الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايا جدو أبو حيدر -8-

كمال عبود

2016 / 7 / 22
الادب والفن


صدى الصوت
*****

**1**
تمضي ويمضي الوقت ... تتكسّرُ الأعمارُ على صخور الزمن ... تتشظى الأفكارُ في غير اتجاه ، لكنك تعود الى الطفولة ، حيث الدروس الاولى ، حيث الألغاز المحيرة...

الوديان الصغيرة حول القرى مرتع اللعب للأولاد ، ساعات العصر وما بعدها يتقاطرون جماعات للعب ( الغميضه ) ، تعرفهم الدروب الضيقة المغبّره ، تلوّنُ سيقانهم السمراء بلون الطحين ، تعرفهم اشواكُ العليق ذات الأسنان التي تجرح ... تصبغ الطحين بلون الدم ، تعرفهم الجارة الصغيرة التي يرمونها هكذا دون سبب وعلى أيّما جهات ...

يغمض محمود عينيه ، يختبئ غازي في دغلة القصب ، بعد أن يعد محمود للمئه يفتح عينيه ويبحثُ ويبحث حتى يملَّ من رؤية رفيقه:
غازي ... غازي ...
يسمعُ الطفل صوتاً بعد صوتهِ فوراً : .. زي .. غازي
يصيح ثانية: غازي غازي
يرجع إليه صوته ولما يكمل ندائه ...

يُعيد اللعبة ، يمد أحرف الكلمات ... يعطيها قوة صوت أكبر ... يُصفُّر ... يرجع الصوت ممدود الكلمات ... يرجع بقوةٍ أكبر ... ويرجع الصفير ...

يعود غازي ، يلعب الطفلان اللعبة الجديده معاً. يُردد الصدى صوتيهما بنفس السوية التي يقولان بها ، ويضحكان:
هناك من يُردّدُ ورائهما
إنُه الصدى - اللغز- من الدروس الأولى للحياة.

**2**

يكبرُ الأطفال معاً ... تبتعدُ أكثر مسافة اللعب .. إلى البحر .. إلى شاطئ ذي حصى ... حصى لامعةٌ وكبيره ... حصى بألوانٍ مختلفة ... قوية لا تتفتت ... تنكسرُ عليها أشعة الشمس فتبرق وميضاً جميلاً...
يتعب الولدان من السباحة ، يستلقيان على الحصى الرطب ، يَقُولُ الأول: ما أجمل البحر ..!
يقول الثاني : ما أجملهُ .. أين ينتهي ..؟
يخلو الشاطئ إذ تغيب الشمس ، يهبط الليل ...
- هل نرجع ، يقول الأول.
- لا ، دعنا قليلاً ، هذا الصوت يسحرني.

لم تكن ثمة رؤية واضحة ، كان الموج في مَدُه يعذف بين الحصى لحناً شيّقا ، وفي جذره لحناً أعذب.
كتب الأول في درس الإنشاء: أجمل الموسيقى ، حفيف أوراق الشجر.
كتب الثاني: أجمل الأصوات موسيقى الموج على حصى شواطيء البحر.

علّق المدرُّس قائلاً: أحسنتما ... أن ذاك أجمل الصدى!

**3**

قالت المرأة لجارتها: ماتزالُ رنّةَ صوتهِ في أذني سوال الوقت...
إنني اسمع وقع خطواته كل ساعه وأفتحُ الباب ولا أراه!
سأل الولدُ أمه: ابن جارتنا شهيد ، كيف تسمع صوت خطاه؟
قالت الأم: إنها تسمع صدى صوته.
وكيف تسمعينه: سأل الولد.
أجابت الأم: عندما تكبر ستسمع صدى الأصوات دائماً.

**4**

لضحكتها ... صدى
لصوتها ... صدى
لبسمتها ... صدى
قال الشاب لرفيقه وأضاف: لدقات قلبها صدى يردده قلبي كل الأماسي.

**5**

قال المدرِّس لطلابه: اكتبوا موضوعاً عن الصدى ... صدى الطبيعة ... صدى الشقاء ... صدى الألم ... صدى الفرح...

كتب الجميع ... كل واحدٍ اختار حادثة وكتب عن صداها ، أمّا الطالب غازي كتب مايلي:
نحن صدى علمك أيها المدرس الطَّيِّب.
نحن صدى ثقافة الأمّهات الطيبات.
نحن صدى التربية.

**6**

للوفاء صدى!
للمحبة .. للإخلاص .. للنفس الجميلة السلسة الودودة
للعف ... للكرم ... للعطاء والتضحية ... للعفو عند المقدّرة ... للترّفع عن الصغائر...
لكل قيمةٍ نبيلةٍ صداها!

**7**

كما يكون الناس ... يكون صداهم.

**8**

بمعرفة صدى فعلنا ، نجمّلُ حياتنا
صدى وجودنا ، عنوان ثقافتنا.

*****
اللاذقية، القنجرة، 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي