الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة في سوق الطفولة

سعد محمد موسى

2016 / 7 / 22
الادب والفن


رحلة في سوق الطفولة
نص ولوحة : سعد محمد موسى

في طفولتي كانت هنالك اسئلة فضولية عادة ما تراودني اسأل بها امي البسيطة التي تحاول اقناعي باجاباتها العفوية الشعبية وانا اتسائل مثلا : من اين جاء المطر و ماهي ملامح الله .. واحيانا اتخيل هيئة الله التي تشبه الصورة الضبابية لملامح والدي الذي توفي وانا كنت بعمر السنتين.. وايضا أسأل أمي لماذا يوجد هنالك بشر فقراء واخرين اغنياء في مدينتنا!!؟؟
واسئلة اخرى كثيرة كنت الح بها لايجاد اجوبة.. وحين تصطحبني أمي معها الى سوق الصفاة في الناصرية كانت تبهجني الرحلة وانا اتعقب امي اثناء تسوقها كنت اشعر بالغبطة حين اكون في سوق الخضار والفاكهة او محلات الحلوى والمعجنات.. لكن سوق القصابين كان يرعبني وانا اشاهد الجزارين بملابسهم الملطخة بالدماء وسواطيرهم وفؤوسهم المخيفة التي يقطعوا بها جثث الابقار والاغنام فوق مقطع من جذع خشبي كبير يستخدم لتقطيع الذبائح وحين تملأ امي زبيلها السومري المصنوع من الخوص بما تحتاجه العائلة ثم تحمله فوق رأسها فتعود الى
الدار فوق الارصفة التي اعتادت اقدامها.
وفي احد المرات وانا اتعقب خطى امي وامسك باذيال عبائتها اضعت اللحاق بها وسط الزحام فبكيت ضياعها واوحشتنتي المدينة بدون امي.. ثم استوقفني مشهد الكاميرا الشمسية في سوق الناصرية وانا امسح دموعي باطراف اكمام قميصي.. وسط الزحام .. تأملت بفضول الكاميرا الغرائبية التي كانت تنتصب فوق ثلاثة اعمدة خشبية والمصور يدخل بيديه في الصندوق السحري ثم يغط برأسه في خرطوم الكاميرا السوداء لبضعة لحظات ثم يعود من غوصه داخل عجائب الكاميرا ثم يغسل المصور باصابعه التي اصطبغت بلون المحلول البني المؤكسد ورقة الفوتغراف ثم يجففها ويعلقها فوق حافة صندوق الكاميرا كي تتضح ملامح الصورة.
كان الفلاحون بازياءهم الريفية وهم يتحنطون امام عدسة الكاميرا ويقطعون الانفاس لالتقاط صور لاكمال معاملاتهم الرسمية لشهادة الجنسية او صور لمديرية التجنيد العامة. .. واتذكر ايضا هنالك عاشق كان شديد الاهتمام بهندامه وهو يضع المشط في جيب قميصه وكان شعره مدهون ولماع ينتظر دوره وهو يطلب من المصور ان يلتقط له صوة مع سيكارته على شاكلة صورة الممثل جيمس دين بغية ارسالها الى حبيبته .. وكانت هنالك ايضا عائلة تريد التقاط صورة لابنهم لاكمال الجنسية لكن الطفل كان مرعوبا ويصرخ باكيا امام الكاميرا دون جدوى من اسكاته. واتذكر وكان هنالك في الزاوية سطلاً مركوناً قرب كاتب العرائض يحتوي على صور شخصية غير ناجحة او محترقة يلقي بها المصور بعصبية .. حاولت التقاط بعضها وحشرها في جيوبي .. كانت غنيمة مفرحة جعلتني انسى ضياع امي في السوق المزدحم وانا ادس بالصور التي اضاعت ملامحها في جيوب بجامتي المقلمة ... ثم استفيق من غيبوبتي وانا اسمع صوت امي من اقاصي السوق
- يمه سعد وينك انا هنا ... لكن صدى
صوتي يتوارى مع خطى العابرين وضجة السوق دون ان تسمعه امي البعيدة..
أمي اين انت !!؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف