الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية بين جدلية المضمون والاليات

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2016 / 7 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


الديمقراطية بين جدلية المضمون والاليات
د. جاسم الصفار
22/07/2016
لست في وارد الكتابة عن الاوردوغانية كواحدة من تجليات الدكتاتورية التركية، ولا عن حزب العدالة والتنمية كفريق من الاخوان المسلمين، لا يؤمن بطبيعته بالديمقراطية والتطور الحضاري والحداثة. بل أكتب عن أولئك الذين صبوا نار غضبهم على المدنيين الديمقراطيين الذين تمنوا هزيمة اوردوغان وحزبه في احداث محاولة الانقلاب الأخيرة، بحجة ان على الديمقراطيين الحقيقيين الدفاع عن الشرعية التي افرزتها صناديق الاقتراع لا عن انقلاب يقوده الجيش متجاوزا الحق الديمقراطي في تداول السلطة.
أنا مع الشق الثاني من المحاججة التي يطلقها المدافعون عن الديمقراطية، مع أني أرى فيها دونكيشوتية متعمدة. فلم أقرأ لأي كاتب محسوب على المدنيين الديمقراطيين، أنه كتب مؤيدا للانقلاب العسكري. وكانت جل كتاباتنا تفضح الاعيب اوردوغان واستهتاره بأرواح مواطنيه من اجل اشباع رغبات العظمة والتسلط عنده، ولتمرير سياسة عقيمة على المستويات الدولي والإقليمي والمحلي على حساب الاستقرار السياسي والاجتماعي في تركيا.
والاهم هو ان النقد نفسه، جاء ليفضح فهما محنطا للديمقراطية، بتحميلها مضمونا مطلقا يتجاوز الحياة وملابسات الواقع. فوفق سياق هذا التفكير "الديمقراطي"، كان علينا تأييد هتلر وموسوليني وبينوشيت ومحمد مرسي ونتنياهو وغيرهم من رموز الاستبداد والعنصرية والتخلف في العالم، بحجة واحدة، هي انهم جاءوا عبر صناديق الاقتراع. ولكان علينا ان ننتقد بلا تحليل منطقي او رؤيا واقعية، جميع الثورات التي اسقطت شرعية الاستبداد، حتى تلك التي أتت بها صناديق الاقتراع، في العالم اجمع ودون أي تفريق.
وقبل الشروع بمناقشة جادة لمفهوم الديمقراطية، في شقه الخاص بالاقتراع العام لتداول السلطة، يجب أن نقر بأن الأسلوب ألأفضل لإدارة الدولة في عالمنا ألمعاصر هو ألديمقراطية ألقائمة على احترام الحريات العامة والشخصية، وليس حق الاقتراع ألعام سوى الجزء المكمل للحقوق والحريات العامة. وان الاستبداد والتجاوز على حق المواطنين يفرغ حق الاقتراع العام من مضمونه الديمقراطي.
وعليه فان للديمقراطية قاعدتها (الانسان- حقوقه وحرياته) والياتها (العقد الاجتماعي-الدستور والاحكام المنظمة للحياة الاجتماعية والسياسية)، والقاعدة هي الجزء المتطور من الديمقراطية، أما الاليات فتتغير بالتوافق مع تغير المضمون (القاعدة). وهذه الجدلية هي التي تفسر موقفنا من أي حدث سياسي في مدى تجاوزه على القاعدة التي تقوم عليها الديمقراطية.
ففي عالمنا ألمعاصر منذ الفترة التي أعقبت الحرب ألعالمية الأولى، لم تكن نتائج الاقتراع ألعام في أحيان كثيرة تعبيرا واعيا ومسؤولا عن إرادة الأغلبية. خاصة وان تلك الأغلبية غير المبالية والمغلوب على أمرها، لم تكن تدرك في حدود مستواها ألمعرفي السياسي آنذاك، حدود مصالحها الحقيقية، عند ممارستها لحق الاقتراع ألعام.
وغالبا ما كانت تلك الاغلبية سهلة الإذعان لآليات التطويع والتضليل المسلطة عليها من قبل القوى المتنفذة سلطويا او ماليا او تلك التي تعزف على المشاعر الوطنية او القومية او الدينية من اجل كسب أصوات الأغلبية لصالحها في الانتخابات. فتغلب المشاعر حينها على التفكير السوي، كما حصل في روسيا عند انتخاب الرئيس الارعن يلتسن للدورة الثانية تحت شعار "انتخب بوازع القلب".
في عام 1925 صوت الشعب ألإيطالي وبأغلبية كبيرة لصالح الفاشية وموسوليني، ثم تبعه الشعب الألماني في انتخابات عام 1933 ليأتمن "ديمقراطيا" على ادرة شؤون المانيا، الحزب النازي وزعيمه ادولف هتلر. في الحالتين كان هناك فزع من أخطار خارجية ونزوع شعبي لتحقيق طموحات ترفع من مكانة الدولتين على المستوى الأوربي والعالمي، رافقه بروز قادة كارزميين استفادوا من العناصر الرئيسية المؤلفة للمزاج الشعبي.
تصور بعض المهتمين بالشأن ألإسرائيلي، في سبعينات القرن الماضي، أن الناخب الاسرائيلي يصوت في الانتخابات لصالح اليمين المتطرف الإسرائيلي وفقا لحجم التهديدات ألخارجية التي تواجهها إسرائيل. على أن ألواقع يشير إلى معطيات أخرى، فشعب إسرائيل يصوت لصالح أليمين ألمتطرف، بالذات في تلك المراحل ألتاريخية التي لا يشكل فيها اعداء إسرائيل اي تهديد حقيقي للدولة ألعبرية. وأصبح التلويح بالمشروع التوسعي الصهيوني الديني الجذور، المنصة الأهم لاستحواذ اليمين الصهيوني الإسرائيلي على السلطة.
أما في الدول ألمتخلفة إقتصاديآ-إجتماعيآ وسياسيآ فقد أفضى استنساخ آليات ألديمقراطية ألرأسمالية إلى نتائج بائسة. فمنذ نهاية ألنصف الأول من القرن الماضي، نالت أغلب الدول ألأفريقية استقلالها معلنة اعتماد ألديمقراطية أساسا لنظام حكمها السياسي ألجديد وتعهدت باحترام حق الاقتراع ألعام لشعوبها، فماذا كانت النتيجة؟
تقهقرت فكرة الانتماء للوطن لصالح الانتماء ألقبلي وألديني وأصبحت الانتخابات فرصة ليجدد سكان هذه البلدان ألبائسة تمترسهم خلف القبيلة وألدين مجيرين حقهم في الاقتراع ألعام لشخصيات لا تملك غير الكاريزما. ووصل الامر الى ان بعض المرشحين لمراكز قيادية في الدولة نحروا قرابين إنسانية في فترة الانتخابات للحصول على دعم ألالهة (كما في سيراليون وألغابون، حسب تقارير شرطة هذين البلدين).
كما ان في عدد من البلدان العربية كمصر، في ظل حكم حسني مبارك، وتونس، سنوات حكم بورقيبة، واليمن، قبل الإطاحة بالرئيس علي عبدالله صالح وغيرها يجري انتخاب رأس الدولة وأعضاء مجلس النواب أو الشعب عبر الاقتراع ألعام ألذي يفوز فيه عادة ولدورات انتخابية لا حصر لها ألرئيس ألفاعل مهما بلغ من العمر عتيا وحزبه ألقائد ألميمون.
يسهل إرجاع نتائج هذه الانتخابات إلى التزوير، الذي هو قائم بالفعل، ولكنه برأي ألعديد من ألمراقبين يمس نسبة الفوز وليس الفوز ذاته. وقد أصبح خداع الناخبين وتجيير أصواتهم أصبح في لعبة ألديمقراطية والاقتراع ألعام فن وخبرة تجيدها مؤسسات متخصصة يجري استئجارها فترة الانتخابات لقاء مبالغ طائلة، كما أن خوض ألعملية الانتخابية بذاتها سواء بسيناريوهات تلك ألمؤسسات أو بدونها تتطلب أرصدة مالية هائلة للتأثير في وعي الناس وإرادتهم، لا تملكها غالبا ألشخصيات أو الأحزاب غير ألمدعومة من ألمؤسسات ألمالية.
تبعا لذلك، فان ألديمقراطية، نظام شامل يقوم على جدلية تبعية الاليات التي يتحقق فيها النظام الديمقراطي لقاعدته الأساس، وهي الاستجابة لتوق الانسان لتحقيق ذاته في مجتمع تحترم فيه الحريات العامة والخاصة، يضمن فيه حقوقه وحريته حتى وان كان خارج الأغلبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن