الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوم . إيكار

عبد الرحيم العطري

2005 / 12 / 17
الادب والفن


عفوا .. ما عنوان هذه الخواطر المسائية بدال على موقع من مواقع الشبكة العنكبوتية ، التي صار السفر عبرها يعطي معان جديدة للزمن ، معان تدعونا بإلحاح إلى هجران مقارباتنا الكسولة و المطمئنة حول المكان قبل الزمان ... إنه بكل بساطة عنوان لفيلم لا أذكر كثيرا مخرجه تدور قصته حول صحافي جريء تتبع خيوط جريمة اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي ، تتبع كل الخيوط ، فكك كل الأدلة و القرائن المتوفرة و الأخرى المسكوت عنها إلى أن اقترب من الحقيقة ، و تحديدا من الفاعل المحتمل ، لكنه في اللحظة التي سيصيح فيها " أوريكا .. أوريكا " - كما فعل أرخميدس فرحا باكتشافه - و هو يهاتف صديقا له كان يحدثه عن إيكاروس البطل الملحمي في الميثولوجيا الإغريقية ، في ذات لحظة الاكتشاف و الفرح بامتلاك المعنى ، ستحسم رصاصة غير طائشة نهاية الصحفي ، لتظل السماعة معلقة في الهواء ، و منها يتناهى غلينا صوت الصديق و هو يحكي عن إيكاروس الذي افتتن بضوء الشمس ، و اقتنع قويا بأن الحقيقة ترقد هناك في عمق هذا القرص الملتهب المانح للضياء ، ليقرر بعدئذ الطيران نحو الشمس ، صانعا لنفسه جناحين من الشمع ذابا بمجرد اقترابه منها ، فكانت نهايته مونا فظيعا و سقوطا نحو القعر العميق ....
فهل هذا هو قدر الباحث عن الحقيقة ؟ هل هذا هو قدر كل العاشقين و الراغبين في هتك ستارة المسكوت عنه ؟ أ هذه ضريبة البحث عن المعنى ؟ أم ماذا؟
تاريخ الإنسان في أقوى لحظاته تأكيد مستمر للميتولوجيا الإيكاروسية ، فهل كلنا إيكاروسيون بالفطرة ؟ ما أن نحاول الفرح باكتشاف كيمياء الحياة حتى نسقط في الغور العميق ، ما أن نسعد بإمكان التغيير و دنو بناء المجتمع الفضيل حتى تتهاوى قصورنا الرملية و تصير الحياة بطعم الألم و الرحيل ، ما أن نقول لأنفسنا بأن الأمور تسير نحو الأفضل و أن الإنسان الحقيقي قد استيقظ فينا حتى تذبل كل زهور القرنفل و الياسمين و يغدو الموت عشاءنا الأخير ...
لعنة إيكاروس تطاردنا منذ البدء ، تجعلنا نراوح أمكنتنا البلا معنى ، و لا نحصد انتهاء إلا مزيدا من الفظاعات و البشاعات ، نراكم الهزائم المرة و لا نصل إلى اكتشاف كيمياء الحياة ، نفقد آخر ذرات التحمل و نهوى نحو القعر الموغل في الرداءة و الانهيار ، و مع ذلك يظل إيكاروس كطائر الفينيق ، يستيقظ فينا دوما ، يعاود الكرة مئات المرات في تأشير دال و عميق على استحالة العيش بدون فسحة الأمل و جرعة الرجاء ، أبدا بدون رجاء لا تستقيم الحياة و لا نستطيع مضيا نحو الغد المجهول ...
كم هو حزين هذا القمر ، إنه مترع بالأحزان ، و كم من إيكاروس لقي حتفه هذا المساء ؟ كثيرون جدا في هذا الكون الفسيح غادرونا انتهاء بعد ذوبان الشمع ، لكن بالنظر إلى نصف الكأس الملأى ، كم من فينيق انبعث من رماده هذا المساء ؟ كثيرون أيضا تجاوزا خبث الأيام و انطلقوا نحو صناعة الحياة ، فكم من زهرة تفتحت من بين الأشواك ؟ و كم من عليل هزم المرض الخبيث ؟ و كم من أحلام تحققت هذا الصباح ؟ آه لولا جرعة الرجاء لما كانت الحياة و لما استمر الإنسان في صناعة الحياة و كتابة تاريخ الأشياء ...آه لولا جرعة الرجاء ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا