الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية الإنسانية في فكر سارتر

نعمان الفاضيل

2016 / 7 / 25
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


يعتبر سارتر أبرز الفلاسفة الوجوديين الذين تحمسوا للدفاع عن الحرية الإنسانية ضد أي لون من ألوان الجبرية، فحاول أن يحطم فكرة أية ضرورة مفروضة على الإنسان من الخارج، أو مستمدة من الأشياء، أو من أي نظام ديني أخلاقي.
و تقوم الفلسفة الوجودية على مبدأ رئيسي يضعه سارتر، و هو القول "بأسبقية الوجود على الماهية"، فالٱنسان يوجد أولا ثم يعرف بعد ذلك . و حين يوجد الإنسان لا يكون شيئا
محددا أو معينا، و لا يملك أية طبيعة إنسانية بإمكانه أن يسند و يركن إليها في تصرفاته، لكونه لم يختر بعد ما يكونه و كيف يكون. و من ثم، فالإنسان هو من يتحكم بماهيته و ليس العكس، و هو من يحدد نفسه و يرسم وجوده و حريته و كيانه، أي أن الإنسان يوجد أولا غير محدد بصفة أو لقب، ثم يلقي بنفسه في المستقبل بفعله و فكره، فهو من يصنع مستقبله و يححقق من هذا الصنع ما أستطيع .
و من هذا المنطلق، فكي يكون الإنسان مسؤولا عن عما هو عليه، لابد له أن يكون مشروعا و تصميما يصوغه بنفسه لنفسه، و هذه المسؤولية لا تقتصر عليه وحده فقط، بل تمتد إلى الناس جميعا ، و ذلك لأننا " عندما نقول بأن الإنسان يختار ذاته، فإننا نعني أن كلا منا يختار ذاته، و نقصد بذلك أيضا، أن باختيارنا هذا نختار كل الناس .
و بناء على ما سبق، فقد بلور سارتر موقفه من مسألة الحرية في فلسفته الوجودية حول محور أساسي يتمثل في تأكيده على الذاتية الإنسانية و الوعي و الحرية بغية تأسيس تصور للحرية على أسس واقعية و حقيقة صلبة غير منغلقة على ذاتها و لا تقصي الأخر، بل تعتبره – على حد تعبير سارتر – " حرية ماثلة قبالتي" .
و يذهب سارتر الى القول أنه مادام الوجود سابقا على الماهية، فإنه يترتب عن ذلك أن يكون الإنسان حرا، لأنه يوجد في العالم، و بعد ذلك يفعل بنفسه ما يشاء، ويصنع لنفسه ماهيته بإرادة حرة. و بهذا، يكون سارتر قد قلب العلاقة بين الإنسان و الوجود د، فإذا كانت الفلسفة التقليدية تقول بأن ماهية الإنسان سابقة على وجوده، بالشكل الذي يصبح معه خاضعا لجبرية و ضرورة مطلقتين. فإن سارتر يقول پأسبقية الوجود على الماهية، يحيث يصبح الإنسان حرا في اختيار ماهية وجوده .
بيد أن الإنسان بامتلاكه لماهيته و لحرية إختيارها يلزم عن ذلك ضرورة أن يتحمل مسؤولية تلك الحرية ونتائج اختياراته و عواقب أفعاله، حيث يقول سارتر في ذا الصدد: " و هكذا أكون مسؤولا أمام نفسي و أمام الجميع،فأبدع صورة محددة للإنسان الذي أختاره، و باختياري لنفسي، فإني أختار الإنسان" . و من هذا القول نكتشف تأكيد سارتر وإلحاحه على وضع الإنسان وصيا على نفسه و مسؤولا عن أفعاله و اختياراته.
و هكذا. فما دام كل اختيار يحتمل النجاح و الفشل، و مادام "الإنسان الذي يلتزم و ينتبه الى أنه ليس من يختار ما يكون عليه فقط، و انما يكون مشروعا يختار نفسه في الوقت الذي يختار فيه الإنسانية برمتها، لن يكون قادرا عندها على الإفلات من الشعور بمسؤولية تامة وعميقة" . و ذلك لكون هذا الإختيار ليس ألعوبة يتلهى بها الإنسان، و إنما هو بمثابة جوهر المعاناة التي يعانيها الفرد،كي يؤكد وجوده، لأن اختيار الفرد لفعل معين دون آخر، و ما سوف يرتبط بذلك من تحمل للمسؤولية. عادة ما يولد إحساسا بالخوف وقلقا من نتائج تلك المسؤولية أو ذاك الإختيار.
و يذهب سارتر إلى ان القلق الذي يقصده هنا، ليس ذاك القلق المرضي الذييدعو إلى الإستكانة و اللافعل، بل القلق الطبعي الذي ينتاب الإنسان الحر و المسؤول إذ يقول: " لا يتعلق الأمر هنا بقلق يقود إلى الدعة و الجمود،و إنما هو قلق بسيط يعرفه كل من اضطلع بمسؤوليات" . و من ثم، فالإنسان حسب سارتر يظل طول حياته يعيش في قلق دائم مادام حرا يختار و يتحمل مسؤولية اختياره.
و خلاصة القول، إن الحرية عند سارتر ليست صفة مضافة أو خاصية من خصائص طبيعة الإنسان، بل هي عين الوجود و نسيجه، فالقول بأن الإنسان موجود يعني ببساطة أنه حر، لأنه كما يقول سارتر"محكوم عليه بالحرية، محكوم عليه لأنه ليس هو من خلق نفسه، إلا أنه مع ذلك يكون حرا لأنه بمجرد ما يلقى به في العالم يكون مسؤولا على كل مايفعل" . و بعبارة أخرى، لا يمكن التمييز بين الحرية و الوجود، فالإنسان لا يوجد أولا ثم يصبح حرا بعد ذلك،بل إن كونه انسانا معناه أنه حر بالفعل. و توقف الإنسان عن الفعل وممارسة الحرية من شأنه أن يجعل حياته بلا معنى، يملؤها الملل جراء خيانته لوجوده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فخر المطعم اليوناني.. هذه أسرار لفة الجيرو ! | يوروماكس


.. السليمانية.. قتلى ومصابين في الهجوم على حقل كورمور الغازي




.. طالب يؤدي الصلاة مكبل اليدين في كاليفورنيا


.. غارات إسرائيلية شمال وشرق مخيم النصيرات




.. نائب بالكونغرس ينضم للحراك الطلابي المؤيد لغزة