم الضباط والقادة الذين شاركوا في تنفيذ الانقلاب لم يكونوا سياسيين وانما وطنين وغاضبين على الأنظمة الحاكمة بسبب حرب فلسطين ( أي لم يكونوا منتمين الى أحزاب سياسية ) ولكن بعد نجاح الانقلاب وتسنم الضباط لمناصب سياسية واغراءاتها والصراع على السلطة ودور الصراع الدولي بين الغرب بقيادة أمريكا الرسمالية والاتحاد السوفيتي الاشتراكي والصراع المفتعل بين ما بسمى آنذاك الأنظمة التقدمية الموالية للمعسكر الشرقي والأنظمة الرجعية واغلبها الملكية والموالية للمعسكر الغربي ..
وهنا احتدم الصراع على السلطة بين الضباط الاحرار من قادة الانقلاب وانقسموا الى فريقين ...فريق بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم والذي هو قائد الانقلاب والتف حوله الضباط ذوي الميول السياسية اليسارية والشيوعية والفريق الثاني تزعمه العقيد عبد السلام عارف والتف حوله وسانده الضباط ذوي الميول القومية العربية كالبعثيين والقوميين العرب والناصريين ..
وللأمانة التاريخية ...ان الضباط الاحرار وفي مقدمتهم الزعيم عبد الكريم قاسم كان عراقيا مخلصا للعراق وأهله واعتقد أنا اليوم انه كان كمن سبقه أمثال نوري السعيد وطنيا صادقا في وطنيته ولكنه اجتهد في قراراته ولم يحسب نتائجها جيدا فكانت النتائج عكسية رغما عنهم ...ولو علموا ان اخطاءهم اساءت للعراق أكثر مما خططوا له لما أقدموا على اتخاذ تلك القرارات ...ولكن لا أحد منهم او من غيرهم يعلم الغيب ....
وكل عراقي عاش تلك الفترة يتذكر ان الزعيم كان يردد وبإلحاح بان الجيش العراقي يجب ان يبقى بعيدا عن السياسة ورفع شعارة الذي لا انساه ( الجيش فوق الميول والاتجاهات ) ولكن تجار السياسة والحزبيين وربما العملاء لم يسمعوا كلامه وانما عملوا العكس ... فقد اعتبروا أن كل من يسيطر على الجيش يسيطر على الحكم ويبربع بمباهج السلطة ...فاساؤا لأنفسهم ودمروا الجيش ومزقوا الشعب ...
اليوم عندما اكتب ارائي هذه وبعد هذا العمر (ورجلي في قبري ) كما يقول العراقيون ...وانا متأكد ان الكثير من الشيوعين والبعثيين والقومين العرب والاكراد وحتى الإسلاميين وفي مقدمتهم الاخوان المسلمين ...لن يرضوا على كلامي منطلقين من القول المأثور ( كل حزب بما لديهم فرحون ) وبما انني الان لست حزبيا ولا اجامل أحدا منهم فالكل لا يصرف لهم حديثي ( وأيضا كما يقول صاحب المثل ) ...فلا احد منهم يقبل ان يعترف ويقول عنبي حامض ...
وهكذا بدأت نكبة العراق من لحظة نجاح انقلاب 58 وابادة الغائلة المالكة وبعدها أي منذ ان حاول الحزب الشيوعي العراقي تجيير النظام الجديد لصالحه مستغلا تشكيل محكمة الثورة لمحاكمة رموز العهد الملكي ( البائد ) كما كانوا يحلو لهم تسميته ...وكانت المحكمة برئاسة ابن خالة الزعيم عبد الكريم وهو العقيد فاضل المهداوي وسخر هذا الرجل المحكمة وبمرور الوقت الى منبر اعلامي للحزب الشيوعي وأستفزازي وضد القوميين العرب ولاسيما الرئيس جمال عبد الناصر ...وكان هو والمدعي العام للمحكمة العقيد ماجد محمد امين احدهم يرفع والثاني يكبس وجوقة الحضور تنشد ...وتحولت المحكمة الى مهرجان خطابي لكل من هب ودب من الشعراء والاهازيج الشعبية والمصيبة كانت تنقل احداثها على الهواء مباشرة ...وتحولت الى منبر لأقذع السباب والشتائم بين بغداد من جهة والقاهرة ودمشق من جهة ثانية ...
والمصيبة الثانية التي اصابت العراقيين هي تزامن وتجدد النزاع والصراع بين زعامة عبد الناصر في مصر وعبد الكريم قاسم بالعراق بعد ان هدأ لفترة وجيزة باختفاء نوري السعيد من المسرح العراقي ولقد لعبت إذاعة صوت العرب ومذيعها (فلتة زمانه الفريد في طول لسانه وقذارة توصيفاته وسبابه وشتائمه ) الى معركة كلامية كانت تنعكس غضب واحتجاج وحقد على الشارع العراقي وتنعكس على القومين العرب والبعثيين ...
وهنا لابد لي ان ابين قناعتي على ما جرى بعد ستين سنة من الاحداث تلك ... احمل شخص فاضل عباس المهداوي وتهريجه وزبانيته مسؤولية ما أصاب الزعيم عبد الكريم قاسم وادت الى إعدامه ...واحمل إذاعة صوت العرب ومذيعها صاحب اللسان الزفر احمد سعيد وابواقه المرددة لشتائمه في بغداد ممن ركبوا الموجة الناصرية ما أصاب العراق من نكبات ......واثبتت الأيام لي وحتى يومنا هذا ...ان تجار السياسة والطامعين في السلطة ...لا مانع عندهم من تحويل أي قائد الى اله او نبي او صنم ليستغلوه لتحقيق ماربهم وطموحاتهم للسيطرة على السلطة ..سواء في العراق او مصر بل في كل الأقطار العربية ..
واذكر جيدا بعض الحوادث على سبيل المثال لا الحصر كانت مفصلية في فترة حكم عبد الكريم قاسم ...منها ارتكاب مجزرة اعدام العائلة المالكة ولاسيما الملك فيصل الثاني ...الذي كان الشعب يحبه لانه عاش يتيما واعدم شابا بجريرة غيره واطماع السياسيين ...
وكل العراقيين آنذاك كانوا يعتقدون ان الزعيم بريء من دم الملك ...ومع هذا دفع الثمن بحياته ... والحدث الثاني هي محاولة انقلابية قادها عبد السلام عارف وعزل على اثرها من منصب نائب القائد العام ونائب رئيس الوزراء ...
الحادثة الثالثلة هي محاولة اغتيال الزعيم في شارع الرشيد من قبل مجموعة من شباب البعث وفشلت والتي استغلها الشيوعين لتصفية البعثيين والقوميين عموما ...
والمحاولة الرابعة هي محاولة العقيد عبد الوهاب الشواف للانقلاب على بغداد بمدينة الموصل والتي فشلت وسالت فيها دماء كثيرة ...وايضا استغلها الشيوعيون لتصفية خصومهم ...
واخر المسلسل الدموي هو اعدام 12 ضابط من الضباط الاحرار القوميين وممن شاركوا في إنجاح انقلاب 14تموز ...وفي مقدمتهم المرحومين ناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سري ورفاقهم من ضباط عرف عنهم الوطنية والإخلاص ...وكل هذا بسبب ونتيجة حتمية لتسيس القوات المسلحة ..
واليوم لا أحد يمكنه انكار ما لأجهزة المخابرات الدولية سواء كانت غربية أو الشرقية في تاجيج الفتن بين مكونات الشعب العراقي ...وزج الجيش والقوات المسلحة في اتون السياسة ...ومن عاش تلك الفترة يجد ان الزعيم فطن لهذه الظاهرة الخطيرة من خلال خطاباته المتذبذبة ...يوم يناصر الشيوعيين وفي اليوم التالي يدينهم ويندد بهم ...وبالرغم من ترديده المستمر ...الجيش فوق الميول والاتجاهات ولكنه عجز وفشل فشلا ذريعا في ابعاد الجيش عن السياسة ...
وهكذا وعندما حلت صبيحة يوم 8 شباط 1963 ونجاح الانقلاب الذي نفذه البعثيين والقوميين ...واول من دفع الثمن بحياته هو الزعيم وحاشيته أمثال فاضل المهداوي وماجد محمد امين ووصفي طاهر وعبد الكريم الجدة وغيرهم كثيرون ...وجرت تصفية كل من لديه ريحة شيوعي بالجيش ....
وهنا لابد لي ان اذكر واشير الى ظاهرة مهمة مورست في العراق لأول مرة ...في زمن سيطرة الشيوعيين بادروا الى انشاء ما يسمى بالمقاومة الشعبية وهي تشكيلات مسلحة وتابعة للحزب الشيوعي ... وهي عبارة عن مجاميع مدنية موالية او منضوية للحزب الشيوعي دربت تدريب سريع وسلحت تسليح خفيف لحماية الثورة من اعداءها ( كما ادعوا آنذاك ) ولكن في الحقيقة التي اكتشفتها ولمستها شخصيا ...عند تسليح انسان مدني فانك ترتكب خطأ فادح لانه الا يمكن السيطرة على تصرفاته ...
فكم من مريض نفسيا ومنبوذ اجتماعيا استغل لبسه الملابس العسكرية وسلاحه للاعتداء على المواطنين الفقراء والابرياء العزل ؟؟؟ واذكر جيدا في هذه المرحلة ...رفع الشيوعيين شعار (ماكو عفلقي يعيش والحبال موجودة) .. فنشروا الرعب والخوف في تلك الفترة بين الناس حتى ان البعض كان يخاف الخروج من داره ..خوفا من التعرض للضرب او المضايقة وربما للسحل ...وهنا لابد لي ان اشير الى حقيقة مرة ...ظاهرة في المجتمع العراقي قد تكون هناك مبالغة وتضخيم للأحداث ... فان قتل صدفه احدهم بحادثة دهس مثلا ...تراهم ينشرون إشاعة موت مئة بالتعذيب بالمعتقلات كمثل وهذه من العادات السيئة عند العراقيين ...وللأسف هذه ملموسة في طبيعتهم ...
اما في صبيحة يوم 8 شباط (14 رمضان) وبعد نجاح الانقلاب ... واذكر جيدا وفي اول يوم للثورة ... نزل للشارع المدنيين المسلحين والذي اطلق عليهم آنذاك تسمية الحرس القومي ومن غريب الصدف ان تحول العديد من المقاومة الشعبية ذات المنشأ الشيوعي الى الحرس القومي ذات الصبغة البعثية ... مما يؤكد ظاهرة التلون السريع عند بعض السياسيين العراق (أي عندهم جينات حرباوية من الحرباء) ..
وهكذا بدأت مرحلة جديدة من التصفيات السياسية ...فاعتقلوا كل من له صبغة شيوعية او تنطبق عليه تسمية ديمقراطي او تقدمي ( وهنا تكمن مهزلة التسميات السياسية عند العراقيين )... وفتحت أبواب جهنم ومراكز التوقيف والاعتقال والتعذيب وشملت الأخضر واليابس ...
وبعد ما يقارب من ثمانية أشهر من يوم 8 شباط ...دب الصراع بين البعثيين أنفسهم واستغلها القوميين بزعامة عبد السلام عارف وأنهى سيطرة البعثيين على السلطة وسلمها للقوميين العرب ...ولكن القدر كان بالمرصاد لعبد السلام عارف ... ففقد حياته بسقوط مروحيته واحترقت جثته ...
وهنا لابد لي ان اصف فرحة انصار الزعيم عبد الكريم قاسم لموت عبد السلام ... على اعتبار انه المسؤول عن اعدام الزعيم فقالوا ان الله انتقم منه ( صعد عبد السلام الطيارة لحم ونزل فحم ) ...ولحد يومنا هذا لا احد يعلم علم اليقين أسباب سقوط المروحية اهو مدبر او قضاء وقدر ولأسباب عطل فني ...وكعادة العراقيين كانت الاشاعات التي انتشرت آنذاك تقول انه مدبر والله اعلم ...
وبعد عبد السلام سلمت الراية الى أخيه عبد الرحمن عارف ...وهو ضابط مهني ومن المحترفين وليس لديه أي طمع برئاسة الجمهورية ولكنهم اختاروه لشغل هذا المنصب لعوامل عديده أهمها ( فقير وعلى كد أيديهم ) ولهذا عندما حل يوم 17 تموز ودخل عليه الانقلابين ...وبما ان عهده الذي استمر 4 سنوات لم يتميز بأحداث دموية ولم يؤذي احد وكان مسالم للجميع ...نجده سلم المنصب والقصر وجاه السلطة وسمح له بالرحيل الى تركيا هو وعائلته وعاش بسلام وبعيد عن مشاكل العراق السياسية ...منطلقا بأيمانه بالقول القائل ( وكفى الله المؤمنين شر القتال ) وحسنا فعل ...فقد عاش ومات والعراقيون يترحمون عليه لا لشيء سوى انه لم يؤذي أحدا ولم يسرق أموال الشعب وانما عاش براتب تقاعده ...
وفي يوم 17 تموز حدث الانقلاب على حكم عبد الرحمن عارف وازيح واعلنوا ان عبد الرزاق النايف وهو أيضا ( ضابط ) عين رئيس للوزراء ...وان إبراهيم الداود وأيضا هو ( ضابط ) عين وزيرا للدفاع ...وهم غير معروفين في ميولهم السياسية واشيع في حينها انهم عملاء للمخابرات الامريكية ...
وكان لي صديق هو المرحوم ( ملازم اول غسان إبراهيم حسين ) وكان احد الضباط القلائل الذين شاركوا بالانقلاب وسالته عن هوية الانقلاب ...فاجابني رحمه الله بكلمة واحدة ( الانقلاب بعثي ) ... فاصبح كل شيء بالنسبة لي واضح ..
وعندما حل يوم 30 تموز وظهر الرئيس احمد حسن البكر وهو أيضا (ضابط) واعلن إزاحة النايف والداود ... اصبح واضحا هوية الحزب الحاكم للعراق بغض النظر عن أسماء شخوصه والصراعات البينية التي حدثت فيما بعد وطيلة 35 سنة من حكم البعث ....
ما يهمني الان ان القوات المسلحة صبغت بصبغة البعث ...سواء بالرضا او بالغصب .. وهذه الحقيقة يعرفها القاصي قبل الداني ...وحتى أمريكا تعرفها والمجرم بريمر يعرفها ...وحتى من جاء على ظهر الدبابة الامريكية يعرفها ...الكل أصبح بعثيا بالعنوان وليس بالجوهر ...ولهذا انهار العراق وجيشه ...بسبب الولاءات السياسية والدوافع الحقيقية وليست بالضرورة ايمانا بعقيدة البعث وانما ايمان بحق الحياة امنين هم وعوائلهم في حالة خنوعهم ومجاملتهم للحزب الحاكم ...ولاسيما عندما طبق قانون يعاقب البريء بذنب المجرم وهو يعاقب كل الاقرباء وحتى الدرجة الرابعة اذا ثبت على قريبهم ارتكاب جريمة ضد نظام البعث ...فجعل من غالبية العراقيين جبناء وبامتياز ...
وكلنا نذكر شعار دائما كان يردده صدام حسين ...(العراقي بعثي وان لم ينتمي ) وهذا الولاء فرض على كل العراقيين وفي كل المجالات العسكرية والأمنية والمدنية وحتى المراجع الدينية الى درجة جعل من المواطن امعة لكل من يحكم ورحم الله عبد الرحمن البزاز رئيس وزراء بزمن عارف عندما وصف العراقيين وشخص مرضهم ( العراقي دائما يقول واني شعليه ) و( ياهو الياخذ امي اسميه عمي ) و ( الجلوس فوق التل امن ) ...
ما دفعني لاستذكار عسكرة القوات المسلحة العراقية طيلة الستين سنة الماضية هي ما سيصيب وسيحل بالجارة تركيا وشعبها المسكين وعلى ايدي أناس يكذبون على الله وعلى شعبهم وحتى على أنفسهم ونفس الجريمة سيرتكبها اردوغان بحق شعبه بحجة محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة ...ويساعده في ذلك حزبه حزب العدالة والتنمية وهو في الحقيقة واجهة سياسية حزبية لحركة الاخوان المسلمين العالمية ...
وهنا لابد لي من توضيح قناعة عندي ربما لم يلتفت اليها احد وهي قد تكون صحيحة او خاطئة والله اعلم ...ان اردوغان وحزبه لا يريدان تكرار تجربة الاخوان المسلمين الفاشلة في مصر زمن الرئيس المخلوع محمد مرسي ...ولهذا نراهم يطبقون المثل العراقي الشعبي (خليني اتغدة بيهم قبل ما يتعشون بي ) ...والا ما معنى هذه الاعتقالات وبعشرات الألوف وشملت كل مرافق الدولة العسكرية والمدنية وستطال حتى الدينية والقومية بمرور الزمن كما اظن واعتقد ...
وهل من المعقول ان يكون نص جنرالات الجيش التركي مشاركون بالانقلاب ...او نص القضاة ...او 12000 من الضباط والجنود او 15 ألف من الموظفين او ...او ... ويقال ان عدد المعتقلين تجاوزوا المئة ألف وهذا غير معقول لان المعروف عالميا وتاريخيا للانقلابات وفي كافة انحاء العالم لا يتجاوز عدد المخططين والمشاركين في الانقلابات العشرات وربما تصل للمئات والسبب هو السرية التامة الضرورية لإنجاح أي انقلاب ...
ان ما يجري في تركيا اليوم هو عملية تصفية نظام اتاتورك العلماني وإعادة دولة الخلافة الإسلامية السنية واسوة بنظام ولاية الفقيه الشيعية في ايران ..وانا اعتقد ان هذا هو جزء من خطة عالمية لشق الإسلام واضعافه ....أي حملة تصفية لكل خصوم حزب اردوغان واعداد العدة لحكم الاخوان المسلمين المطلق واحياء دولة الخلافة الإسلامية وبديلا عن خلافة تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) لقرب هزيمتها وإخراجها من العراق وسوريا وربما من ليبيا أيضا ...
هذا السرد التاريخي عبارة عن وجهة نظر شخصية وليس بحث تاريخي ومن يريد التوسع بالمعلومات فالأرشيف مليء بدراسات علمية رصينة وما كتبته هو عبارة عن تنبأ شخصي وقد يحصل وقد لا يحصل والله اعلم بالغيب ...لأنني لاحظت ان الكثير من المحللين والمعلقين اما يؤيد اردوغان او يعارضه او يقف على الحياد ...وكالعادة عند المواطنين الشرقين اصبحوا في متاهة وضياع وكالأطرش بالزفة ...والا ما معنى ان يعتقل عشرات الألوف من الاتراك وبنفس الوقت يطالب اردوغان بإعادة عقوبة الإعدام وإعادة منافسه عبدالله غولن اللاجيء السياسي في الولايات المتحدة والموالي لها ...وهل من المعقول ان تقبل وترضى وتسكت على اعتقال كل اصدقاءها في تركيا ...
اني شخصيا حاير وشايفها كما يقول العراقيون (ظلمة ودليلها الله) ...
وبالختام لابد لي ان الفت انتباه من قرأ حديثي هذا ...ان تركيا مشمولة بالتقسيم وفقا لمشروع الشرق الأوسط الجديد ..ولاتنسوا ان ايران والسعودية سيلحقان بتركيا ولكن متى وكيف ...فالعلم عند الحكومة الخفية والراسخون في العلم ...
اللهم ارحم العراق وأهله أينما حلوا او ارتحلوا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟