الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التاريخ والرؤية الاحادية

يوسف الصفار

2016 / 7 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


التاريخ والرؤية الاحادية
لسنا بصدد اعطاء دوروس عن التاريخ فهذا امر شائك يحتاج الى مجلدات وتفرغ لسنين طويلة ومراجع كثيرة وهناك مناهج كثيرة بكتابة التاريخ ابتداء من ابن خلدون الى ماركس وغيرهم وكل واحد له نظرته للتاريخ وادلته بحيث لا يمكننا الولوج فيه بقصاصة بسيطة من الورق نكتبها ونحن مسترخين وراء مكاتبنا او امام حواسبنا .
كان لي امل واحد في حياتي وانا طالب في كلية الهندسة التفرغ لقراءة قصة الحضارة بمجلداته الاثنان والعشرون و اقسامه التي تزيد على الاربعين . بعد التخرج قرأت ابن خلدون لتوافقه مع الثقافة القومية السائدة انذاك ولم اتناول كتاب قصة الحضارة الا بعد تقاعدي من الخدمة فاتيت عليه متلهفا يملئني امل في انجازه باقرب فرصة .
بدات بقراءة يول ديورنت ولم اتفرغ اليه كلياً .. تأخذني بعض الاحيان روا يات وتحاليل سياسية وكتب ادبية وفلسفية وغيرها اقرئها وحينما انتهي منها اعاود تكملة يول ديورانت فلم يتبقى لي غير اجزاء قليلية سانهيها باقرب فترة ثم اعيد قرائته من جديد اذا بقى لنا سنين من عمرنا القصير .
قد يتبادر الى ذهن القاريء ما اكتبه هوسيرة ذاتية لاعلاقة باشراك الاخرين فيها . لكن ما دفعني هو غير هذا وجدت في الاونة الاخيرة وعلى صفحات الحوار المتمدن هناك رؤية احادية بكتابة التاريخ دفعتني لهذا الاعلان الثقافي . التاريخ كما ارى لا يكتب بروح الشخصنة على طريقة ( حب واحجي واكره واحجي ) التاريخ يحمل في جنباته ازمة ضمير طافحة بالاشكالات فلو اخذنا على سبيل المثال الثورة الفرنسية وثورة اكتوبر البلشفية ورؤية جيفارا لحركة التاريخ وضرورة ما كان يسمى بالكفاح المسلح ثم مجمل الانقلابات والثورات في عالمنا العربي والتغيرات العميقة في بنية المجتمعات وتوجهاتها لرأينا ان كلمة ( لو ) في التاريخ هي خارج نطاق كل تفسيراتنا وعواطفنا .
بمناسبة مرور ثمان وخمسون سنة على ثورة او انقلاب 14 تموز طالعتنا كثير من القرائات لهذه الحركة المهمة في تاريخ العراق وما عانى منه الشعب العراقي من ويلات لاحصر لها وما أتت به السنين اللاحقة حتى وصلنا الى مدارج الهاوية الثقافية والمجتمعية .
يبدوا ان لكل انسان رؤيته وتجربته ونوازعه النفسية او الثقافية فنحن بكل الاحوال لانترجى من بقايا اجيال العائلة المالكة او المتضررين من قيام ثورة تموز ان يمنحونا بركاتهم لهذه الحركة ولا نتوقع من الدهماء الذين مثلوا بجثث الوصي ونوري السعيد ان يعطونا مبرر لفعلتهم الوحشية فهم موجودون على مر التاريخ في كل الازمان والامكنة ,كما لانتوقع من محبي عبدالكريم قاسم ان يتجاوزوا رؤيتهم للثورة وما قدمته للفقراء واقترابها من الحس الشعبي العام ويتنكروا لمعطياتها و لا نتوقع من الذين يمتلكون رؤية قومية حالمين وقتها بالوحدة العربية من المحيط الى الخليج ان يجعلوا من قائد حركة 14 تموز بطل .
ما يجري في ساحتنا الثقافية من مناكفات نجده ايضا في مصر العزيزة وموقفهم من عبد الناصر وموقفهم لاحقا من السادات وحركته التاريخية باعترافه باسرائيل . وما يراه الاخوان المسلمين من حقائق تفضيل الدين الاسلامي كحركة سياسية تمتلك الحل لكل مشاكلنا .
المصيبة في كل هذا ليس هو من يكون على حق في طرحه للامور ومن يكون على باطل .. المشكلة الان هو تشرذمنا وتشتت رؤيتنا الثقافية وتنازع رغباتنا السياسية .

في قرائتي كتاب ( الشخصية المحمدية ) قبل سنوات لم اقم بقرائته لدافع فكري معين تدفعني اليه الرغبة بايجاد ثغرات في احداث التاريخ الاسلامي او شخصية النبي محمد لاني كنت اعرف مسبقا ان شاعرنا الكبير معروف الرصافي يمتلك من الثقافة الاسلامية ما يجعله منصفا في طرحه لاكثر المواضيع التي تمس حياتنا وثقافتنا الاجتماعية حساسية خاصة ونحن ندين له كونه رجل مسلم لاغبار عليه .
معروف الرصافي ارتقى برؤيته التحليلية الى حد الموضوعية التاريخية التي طرحها بتجرد عن بعض الرغبات والنزوات الشخصية وجعلنا نحيا تلكم الايام بطريقة واقعية ابعدنا عن الغيبية والنص المقدس الذي يلهم اكثر شيوخنا من رجال الدين .. وهو وضعنا امام حقائق مجردة هي بنات تحليل عميق لتلكم الفترة الخطيرة من تاريخ البشرية ككل فكيف واجه المثقفون والمتدينون طروحاته . قسم انهالوا عليه بالشتائم واتهموه بالماسونية والصهونية لا بل بعضهم اكد لي جازما انه ليس الرصافي هو الذي كتب الشخصية المحمدية وانما الدوائر الصهونية والصقوا اسمه عليه وحذا بعض الناس وراء هذه التهمة البلهاء بحيث استنكروا قرائته وتجاهلوا حقائقه جملة وتفصيلاً وهم لايعرفون ان كل ما كتبه الرصافي هو من بنات كتب السيرة والاحاديث مستقاة من كتب التاريخ كالطبري وابن خلدون وغيرهم .
حينما نكتب التاريخ يتطلب ان نتروى قليلا فليس كل ما نأتي به من غرائب على طريقة خالف تعرف هو الحقيقة فليس من المعقول ان نجير حركات تاريخية وثورات كبيرة لصالح المخابرات الغربية هكذا بجرة قلم فلم يعد خافيا علينا بالوقت الحاضر ان الارشيف المخابراتي يفتح كل بضع عشرات السنين وان كثير من دهاليز السياسة يمكن فضحها بسهولة مما يطابق او يخالف رؤيتنا الشخصية . ان الثورات او الحركات الثورية والتغيرات الكبيرة في المجتمعات تأتي نتاج فعل تراكمي طويل لنضالات الجماهير وطموحها وهوما نسميه بالضروف الموضوعية التي تنضج من خلالها هذه الثورة او تلك اما من يقدح الزناد ليشعل سهلاً ضخما بشرارة صغيرة فيبقى هو في ذمة التاريخ ان كان ما قام به يخضع لمعطياتنا ورغباتنا ام لا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت