الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل فهم عربي مطابِق ل -حرب تمّوز-

خليل عيسى

2016 / 7 / 24
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


عقدٌ يفصلنا عن انتهاء ما يعرف لبنانيًّا بـ"حرب تمّوز"، وهي حرب شنّها الكيان الصهيوني على حزب الله خصوصاً، ولبنان عموماً، انتهت بحالة "ستاتيكو" عسكرية في الجنوب اللبناني، رست على تضخّم قوّة حزب الله السياسية والأمنيّة داخليًّا، ليتمّ "صرفُها"، منذ ذلك الحين، صوب الداخل العربي بدل الجبهة مع إسرائيل. المفارقة الساخرة أنّ الطفرة "العربية" الهائلة في دور "حزب الله" حدثت منذ العام 2011 فقط، مع بدء الثورتين السوريّة والعراقيّة. وهي أحداثٌ سمحت لحكّام طهران بتدشين العصر الإمبراطوري الإيراني الذي افتتحته الولايات المتحدة الأميركية، أوّلاً وأخيراً، عبر تسويغها كل الوسائل الوحشية، من تسليح المليشيات المذهبيّة إيرانية الولاء وتمويلها لتثخن الجراح في جسد الأمّة العربية. صحيح أنّ إيران كانت، في البداية، تدافع عن مصالحها مقابل إرادة السوريين والعراقيين بالتحرّر من براثن حلفائها. ولكن، لاحقاً، كان التحالف الاميركي معها هو ما قوّاها، وجعل لها من ذلك فرصةً لفتح باب حربها على العرب على مصراعيه. ولم يشذ حزب الله طبعاً عن ذلك عن هذا السياق، فقد كان قبل 2011 حزباً "لبنانيًا"، ولو على الورق فقط، وبحدود ما سمحت به إيران، وأصبح اليوم في العام 2016 الوكيل الأوّل المعتمد لإدارة شؤون الإمبراطورية الإيرانية في الوطن العربي والعالم.

زاء هذا المسار العام لحزب الله، كيف يمكننا أن نحاول إعادة فهم ما حصل في يوليو/ تمّوز 2006؟ لكي نفعل ذلك، يجب أوّلًا أن نتخلّص من السرديّات السطحيّة الخاطئة المنتشرة، والتي تقول إنّ ما حصل لم يكن حربًا حقيقية، بل كان "مسرحيّة"، وإنّ إسرائيل "قامت بتلك الحرب لتقوية حزب الله أكثر"، وهي "لو أرادت لكانت أنهته". بدايةً، الحرب، أيّة حرب، لا يمكن أن تكون "تمثيليّة" (إلا في خيال بعض العرب وبعض إعلامهم). فعلى الرغم من أنّ "الإستابلشمنت" الصهيوني قد يوافق ضمنيّاً على هدن طويل الأمد مع إيران، ويتعاون معها كثيرًا (مثلاً، فضيحة "إيران كونترا" التي اشترت فيها إيران من إسرائيل "الشيطان الأصغر" السلاح خلال حربها مع العراق). لكن، عام 2006 لم يتساهل إطلاقاً مع وجود ما هو ليس أقلّ من جيش إقليمي، مع صواريخ تهدّد عمقه الداخلي، وبشكل استراتيجي. لذلك، حاولت إسرائيل أن تقضي عليه. لكنها ولو لم تستطع ذلك، بالمعنى العسكري الكامل للكلمة، فقد نجحت بتقييده من خلال قرار مجلس الأمن 1701. ما ذكرناه لا ينفي أن حزب الله واجه إسرائيل، لكنه، في الوقت عينه، يقينا من كيل أيّ مديحٍ له إزاء ذلك، فما حدث تمّ تجييره بالكامل لحساب إيران، ومنذ البداية، وليس لحساب قوّة الأمة العربية ومنعتها وخيرها. وسيكون بحثنا الموضوعي، هنا، ناقصاً إذا ما نظرنا إلى لبنان فقط، خلال ذلك الصيف، لكي نفهم "حرب تمّوز". فجرياً على ما كان يقوله الممثّل السوري الراحل نهاد قلعي، في مسلسل تلفزيوني، نردّد أنّه "من أجل أن تعرف ما كان يحصل حينها بين ضاحية بيروت الجنوبيّة وجنوب لبنان في الصيف من العام 2006، عليك أن تَعرفَ ماذا حصل في بغداد خلال صيف ذلك العام".

ففي ذلك الصيف القائظ في بغداد، كانت الميليشيات الشيعية تقوم بتطهير العاصمة من سكانّها السنّة بشكل منهجي ووحشيّ. فبينما كان العالم وجزء من العرب يراقب حرب إسرائيل ضد "حزب الله"، كانت ميليشيا "جيش المهدي" التي قام "حزب الله" بتدريب أعضائها في لبنان خلال ذلك الصيف نفسه يستكملون اقتراف المجازر بحقّ الأبرياء في العاصمة ("نيويورك تايمز"، 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2006). في يوم 9 تمّوز مثلًا، أي قبل ثلاثة أيّام من بدء "حرب تمّوز"، اقتحمت ميليشيات "جيش المهدي" حيّ "الجهاد" غرب بغداد ("نيويورك تايمز"، 10 تمّوز/يوليو 2006) بعد أن أقامت حواجزًا فيه وبدأوا فيها بسحب المدنيين بالقوة من منازلهم وسياراتهم وقتلهم في وضح النهار. ولا يمكن لسكّان بغداد كذلك أن ينسوا "أبو دِرْع"، وهو سفّاح معروف من ميليشيا "جيش المهدي" عاد وظهر مؤخّرًا مجددا في تجّمعات لمريدي مقتدى الصدر ("لمحاربة داعش" هذه المرّة طبعًا!) (انترناشيونال بزنس تايمز"، 22 حزيران/يونيو 2014). هذا السفّاح كان يختطف سكان حيّ الأعظمية وأكثريته من السنّة، مستعملًا سيارات الإسعاف الحكومية ليعذبهم ويثقب أجسادهم بالمثقاب الكهربائي قبل أن يرميهم جثثًا في حاويات القمامة ("سيدني مورنينغ هيرالد"، 20 كانون الأوّل/ديسمبر 2006). كان الأميركيون والإيرانيون يتناوبون حينها على محاولة تحويل ما كان ثورة شاملة ووطنيّة ضدّ المحتلّ إلى ديناميكية حرب مذهبيّة سنيّة-شيعيّة وهما كانا متفاهمان على ذلك بشكلٍ تام. المحطّة الأبرز في ذلك كانت تفجير قبّة مرقد الإمامين العسكريين يوم 22 شباط/فبراير2006 في ظروف غامضة، مع دلائل قويّة على ضلوع ميليشيات سريّة لوزارة داخلية العراقية فيها التي كانت حينها بإمرة الإيراني الأصل باقر جبر صولاغ الزبيدي الذي اشتهر بإنشائه السجون السريّة وعرف "بأبو الدريل"، إذ راجت في أيّامه الجثث "المجهولة الهويّة" التي كان يُعثر عليها مثقوبة. وبحجّة تفجير قبّة المرقد بدأت الميليشيات الشيعية بإبادة وتهجير عشرات الآلاف من السنّة وأُشعِلَتْ ديناميكية قتل مذهبي متبادل راح ضحيتها الآمنين في بغداد من السنة والشيعة والمسيحيين. كان "أبطال" ذلك الميليشيات الشيعية كما تنظيم "القاعدة" في العراق الذي كان يفجّر الآمنين في الأحياء الشيعية من المدينة. بعدها بأشهر، قبض الأميركيون على قائد في "قوات القدس" الإيرانية يدعى "شيرازي" فوجدوا وثائقًا تثبت أنّ الحرس الثوري الإيراني كان يدعم تنظيم "القاعدة" بالسلاح و"يعمل معهم بشكل وثيق" ("نيويورك ذِ صن"، 3 كانون الثاني/يناير 2007). وهذا هو نفس "تنظيم القاعدة" الإرهابي الذي قتل من تشكيلات المقاومة العراقية حينها مثل "كتائب العشرين" و"جيش محمد" أكثر بكثير مما فعل المحتلّ الاميركي نفسه.
لذلك ومما سبق، إذا ما وضعنا الأمّة العربيّة كلّها في الميزان خلال ذلك الصيف من العام 2006، نرى بأنّ قتال "حزب الله" خلال يسمّى "بحرب تمّوز" لم يكن حينها أكثر من مواجهة عسكرية مرحلية ومحليّة، محدودة جغرافيًّا، بين وكيل لمستعمرٍ (إيران) ومستعمر آخر (إسرائيل) كانت تجري في الطرف "الغربي" من دائرة النفوذ الإيرانية على جسد الأمّة، بينما وفي نفس الوقت وفي الطرف "الشرقي " الأقرب من إيران، كان "حزب الله" وأقرانه يقترفون المجازر المذهبية في العراق ويطهّرون بغداد من السنّة في سياق محاولة ايران السيطرة المتزايدة على العراق لتحويله لمستعمرة ثيوقراطية وحديقة خلفيّة تحكمها الميليشيات. إنّ "حرب تمّوز" ونتائجها الدعائية اللاحقة كانت عبارة عن تغطية إعلامية هائلة على التحالف الاميركي-الإيراني لتفتيت العراق واستعماره، كما يحدث الآن بعد عشر سنوات عندما غطى "حزب الله" تدخلّه في سوريا بحجة قتال "التكفيريين وإسرائيل" في حمص وحماه وحلب ومن بعدها اليمن. ولذلك لا بدّ ومن أجل فهمٍ عربي مطابقٍ "لحرب تمّوز" طوال الثلاثة والثلاثين يومًا التي دامت فيها في لبنان، أن يبدأ هذا أوّلا من جثث الأطفال والنساء والشباب العراقيين الشهداء المثقوبة المرميّة في حاويات الأعظمية خلال صيف بغداد 2006.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من الحرس الثوري الإيراني في حال هاجمت اسرائيل مراكزها


.. الاعتراف بفلسطين كدولة... ما المزايا، وهل سيرى النور؟




.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟


.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟




.. طهران تواصل حملتها الدعائية والتحريضية ضد عمّان..هل بات الأر