الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الواحد لؤلؤة ...

سعيد عدنان
كاتب

(Saeed Adnan)

2016 / 7 / 26
الادب والفن


وقع لي اسم عبد الواحد لؤلؤة ، أوّل ما وقع ، في سنة 1973 ، في مقالة منشورة في مجلّة ( ألف باء ) ؛ تتحدّث عن كتابه : ( البحث عن معنى ) ؛ إذ كان قد صدر في تلك السنة عن وزارة الإعلام 0 ومع أنّ كاتب المقالة بدا ، وهو يبسط حديثه ، غير راضٍ عن الكتاب وصاحبه ؛ وكأنّه يراه ممّا لا يندرج في ما يريد من أدب ونقد ؛ حتّى أزجى لومه إلى الوزارة التي نشرته ؛ فقد أغراني أن أقرأ الكتاب ، وأن أزداد معرفة بصاحبه 0
كان ( البحث عن معنى ) جديداً ، يوم صدر ، يفارق ما كان سائداً ؛ فقد كُتب بلغة واضحة مبينة ، غيرِ مواربة ، بعيداً عن خيمة النقد العقائدي ، قريباً من تجربة صاحبه ، وذوقه ، ورؤيته 0
كان لؤلؤة ، يومئذٍ ، أستاذ الأدب الإنكليزي بكليّة الآداب ؛ وكان ، من قبلُ ، قد زوّد نفسه بمعرفة رصينة بالأدب والنقد ؛ تلقّاها على أصولها ، ولم يقتصر بها على ما اختصّ به من الأدب الإنكليزي ، بل ضمّ إليها الأدب العربيّ على نحو من حسن الاستيعاب والتذوّق ؛ فقد كان حريصاً على أن تمتدّ جذوره في أدب أمّته 0
درّس الشعر الإنكليزي سنواتٍ في كليّة الآداب ، فكان يضفي على الدرس حيوية تخرج به ، أحياناً ، من إطاره القديم ، وبيئته البعيدة ؛ لتجعله يلامس نبض طلبته في ما يرون ، ويسمعون ، ويقع عليهم 0 وإذا كان غيره من أساتذة الأدب الإنكليزي قد قصروا همّهم على تخصصهم ، ووفّروا جهدهم على قاعة درسهم ؛ فإنّه كان من قاعة الدرس ينظر إلى ساحة الأدب العربيّ 0لقد كان يريد ، منذ أن بدأ ، أن يجمع شرف الأدبين ، وأن ينظر في الأدب العربيّ بمنظار مصقول بأشعّة من الأدب الغربيّ 0
كان الأدب الإنكليزي ، بأعصره كلّها ، قد تغلغل فيه ؛ فكراً وفناً ؛ فأفضى به نحو قدر رحيب من الحريّة في الكلام ، وفي الكتابة ، وفي مزاولة تبيان ما يراه من العيوب ، والنقائص 0ولعلّه مضى مع حريّته في الكلام ، ولعلّه لم يحترس ؛ فاضطرب الحبل ، واختلّ ، وانقطع ، وخرج من الجامعة في سنة 1977 ، وبقي ، بعدها ، قليلاً في البلد ، ثمّ غادر ليستأنف شوطاً آخر من رحلته 0
كان قد أصدر " النفخ في الرماد " من بعد " البحث عن معنى " ؛ وكأنّ الذي بدأ يبحث عن معنى ، عاد ينفخ في الرماد !
أيكون عنوان الكتاب الثاني جواباً على عنوان الكتاب الأوّل ؟!
إنّ شيئاً من السَخَرالمشوب بالأسى لا يفارق صوته وهو يتحدث ، ولا يبتعد عن كلماته وهو يكتب ! غير أنّه ، مع ذلك كلّه ، صاحب عمل ، وصاحب جدّ ؛ يرى غايته واضحة ، ويسعى نحوها ؛ لا يستنفده ميدان ، بل هو في التأليف مثلما هو في الترجمة ؛ فقد شرع في ترجمة " موسوعة المصطلح النقدي " منذ أواخر السبعينيّات ، وفي عزمه أن يُتمّها بكلّ ما صدر منها في الإنكليزيّة ، وترجم قصيدة إيليوت " الأرض اليباب " ، ويسّر طريقها إلى القارئ العربيّ بالشرح والإيضاح 0 إنّ التأليف والترجمة ليسيران معاً عنده ؛ يوآزر أحدهما الآخر 0
وهو ، على علمه بالنقد الأدبي الغربيّ وبمناهجه ، وبما يستجدّ فيه ؛ لم يقع أسير حبائله ، ولم يقبل منه كلّ ما يأتي به ؛ إنّما يقف منه ، في كلّ الأحوال ، وقفة الناقد الذي يعرف ما يأخذ وما يدع .
ومطلبه الذي لا يُخلي يده منه ؛ الوضوح ، واستبانة الدلالة ، واستقامة الرؤية ؛ حتّى يستقيم الفهم ؛ يقول : ( فأنت تقرأ أفلاطون في الجمهوريّة ، أو في المحاورات ، وتفهم ما تقرأ فيلذّ لك . ثمّ تبدأ تساورك الشكوك ؛ هل أنت حقّاً تفهم ما تقرأ ، وتجد متعة فيه ؟ ثمّ تبدأ تسائل نفسك ؛ لماذا قالوا لك إنّ الفلسفة صعبة الفهم تستغلق على القارئ ؟ ثمّ تقرأ كتاباً لأحد الفلاسفة المعاصرين ؛ فلا تفهم ما تقرأ . وتعجب أن يكون فيلسوف معاصر أصعب على الفهم من أفلاطون نفسه . وأحسب أنّ الفرق بين الاثنين يقع في باب الفرق في وضوح الرؤية . فذلك يعي ما يقول ، ويقوله بكلّ تواضع ، وهذا " دماغه ملخبطة .. سمك لبن ، تمر هندي " .)
وقد كان حريصاً على شرط الوضوح في ما كتب ، وفي ما ترجم ؛ شأنه في ذلك شأن ذوي الثقافة الإنكليزية ؛ إذ يجمعهم ، في أغلبهم ، وضوح الرؤية ، وسلامة البيان عنها ؛ كمثل جبرا إبراهيم جبرا ، وعبد العزيز حمودة ، ومحمد عناني ، ومحمّد عصفور ، وآخرين .
وقد صار الوضوح مزيّة يُقدّم الكاتب بها ؛ حين فشا اختلال الرؤية ، واضطراب الكلم ؛ على أنّ الوضوح شرط قائم ، لا تصحّ الكتابة من دونه !
ومزيّة أخرى تتّصل بالوضوح ؛ بل إنّها ثمرة من ثمراته ؛ تلك أنّ طائفة من مذاهب النقد الأدبيّ واتّجاهاته ؛ قد اقتحمت الأدب العربيّ ؛ كالشكلانيّة ، والبنيويّة ، والتفكيكيّة ، وما يتّصل بها ويتفرّع عليها ؛ فأقبل عليها كثير من النقّاد ، وأخذ كلٌّ بطرف منها ؛ حتّى صار النقد عندهم إمّا أن يكون على منحى من هذه المذاهب ، أو لا يكون ؛ عدا فئة قليلة من النقّاد والدارسين اعتصمت بما لها من فكر وذوق ، ورأت أنّ هذه المذاهب كغيرها ممّا سبقها ؛ ينفع العلم بها من دون غلوّ ، وأنّ طريق الحقيقة الأدبيّة غير مقصور عليها ؛ وقد كان عبد الواحد لؤلؤة من هذة الفئة القليلة التي درست مذاهب الأدب والنقد لدى الغربيين ، وأحسنت استيعابها ؛ ولكن من دون أن تقسر الأدب العربيّ عليها قسرا.
لقد كان له من الذوق المهذّب ما يسدّد معرفته ؛ إذ هما أمران ، الذوق والمعرفة ، لا يستقيم أمر أحدهما من دون صاحبه .
ومن صنيع الذوق الممازج للمعرفة ؛ أن جعل يتخيّر لكتبه عنوانات جامعة ذات دلالة ؛ فقد بدأ بـ " البحث عن معنى " ثمّ " النفخ في الرماد " حتّى لكأنّ في العنوان الثاني إجابة عن العنوان الأوّل ! ثمّ يجيء " منازل القمر " إذ يبدأ القمر هلالاً ، ثم بدراً مكتمل الضياء ، ثمّ يأخذ بالنقصان حتّى يرجع في المحاق ؛ وكأنّه يرى للشعر منازل تشبه منازل القمر .ثمّ يأتي " شواطئ الضياع " ليدل على النقيضين معا ً ؛ فإذا كان في الشواطئ أمن وسلام وهدوء ؛ فإنّ الضياع يمحو ذلك كلّه . وتفضي شواطئ الضياع عنده إلى " مدائن الوهم " ، ثمّ " أوراق الخريف " التي لا تكون إلّا صفراء منزوعة الحياة .
ولا يخفى ما في هذه العنوانات من عروق اليأس ؛ لكنّه مع يأسه ، والرماد الذي بين يديه ؛ لا يني يعمل ؛ يكتب ، ويترجم ، ويؤلّف ، لكي يستقيم له معنى ما فتئ يبحث عنه !
ومكانته ، من بعد ، في النقد الادبي لا تشبه غيرها ، في وقفاته عند الآثار الأدبيّة ، وفي معالجته لها ؛ ذلك أنّه ، مع سعة معرفته ، يجعل من الأثر الأدبي تجربة أدبيّة له ، ويحسن الموازنة بين الذوق والمعرفة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟