الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خدش الحياء المتوهم

مختار سعد شحاته

2016 / 7 / 23
الادب والفن


خدش الحياء المتوهم

مضت قرون كُنا نظن أن المسألة حُسِمت، وأن الخلاف حول قضية الفن للفن انتهي في ظل نظام عالمي فتح آفاق المعرفة على مصرعيها، وبات متاحًا ينهل منه الجميع في أرجاء المعمورة، ولكن بين حين وآخر تظهر بعض الوقفات التي تضع الجميع في اختبار حقيقي أمام اتساقه وفهمه للأمور، وهنا لا أتحدث عن قضية الأدب والفن وحدها قدر ما أتحدث عن ظاهرة يبدو أنها عادت للواجهة بعد الثورة في مصر، إذ صدر لنا الوضع افرازًا لاقترب من دور كُنا نصفه بالرقابي المقيت، فظهر من يظنون أنفسهم حماة المجتمع من السوء، وكادوا أن تنبت لهم أجنحة مثنى ورباع فيطيرون في ادعاء ملائكية أراها زائفة، جعلتهم ينصبون من أنفسهم رقباء على كل قضايا المجتمع تحت دعوى عريضة هي خدش الحياء.

خدش الحياء، تلك الذريعة التي يتمترس خلفها كثير من هؤلاء الحُماة الظنيون، الذين نصبوا أنفسهم للحفاظ على هوية المجتمع وأخلاقياته على حسب ظنهم. الحقيقة أن الكلمة نفسها مطاطية، لها قماشة تتسع وتضيق حسب ملابسات وظروف منها الظرف التاريخي، و بالتطبيق على الوضع المصري سنجد الكلمة مراوغة للغاية، وهو ما يثير بعض التساؤلات عن فهم هؤلاء للحياء؟ وما الذي يثير حفيظتهم فيثور عرق الحياء والنخوة المجتمعية، ودعونا نسأل كذلك عن ذاك المخبأ الذي كان فيه حياؤهم في الأوقات التالية:
- كل الدماء التي سالت على مر سنوات بلا حسيب؟
- كل الفساد الممسيطر والباسط ذراعيه حول رقاب البلاد والعباد دون حسيب؟
- كل الطفح المجتمعي المتمثل في تصريحات السادة وزراء الحكومة على اختلافهم، والسادة أعضاء المجلس النيابي؟
- كل الممارسات والاتهامات واختراق الخصوصية لحيوات العشرات على صفحات الجرائد وشاشات الفضائحيات دون رقيب أو محاسب؟
- كل الإهمال المتسبب في عشرات الضحايا كل يوم في كل المجالات، وتضييع الحقوق جهارًا بيانًا؟
- كل الكذب الذي تمارسه الحكومة من رأسها حتى أصغر مسئول فيها؟
أظن إن لم يخدش حياء السادة المنتصبون دفاعًا عن الحياء، كل هذه الممارسات اليومية ويغضون الطرف عنها أو يتجاهلونها فنحن أولى بالحياء منهم هنا.

أتساءل عن قوة ذاك المجتمع الذي يخدش حياءه إبان بعض المفردات الصريحة في عمل ركيك أدبيًا، ربما لم يكن ليقرأه غير قلة من الناس وثلة تصاد-ف مرور العمل تحت أديدهم، وسيمر كما ملايين المرات التي خُدش فيها حياء المجتمع مرات ومرات. خُدش إذن حياء المجتمع من مفردات يتداولها في شارعه دون ان يحمر له وجنة أو تستثار نخوته، ذاك المجتمع الذي وطبقًا لتقارير معتمدة وعالمية يمثل التحرش في داخله واحدة من أكثر الظواهر تهديدًا لسلمه العام، ولا يخدش له حياء؟!
خُدش حياء هؤلاء من مجرد مفردات يسمعها يوميًا لكنها لا تمسه بشكل مباشر، ولذلك يسمح بها عبر الفضائيات وعبر الشارع والممارسات عملا بالمثل الفج "إلحق يا جحا في بيتك........"، وأعتذر عن تكملة المثل حتى لا أتهم بخدش الحياء لهؤلاء السادة.
العجيب في الأمر أن تتبع الإحصائيات حول قراءة الفرد المصري –والعربي بشكل عام- هو ما يجب أن نخجل منه، إذ كيف لذاك المجتمع الذي تمثل فيه نسب القراءة واحدة من أبخس النسب في أرجاء المعمورة، فجأة ينتفض ضد كتاب أو مقال أو فكرة مكتوبة، وفي غالب الظن لم يحاول قراءتها، إذ تنقح عليه ملائكيته المدعاة تلك وظنه أنه واحد من حراس العقد الاجتماعي لمجتمع متفسخ إلى أبعد مما كنا نظن؟!

هنا لا أدافع عن عمل حين قرأته عرفت أن الكتابة المصرية كلها تمر بأزمة إبداعية، وأن صناعة النشر فيها تعاني معاناة لا مثيل لها، هنا أفكر بصوت عال عن هؤلاء الذين قرروا فجأة أن ينصبوا من أنفسهم حراسًا للمجتمع بالدعاءات مزيفة لا أرض لها يثبتون عليها إذا ما تم نقاشهم حول مفهوم خدش الحياء، وهم في غالبهم بعض الأنصاف الذين ما إن نشروا مقالة هنا أو هناك أو كتابة متواضعة أدبية وكتابيًا، حتى ظنوا من أنفسهم امتلكوا كل الحقيقة، تمامًا حين يظن من كتب رواية أنه أهل لتعليم الكتابة الإبداعية وتصدير تجربته غير الناضجة في الكتابة باعتباره ملك الأمر عن كامله؟!

هنا أسأل عن الفارق بين رجلين، أحدهما قرر أن يعلن موقفه باحترام وبناه على أساس من الفهم وله رصيد فكرى من أن يقدم حجته التي تحترم في عمل يدعي البعض أنه خدش الحياء، بل وتحترم وجهة نظره وتقدرها. ورجل آخر أصر أن يكيل الاتهامات لك ولغيرك ممن اضطروا للدفاع عن كتابة ركيكة حفاظًا على مبدأ حرية الخيال، وتأصيلا له، ولم يفكر الرجل حتى في قراءة العمل ونقاشه واكتفى بوصفك ومن اختلف معه بأنكم شراذم وقلة تفسدون الثوابت بأفكاركم المستقاة من الغرب، وراح يوسع في دائرة المؤامرة الكونية التي باتت أصل أفكاره، ومعها زادت ملائكيته المظنونة وكبر جناحا الملاك الذي تقمصه، وقرر مقاطعتك وأمثالك ممن رآهم مفسدون لأخلاق المجتمع، دون أن يخدش له حياء وهو يشيطن الجميع ممن اختلف معه، بل ويدعي أن ذلك واحدة من تلك المؤامرة الكونية حول البلاد والعباد.
السادة الخجلى مخدوشو الحياء من مفردات عمل أدبي ركيك:
أين خجلكم في المجازر التي تحدث قريبًا من مجتمعكم اليوتوبي المتوهم؟! فقط استدر نحو سوريا واليمن شرقًا أو ليبيا غربًا، وحدثني عن حمرة الخجل وخدش الحياء؟ وأظنك لست في حاجة إلى النظرؤ إلى داخل مصر، فيبدو أن ثمة ماسح لكل خادش للحياء وللإنسانية نراه كل لحظة في مصر.
اسمحوا لي أن أخدش حياءكم المدعى، وأن أطلب منكم متابعة تصريحات الحكومة وما يحدث في شاشات الفضائيات، وما بين الناس ليل نهار دون أن يخدش حياءكم الجمعي وازعٌ من إنسانيتكم وأخلاقكم تلك.
لعمري، إنك ذلك في الآدب والآداب لعظيم!!
مختار سعد شحاته
bo mima
روائي وباحث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص


.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟




.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و


.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا




.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف