الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تماثيل وقصص قصيرة اخرى

عادل كامل

2016 / 7 / 21
الادب والفن





تماثيل وقصص قصيرة أخرى






[وداعا ً أيها التمرّد في مجتمع عربي لا يستحق حتى التمرّد عليه]
عبد القادر الجنابي


[1] تماثيل
قرر الأرنب ـ قبل أن يلقى حتفه ـ أن يتقدم بشكوى إلى سعادة المدير: سيدي...، ها انتم أقمتم آلاف المجسمات للجميع؛ للديناصورات، السباع، للتماسيح، للضباع، للنمور، للفهود والدببة والذئاب....، مثلما شيدتم آلاف التماثيل للعقارب والأفاعي، للثعالب والكلاب.....
وسكت. فقد وجد الهواء ثقيلا ً، ثم لم يجده، فأحس بالاختناق، متسائلا ً أهو الذي كان يتأمل التماثيل، أم هي التي كانت تحاصره، فتجمد جسده تماما ً. عندما أفاق سأل نفسه: وماذا تراه سيقول لي...؟
جمع قواه لسماع الجواب: لست أنا من قرر ذلك...
ـ اعرف ذلك، سيدي، وإلا هل تجرأت بتقديم شكوى ....، ولكن، اسأل من...؟
ـ أسأل نفسك!
ـ آ .....، وهل لدى قدرة كي اسأل نفسي هذا السؤال...؟
رفع رأسه بحذر ليتأكد من انه مازال على قيد الحياة...، حيث شاهد كبير الديناصورات يهبط من منصته الحجرية، ويتقدم باتجاه الساحة الكبرى، ومن خلفه تدب، تمشي، تقفز، تجري، تزحف، باقي الفصائل، فلم يتبق لديه سوى أن يتتبع أصداء خطاهم،، بعد أن وجد جسده قد تحول إلى غبار.

[2] سعادة
سأل الذئب الحمل قبل أن يفترسه:
ـ هل تود أن تكون سعيدا ً...؟
ـ نعم!
ـ لا تبحث عن السعادة إذا ً...!
ضحك الحمل:
ـ وهل كنت ابحث عن الشقاء، سيدي، وأنا لم أر دابة واحدة، في هذه الحديقة، أغلقت فمها وكفت عن العواء، وعن الشكوى، وعن التضرع وطلب الغفران ...!
أجاب الذئب حالا ً:
ـ لأنها جميعا ً كانت تطلب المستحيل!
ـ ولكني لم اطلب إلا راحة البال؟
ـ أخبرتك...، لا تبحث عن السؤال الذي لا إجابة عليه، واختر جوابا ً واحدا ً على ما دار ببالك، أيها الحمل، لأنه وحده لن يتكرر أبدا ً..!

[3] أحلام
حلمت الضفدعة إنها تحولت إلى تمساح كبير...، فرفعت رأسها، لترى قطيعا ً من الثيران يهم بعبور النهر، فصرخت:
ـ لا تفعلوا ...، لا تفعلوا، لا تفعلوا...، فانا لن أرحمكم!
ضحك التمساح الذي سمعها تنقنق، هامسا ً في آذنها:
ـ أما أنا...، يا عزيزتي، فلو تحولت إلى ضفدعة، لكنت أغلقت فمي، وبحثت عن مكان لا يراني فيه احد، ولا أنا أرى فيه أحدا ً أيضا ً!
ـ سيدي، غريب أمر هذه الحديقة، حتى الأحلام فيها أصبحت علينا مستحيلة.
فقال التمساح بصوت حاد:
ـ ومن منعك من التمتع بالأحلام...، ولكن من خولك التعاون مع الأعداء؟
ـ أنا لم احلم، ولم أتعاون مع العدو؟
ـ ومن حذر الثيران، قبل برهة، من العبور؟

[4] اختلاف
سأل الفأر السبع:
ـ ما الفارق بين فأر طليق...، وسبع يقبع داخل القفص؟
أجاب السبع بصوت حزين:
ـ الفأر لا يلقى حتفه إلا بسبب الحرية! والسبع لا يعيش داخل قفصه إلا ليتذوق شهد غيابها!

[5] أصول
في السيرك، سأل القرد زميله، وهما يشاهدان فتاه تقوم بالعاب بهلوانية بالغة الصعوبة، والرشاقة:
ـ اشك أن هذه الفتاه أصلها يرجع إلى أسلافنا!
فرد القرد على زميله:
ـ أصبت، حتى لو كان دارون على حق، فانا اعتقد أن أسلافنا ارتكبوا خطيئة ما أدت بهذه البنت للعب بمهارة على هذه الحبال!

[6] لا تكترث
ـ أنا لم يعد يعنيني لو ضاع المستقبل..، أو ضاع الحاضر، مثلما لم يعد يعنيني لو زوال الماضي واندثر....
ـ ما الذي يعنيك إذا ً...؟
ـ يعنيني هذا ... الصوت الذي لا يكف يردد: انك لم تكن على صواب أبدا ً.
ـ وما ـ هو ـ ذنبك؟
ـ ذنبي أني لم أكن على خطأ...!
ـ لا تكترث...، إنها مسألة وقت، كي تسمع نغمة ما أخرى تخبرك بأنك لم تكن على خطأ ولم تكن على صواب أيضا ً!

[7] اثر
نظر الغراب حديث الولادة إلى قطيع من الخراف..، وسأل جده:
ـ ما الفارق بين سقراط وهذا القطيع؟
ـ آ .....، كالفارق بيني وبينك...، أنا لن اترك صدى لوجودي بعد أن أموت...، فيما سقراط مازال صوته يذهب ابعد منا.
شرد ذهن الحفيد، ليسأل جده:
ـ يا جدي، كلما دار الحديث عن الجريمة الأولى قالوا أن جدنا هو الذي علم القاتل كيف يتستر على ضحيته...، وكأننا كنا شركاء فيها؟
صمت الجد لحظات، ثم أجاب:
ـ الم ْ أخبرك أني لن اترك بعد موتي أثرا ً يذكر...، أما أنت، فلا اعتقد انك ستقدر على فك لغز طمأنينة هذا القطيع الذي لا يكترث لموته مادامت الأرض تواصل الدوران، مثلما لا يكترث لغياب الأرض حتى لو لم يولد قط!


[8] حكمة
سأل الحفيد جده:
ـ مع إنهم يتحدثون عن سعة حكمتك...، ورؤاك العميقة...، إلا أني أراك تحرص أن تتوارى عن أنظار الجميع...، وتعيش كأنك لم تخلق..؟
ابتسم الجد:
ـ لا أريد أن أصبح مثل الشمعة...، تحاصرها الظلمات من الجهات كلها، ثم، بهدوء، تذبل وتزول!
ـ آ ....، ولكن ألا يكفي، يا جدي، انك كنت شاهدا ً؟
ـ على ماذا....، على زوالي...، أم على أبدية الظلمات؟
ـ آ...، إذا ً ما فائدة الحكمة، والرؤية، التي حصلت عليهما؟
ـ لو كنت حكيما ً حقا ً لكنت حرصت أن لا ادع فمك ينطق بهذه الكلمات!

[9] غباء
وهو ينظر إلى الذئاب حجزت داخل أقفاصها، قال الحمل لرفيقه:
ـ الآن عرفت لماذا وجدت هذه المعادن الصلبة....، فلولاها، لما صنعت هذه الأقفاص، وما كنا نجونا من المفترسات، وتمتعنا بهذه الحرية!
ـ لا ... يا حمار...، بل لأن هذه الحرية ـ التي نتمتع بها ـ هي وحدها لا تدعنا نذهب ابعد من أفواه هذه الذئاب!
ـ ولكني لست حمارا ً...، فانا، مثلك، كلانا ينحدر من أصل واحد...
ـ لو كنت كذلك، أيها الحمل الأحمق، لأغلقت فمك، وما أثرت هذه الأسئلة؟


[10] دورة
أنقذ النورس عجوزا ً رآه يغرق في ماء النهر...، وساعده بالوصل إلى الضفة.. فقال العجوز للنورس بصوت حزين:
ـ لِم َ أنقذتني؟
أجاب النورس:
ـ كنت أخشى أن يتم استدعائي بتهمة ارتكاب مثل هذه الجريمة، وتركك تموت!
لكن العجوز راح يتضرع للنورس:
ـ أرجوك...، أعدني إلى النهر...، فانا أخشى أن أعاقب بالنجاة من الموت، وأصبح متهما ً بأكثر الجرائم بشاعة.
ارتبك النورس:
ـ يا سيدي، انظر...، ماذا يفعل الخوف في قلوب الأبرياء!
فقال العجوز:
ـ ومن قال لك أنا بريء؟
ـ لو لم تكن بريئا ً...، لما طلبت الخلاص بالموت ونبذ عفن الدنيا، والخلاص منها!
تمتم العجوز مع نفسه:
ـ الآن أنا لا استطيع الدفاع عنك، ولا استطيع الدفاع عن نفسي أيضا ً... ، فأنت أنقذت هاربا ً من الدنيا، وأنا الآن أصبحت لا احتمل العودة إليها...
ـ سيدي، هذه هي ذاتها حكاية الجلاد الذي يجهد نفسه باختراع ضحيته، ولكنه لا يدعها تهرب، وتنجو، ولا يقضي عليها، وتستريح منه، أيضا ً!

[11] مسافة
ـ اهرب .. أيها الفأر..
لكن الفأر تسمر أمام القط...، فقال الأخير:
ـ طلبت منك أن تهرب... وتنجو...
ـ سيدي، وأين يمكن أن اهرب، وأنا بعد أن غادرت جحري، رأيت القطط والكلاب والضباع منتشرة في ممرات الحديقة وأزقتها...
ـ حسنا ً، سر أمامي...، بهدوء...، لأنني سأحميك، وأخلصك من الموت!
ـ وهل لدي ّ قدرة على حمل جسدي، والمشي، وأنا لا أرى إلا أنوفهم تستنشق رائحة خوفي!
ـ آه ....، لقد ذكرتني بقصة الحمار الذي طلب منه صاحبه الهرب...، والعودة إلى البرية...، فقال الحمار لصاحبه: سيدي..، لا توجد إلا خطة واحدة للطريق، فان خالفتها، وخرجت عليها، سأكف أن أكون حمارا ً!
ـ أصبت! وأنا إن نجوت، فان أفراد عشيرتي لن يتركوني أعيش بسلام! لأنني أنا نفسي، لا اقدر أن افهم كيف نجوت منك!
ـ يا ... فأر، حقا ً انك ولدت في فمي، ولم تترعرع إلا فيه، فلا تحسبن انك تستطيع أن تذهب ابعد منه!

[12] ممرات
ـ المشكلة...، انك تستخدم الأداة الوحيدة التي وجدت للتمويه...، والتستر على أكثر البشاعات فظاعة، وخسة، ودناءة...
ـ هل تطلب مني أن اصمت...، وأنا كلما حاولت معرفة نفسي أجدها تتخبط هابطة نحو المصير ذاته: الرداءة!
ـ أنا لم اطلب منك أن تصمت أبدا ً...، ولكني طلبت منك أن تكتشف الأداة غير العمياء لترى فيها...
ـ وهل هناك غير الذئاب تجري خلف النعاج، وغير الخراف تأكل العشب، وغير العشب الذي كلما تعرض للاجتثاث لا يكف عن النمو ولا يكف عن الازدهار؟
ـ ولكن هذا هو المسار المظلم من الدرب!
ـ وهل هناك مسار آخر لم أره...، أم هو المسار ذاته الذي يسمح للحي أن يخرج من الميت، ويسمح للميت أن يخرج من الحي....؛ يظهر الأشرار فتزدهر أمم النمل...، ويظهر الطغاة فتتسع قطعان المواشي...، أم ستقول لي ـ بالأداة العمياء ذاتها ـ انج بنفسك، فما ـ هو ـ شأنك بالعبيد؟ ولكني كلما أحكمت إغلاق فمي هذا وجدت الكلمات لها ممرا ً كي تخرج من متاهة الظلمات!

[13] تمويه
ـ هل تعرف ماذا دار بخلد الحمل وقد صار لقمة في جوف الأفعى...، وماذا قالت الغزال بعد أن استقرت في أمعاء التمساح...؟
ـ لا، فهما لم ينطقا بكلمة! ولكني مازالت لا اقدر على إغلاق فمي وأنا أرى النعاج ترقص وتغني مبتهجة بانتخاب الذئب الذي لم يترك لهم إلا الاحتفال بعيد النصر هذا!
ـ سيدي، سيأتي اليوم الذي ـ إن لم يكن قد أتى وذهب ولم نره ـ لا تقدر إلا أن ترحب به، وأنت لا تمتلك حتى كلمة واحدة تموه فيها على نفسك ما هو سر لغز الحياة والموت!

21/7/2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل