الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاهد من الاحتلال في غزة1973

بشار إبراهيم

2005 / 12 / 17
الادب والفن


تأسست «جماعة السينما الفلسطينية»، للمرة الأولى، عام 1973، وانضمت إلى «مركز الأبحاث الفلسطينية»، وكان أن قدمت فيلماً يتيماً هو فيلم «مشاهد من الاحتلال في غزة» للمخرج الفلسطيني مصطفى أبو علي 1973، وهو فيلم تسجيلي قصير (مدته 13 دقيقة) يتناول الواقع المرير الذي شهده قطاع غزة، بمدنه وبلداته وقراه ومخيماته، بعد أن سقط في قبضة الاحتلال الإسرائيلي، فيقوم الفيلم بفضح ممارسات المُحتل الهمجية، من جهة، كما يعرض لصور الإصرار والتصميم، عند الشعب الفلسطيني، على المقاومة والتصدي، فيقدم قراءات إحصائية لعدد من العمليات الفدائية التي نفذها الفلسطينيون ضد الاحتلال، ويبيّن عدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا برصاص الاحتلال، وعدد الجرحى. ويعرض لما واجهه الأسرى والمعتقلون من أحكام بلغت أحياناً عدة مئات من السنوات للأسير الواحد. وينتهي الفيلم، بعد كل ذلك، بالتبشير باستمرار الثورة، وضرورة الكفاح المسلح، كخيار ودرب للانتصار والتحرير، واستعادة فلسطين..
لقد استخدم فيلم «مشاهد من الاحتلال في غزة» وثائق ومشاهد سينمائية حية ونادرة، حينذاك، متداخلة مع بعض المشاهد التمثيلية الصامتة، ذات الدلالة الرمزية، كمشهد القنبلة، ونظرات الفتى المليئة عزماً وإصراراً، مؤكداً ودالاً من خلال ذلك على أسلوبية الكفاح المسلح طريقاً للتحرير. ويذكر أنه قام بتصوير المشاهد البصرية عدد من السينمائيين والصحفيين الأجانب الذين ذهبوا إلى داخل الأرض المحتلة، في مهمات محددة الغايات والأهداف، تخدم وجهة النظر الصهيونية، أصلاً، فقام المخرج مصطفى أبو علي بأخذ بعض اللقطات، وعمل على اعتمادها نواة للفيلم كمصدر على مستوى الصورة، ولكن بعد أن أعاد مونتاجها وتوليفها، لتدحض الفكرة الصهيونية التي أُعدَّت اللقطات من أجلها أصلاً.
أما على مستوى المعلومة، التي حصَّلها الفيلم فكانت عبر صحافيين أجانب، يُذكر الفيلم منهم الصحافية (أرلييت تسيير) التي أوفدتها مجلة (شؤون فلسطينية) إلى قطاع غزة، والتي بقيت هناك ثلاثة أيام فقط، وسيعتمد الفيلم تقاريرها الصحفية، ويعرض أقوالها وبيناتها..
فيلم «مشاهد من الاحتلال في غزة» وعبر قرابة (13 دقيقة) شكَّل وثيقة بصرية هامة، مصحوبة بتعليق عالي النبرة، مشددة ومؤكدة على مضمون الصور، ومحتواها، محاولاً وضعها في سياق خطاب يذهب في اتجاه تبيان مدى العنت الذي يوقعه الاحتلال، حيثما يتواجد، لكن الفيلم لم يشأ التركيز في هذا الاتجاه، فقط، بل أخذ يبين بطولات الفلسطينيين عبر أرقام وإحصائيات لم تظهر مفرداتها على الشاشة، فبدا الفيلم كمقال تتداخل فيه كتابة المحاولات الشعرية، في مجال الحديث عن قطاع غزة ومكانته وتاريخه، مع الكتابة الصحفية التقريرية، في مجال الحال القهري، أو «المقاوماتي» الفلسطيني.. في حين رافق كل هذا الكلام مشاهد بصرية لجند الاحتلال يجوبون، راجلين أو مؤللين، شوارع مدينة غزة ومخيماتها، مترافقة مع مشاهد عامة للقطاع، وبعض المشاهد التفصيلية الأكثر اقتراباً من الموضوع، حيناً لامرأة فلسطينية هُدم بيتها، فنراها صارخة لاعنة، وحيناً آخر لفلسطينيين مدنيين عُزَّل، بين أيدي حواجز الإذلال والتفتيش الاحتلالي..
كان قطاع غزة يبدو يومها بعيداً، واقعاً في قبضة احتلال.. وبينما يبدأ الفيلم بمشاهد لفتاة فلسطينية بلباسها الشعبي التقليدي، تبدو في غاية المسالمة، سوف ينتهي الفيلم بمشاهد لشاب فلسطيني تمتلئ ملامحه بالإصرار على فعل شيء ما، هو الثورة دون أدنى شك، ومشاهد للفتاة الفلسطينية ذاتها في معنى لنشدان العيش في أمن وسلام، في وطن محرر..
الفيلم لن يكتفي بكونه «مشاهد من الاحتلال في غزة»، وهو ما كان سيمنحه الوقت الكافي لفضح صورة الاحتلال، وبشاعته، يومها في قطاع غزة، كما هو منذ العام 1948، في فلسطين بمدنها وبلداتها وقراها، ويبين من خلال ذلك المفارقة بين صورة الصهيوني المحتل بالقوة العسكرية الهمجية، وصورة الفلسطيني الآمن في بيته ودياره، صاحب الأرض الأصلي، بل سيتنكب الفيلم مهمة كونه صورة مشاهد، وسجلّ أرقام وإحصائيات، تتحدث عن الفعل الفلسطيني المقاوم، وهو أمر أفرغ الكثير من «مشاهد الاحتلال في غزة» من احتقانها وتوترها، فظهر طغيان طابعه المعرفي التوثيقي..
ينغمس فيلم «مشاهد من الاحتلال في غزة» في التحريضية والثورية، التي كانت من أبرز ملامح خطاب سينما الثورة الفلسطينية، في تلك الفترة، دون أن تتلبس تلك التحريضية والثورية سياقاتها السياسية والفكرية، فبدت حتى الأعمال المقاومة التي مارسها فلسطينيو قطاع غزة، والتي تحدث عنها الفيلم، كرد فعل مباشر ضد الاحتلال الذي دهم قطاع غزة، مبتورة، إلى حدّ كبير، عن سياقها المقاومي الفلسطيني الممتدّ قرابة ثلاثة عقود قبل احتلال الصهاينة لقطاع غزة، فليس في الفيلم من تأسيس تاريخي حقيقي واضح للفعل الفلسطيني المقاوم في غزة، ولا للعدوان الصهيوني المستمر ضد قطاع غزة طيلة الخمسينات والستينات من القرن العشرين، أي قبل استكمال احتلال قطاع غزة، إذ أن الكثير من مدن وبلدات وقرى قضاء غزة إنما بدأ احتلالها منذ العام 1948، والكثير منها تعرضت للكثير من المجازر والأفعال الدامية قبل هذا التاريخ أيضاً..
هكذا يذهب الفيلم من حقل إلى آخر، فنرى في الدقائق الأخيرة كيف يبدأ شريط الصوت يعدِّد الهجومات والكمائن والعبوات الناسفة والعمليات الفدائية، مشفوعة بالتواريخ المتناثرة على أيام وشهور العام 1972، مترافقة مع إيقاع أغنية (زاحفين.. زاحفين) وشهادات من الفلسطينيين الثابتين والصامدين في غزة، مدينة وبلدات وقرى ومخيمات.. ويختتم بمناشيت عريض يظهر على مساحة الشاشة مكتوب بخط عربي واضح (عاشت الثورة الفلسطينية) مترافق مع صوت انفجار. وهذا ما يعني، بصيغة مضمرة، القفز فوق المحاولات المقاومية التي حققها الغزيين في الخمسينيات والستينيات!.. قبل تجربة الثورة الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية!.. وربما هذا لم يكن مطلوباً من المخرج مصطفى أبو علي يومها..
المهم أنه وعلى الرغم من كل ما يمكن قوله حول فيلم «مشاهد من الاحتلال في غزة»، فإنه يبقى أحد أهم الأفلام التسجيلية القصيرة التي أنجزتها سينما الثورة الفلسطينية، والتي حظيت باحترام وتقدير، وحفاوة، فضلاً عن نيله العديد من الجوائز في غير مهرجان.. وهو في كل الأحوال نموذج بارع لما أمكن صنعه في السينما الفلسطينية، في فترة مبكرة جداً، أي في بداية سبعينات القرن العشرين، وفي (أيام النهوض الثوري العظيم)..
وفي الختام يمكننا القول إنه على الرغم من التقدير العالي الذي ناله فيلم «مشاهد من الاحتلال في غزة»، وعلى الرغم من كل الجوائز الهامة التي نالها، إلا إن هذا الفيلم لم يسمح بإبراز حقيقة القدرات الفنية التي يمتلكها المخرج مصطفى أبو علي، ولم تسمح له الظروف الخاصة جداً لهذا الفيلم بإبراز إمكانياته الفنية.
ويذكر أن المخرج مصطفى أبو علي هو من مواليد القدس عام 1940، وتخرَّج من معهد لندن الدولي للسينما حاصلاً على دبلوم في صناعة السينما عام1967. ولقد شغل المخرج مصطفى أبو علي مناصب عدة، في وحدات السينما الفلسطينية، ومؤسساتها، التي أنشأتها الثورة الفلسطينية، خلال السبعينات، حيث يذكر أنه رئس مؤسسة السينما الفلسطينية بين العامين 1971-1980، ونشر كتاباً بعنوان «السينما الفلسطينية» عام 1975، بالاشتراك مع الكاتب الناقد حسان أبو غنيمة. كما ترأس مصطفى أبو علي في العام 1984 مؤسسة بيسان للسينما في الأردن.. وتم تكريمه أكثر مرة في مهرجانات محلية وعربية. يمكنني أن أذكر منها على الأقل تكريمه من قبل مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة، عام 2003، وبإدارة الناقد المصري المتميّز علي أبو شادي، حيث تمّ عرض مجموعة من أفلام المخرج مصطفى أبو علي، بعد قرابة ثلاثين سنة على إنجازها، فتبين أنها ما زالت طازجة وحارة..
اليوم، يعود المخرج الرائد مصطفى أبو علي لقيادة جماعة السينما الفلسطينية، في ولادتها المتجددة، في العام 2005، وسنعود نحن لاستعادة واحد من أفلامه البارعة، ولاشك في أن كل فيلم من أفلام مصطفى أبو علي يحتاج لوقفة تأمل.. وهذا ما سنفعله طبعاً..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأملات - كيف نشأت اللغة؟ وما الفرق بين السب والشتم؟


.. انطلاق مهرجان -سماع- الدولي للإنشاد والموسيقي الروحية




.. الفنانة أنغام تشعل مسرح مركز البحرين العالمي بأمسية غنائية ا


.. أون سيت - ‏احنا عايزين نتكلم عن شيريهان ..الملحن إيهاب عبد ا




.. سرقة على طريقة أفلام الآكشن.. شرطة أتلانتا تبحث عن لصين سرقا