الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الانقلاب العسكري والديمقراطية في تركيا

كاظم الموسوي

2016 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


شدّت ساعات الانقلاب العسكري في تركيا انتباه العالم وأطلقت التكهنات المتعددة والمتناقضة حوله ومستقبل تركيا وكشفت وجها من وجوه الصراعات الداخلية في تركيا، التي تؤكد ان الانقلاب هو راس جبل الجليد، او حالة من حالات الغضب الداخلي في بنية الدولة التركية. كيف يفهم انقلاب عسكري في نظام ديمقراطي!؟. ولماذا تجري المحاولة ويتدخل العسكر في تفاصيلها ويفشل فيها؟!, ولماذا يواصل الرئيس التركي سياساته وأهدافه قبلها وبعدها؟!. وأسئلة كثيرة مثلها وقد تعيد نفسها محملة بأخرى تتبعها، وكلها تشير الى تعقد المشهد السياسي في تركيا ودور شخص الرئيس التركي رجب طيب اردوغان فيه. مما يعني ان كثيرا من المفاهيم المتداولة بحاجة الى اعادة نظر وتفهم يتناسب مع التطورات ويضعها في موقعها الصحيح من معادلات الصراع وقيادة الشعب والدولة.
سياسات تركيا التي يقودها حزب العدالة والتنمية، ذو التوجه الاسلامي، الاخواني الصريح والمبطن، تعمل على تمكين الحزب وفكره ورئيسه على التحكم في مفاصل بلد تحكمه العلمانية الاتاتوركية تاريخيا، والتي يعتبر الجيش التركي نفسه حارسا لها ومعبرا عن وحدة الخيارات التركية الاستراتيجية داخليا وخارجيا، ومنها حماية الدستور ايضا، وهذا ما يتعارض كليا مع نهج الرئيس اردوغان وحزبه ايديولوجيا وأهدافا. وهي تدفع الى التفكير في هذه المحاولة "الغريبة" في إعدادها وانطلاقها وخططها. حيث يرى العديد من المراقبين ان ما حصل في تركيا ولاسيما بعد فشل الانقلاب يفتح ابواب تركيا لأهداف اردوغان في تشديد سياسات الاستبداد والتفرد في الحكم وإحكام قبضته وتشويه ما يدعيه هو ومن ربط مصيره به وبالديمقراطية وحكم الشعب، رغم بعض صور الحراك الشعبي، الذي له اسبابه في الرد على الانقلاب العسكري.
مثلما اثارت محاولة الانقلاب الانتباه تثير الان حملات الاعتقال في أوساط الجيش والشرطة والسلطة القضائية والتعليم وغيرها، والممارسات البشعة التي تقوم بها سلطات حكومية وحزبية ضد من يتهمون بالمحاولة وتأييدها، حيث تتزايد الاعداد يوميا ويبدو انها مفتوحة الى ابعاد كبيرة قد توصف المرحلة القادمة بها.
اشارت صحيفة التايمز البريطانية (18/7/2016) في صفحتها الأولى مصحوبة بتغطية اخبارية تابعت تطورات الأوضاع في تركيا بعد الانقلاب، الى أن الرئيس أردوغان بدأ حملة تطهير غير مسبوقة في الجيش والقضاء إثر محاولة الانقلاب الفاشلة التي فتحت أمامه "طريقا واضحا إلى السلطة المطلقة، ظل يُتهم لوقت طويل بأنه يتوق إليها". وذكرت الصحيفة ارقاما من حملة اعتقالات منذ فشل الانقلاب، شملت ضباطا وجنودا وقضاة، كما أغلقت السلطات خمسة مواقع إخبارية، مدشنة "حملة قمع جديدة على حرية وسائل الإعلام في دولة يزداد تأسلمها"، بحسب الصحيفة. وفي افتتاحيتها التي حملت عنوان "أفضل من الشيطان" قالت التايمز إن انقلابا عسكريا ناجحا ضد الرئيس التركي كان سيشكل كارثة لكن على اردوغان الآن أن يحترس من غواية ممارسة سلطة مستبدة. وترى الصحيفة أن حزب العدالة والتنمية قد جلب لتركيا قوة ورخاء واستقرارا منذ عام 2002، ولكن على حساب الحرية وحقوق الانسان، إذ طهّر اردوغان القوات المسلحة والسلطة القضائية ووسائل الإعلام للقضاء على عدد من المؤامرات المزعومة. ( اشارت وكالات الانباء يوم 7/20/ 2016 ان عدد المعتقلين بلغ اكثر من 50 الفا).
قالت وزارة الخارجية التركية (18/7/2016) إن حصيلة القتلى من جراء الانقلاب ارتفعت إلى 290 شخصا علما بأن أكثر من 100 منهم من المشاركين في الانقلاب. وأفادت تقارير بأن قوات الأمن لقيت مقاومة من بعض المشاركين في الانقلاب عند محاولة اعتقالهم. بينما تنشر الاخبار عن القبض على 8000 شخص منذ محاولة الانقلاب الفاشلة، بحسب ما أعلنه وزير العدل التركي بكير بوزداغ حتى يوم (18/7/2016) وبالتأكيد الحملات مستمرة. وكان قد توقع بوزداغ اعتقال المزيد من الأشخاص، واصفا ما يحدث بأنه "عملية تطهير"!!. (اقرأ اجتثاث كل من خالف اردوغان ونهجه ولاسيما القيادات العسكرية من " العلويين"!!)
هذه الارقام ليست قليلة بحد ذاتها، فكيف سنرى في الايام المقبلة، وهي مؤشر الى خطط عملية التطهير وروح الانتقام والعمل على تحقيق اهداف اردوغان الشخصية وحزبه في تركيا. وقد انعكست ايضا في ردود الفعل والبيانات والإعلانات الى اردوغان شخصيا من بعض ممن يدعون ارتهانهم بسياسات تركيا ومواقفها ازاء ما يجري داخل تركيا وخارجها، ولاسيما ما يتعلق بعلاقات تركيا الخارجية وأدوارها فيما يحصل من تطبيقات وخطط لا تصب في خدمة الشعب التركي. كاشفة اسرارا غير مخفية عن تلك الارتباطات وكذلك عن منهج وايديولوجية المتراهنين من كل الاطراف. ومنها ما قاله أردوغان وما تعنيه المفردات ذاتها وما تحتها كما يقال، خلال حضوره جنازة شقيق أحد أقرب مساعديه في اسطنبول: "إن عملية التطهير ستتواصل في جميع مؤسسات الدولة لأن هذا الفيروس قد استشرى. ولسوء الحظ، إنه مثل السرطان الذي تغلغل في أجهزة الدولة". وكذلك في ما وجده في الانقلاب الفاشل "هبة من الرب" منحته فرصة للقيام بتطهير داخل القوات المسلحة التركية. وكرر أردوغان اتهاماته الموجهة إلى رجل الدين، فتح الله غولن، الذي يعيش في منفاه الاختياري بالولايات المتحدة، وهو حليفه الذي ساعده في الوصول الى الحكم، مكررا ما قام به اردوغان في تعامله مع اولئك الذين دعموه، ولا يحميهم منه انكار او نفي الاتهامات الموجهة اليهم من اردوغان ومؤيديه في تركيا او خارجها.. ( وقد ترأس اجتماعات في 20/7/2016 مع القيادة العسكرية الموالية والحكومة واعلن حالة طوارئ لثلاثة اشهر والحبل على الجرار....).
في كل الاحوال هز الانقلاب الصورة التي كانت عليها تركيا، وأصبحت ما بعد الانقلاب بصورتها الاخرى، وهي التي تحكم على حكم اردوغان منذ الان، وقد تجاوز محاولة الانقلاب ولابد له من العمل في حسم خياراته الاستراتيجية ومصالح شعبه الاساسية، وإعادة النظر في السياسات التي سار عليها سابقا، ولاسيما في حقول الالغام المفتوحة والحرائق المشتعلة في المنطقة وجوارها. وما تطرح من اسئلة الاستقرار والبناء والعدالة والتنمية. التي اعلنها هو وأصحابه تسمية لحزبه الذي قاد الحكم في تركيا منذ عام 2002، ولكن صورة التنمية التي بناها حزب اردوغان لم تقترن بالعدالة من عنوانه واسمه، وها هي الان امام اختبار فعلي، تفضح سر الانقلاب المعلن ومفهوم الديمقراطية في تركيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: لم سيصوت الناخبون الفرنسيون م


.. جهود إيجاد -بديل- لحماس في غزة.. إلى أين وصلت؟| المسائية




.. السباق الرئاسي الأميركي.. تاريخ المناظرات منذ عام 1960


.. مع اشتعال جبهة الشمال.. إلى أين سيصل التصعيد بين حزب الله وإ




.. سرايا القدس: استهداف التمركزات الإسرائيلية في محيط معبر رفح