الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- رئيس الحكومة والسعادة الخاصة-

سعيدي المولودي

2016 / 7 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


"رئيس الحكومة والسعادة الخاصة"
في الكلمة الافتتاحية التي ألقاها رئيس الحكومة المغربية قبل انطلاق أشغال المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 21 يوليوز 2016، نقف على جوانب غائبة من شخصيته الحكومية "السادية" التي تتحصل لها المتعة واللذة من خلال ألم ومعاناة الآخرين، وإلحاق الأذى بهم وتعذيبهم ، ولذلك صرح بنشوة ذهبية منقطعة النظير، وبنبرة بطولية ترسم خط لحظة انتصار قارس يتحرش بالمشاعر والعواطف،إنه "يشعر بسعادة خاصة" لأنه استطاع وجوقته فرض إيقاع قانون جائر متعلق بالتقاعد، عن طريق اعتماد آليات الاستبداد والتحكم كما يردد دائما (وكل إناء بما فيه يرشح ) ويتحسس طريق القهر لملاحقة مئات الآلاف من المأجورين والموظفين، وإرغامهم على أداء ثمن السياسات اللاشعبية المتبعة على مدى عقود طويلة في هذه البلاد ، وأطلقت فيها اليد للمرابين والمضاربين وقطاع الطرق لينهبوا خيراتها، ويجعلوا منها خراجا و جرحا مفتوحا على كل الاحتمالات.
وعبارة "السعادة الخاصة" هنا لها ثقلها الدلالي ومعناها الأقرب والأبعد، فالسياق لا يتعلق بمجرد السعادة، بل هي سعادة خاصة، والخصوصية هنا لها أبعادها، إذ السعادة في ظلها لا تنطوي على المواصفات العادية المفترضة لأي سعادة، بل هي أكبر من ذلك، وتتجمع فيها خيوط وخطوط البهجة والفرحة واللذة والنشوة والاستمتاع والعزة والتحدي وألوان الظفر والفوز العظيم ، وتتحقق في مجراها دائرة الأحلام في ما لا حدود ولا نهاية له، وتنتفي البدايات والنهايات، وتتربع على مشارفها مفردات تضج بالاستهزاء والسخرية ورواسب ثقافة الاستعباد، حيث يتحرر المكبوت / الميراث القديم لنجد أنفسنا أمام غياب أو تلاشي الشخصية السياسية الواعية المفترضة في أي رئيس حكومة، لتبرز على السطح الشخصية السياسية اللاواعية التي تتنفس تحت سلطة الإحساس بالظفر والرضى، وتضع نفسها خارج أي ملامة أو نقد أو تبكيت ضمير.
ولأن السعادة، كما يقول الأخصائيون، تنتقل بالعدوى بين الأصدقاء، فإن جوقة الوزراء لم يتملكوا هوسهم وعبروا عن سعادتهم الموازية من خلال التصفيقات الذابلة التي صاحبت كلمة افتتاح رئيسهم، وبذلك أطبقوا بدورهم جفونهم على نشوة الانتصار المتدلي ومعابر الشماتة والغرور المنهك.
سعادة رئيس الحكومة لا تدع فرصة لأي بديل أو مُضاهٍ ، ولذلك يتولى تعزيز مقوماتها الكبرى بحاويات سند آخر يضفي عليها مزيدا من الشساعة والمناعة والإشعاع، ليرقى بها في المراتب،ويضيف عبارة " أدخل علي السرور" وكأني به يقول: (أنا السرور) في تلك اللحظة، وهو ما يضمر خفايا موقف متهكم من تاريخ المأجورين والموظفين المقهورين الذين قادهم بدون شفقة إلى سراديب الكرب العظيم، وتكفل بقتلهم أحياء في طريقهم للحياة.
والسعادة والسرور والتصفيق كلها علامات دالة على مقامات الذروة في الفرح والانتشاء المشحونين وجدانيا إلى أقصى الحدود. وهي بمعنى ما مؤشرات ملموسة على سلوكات ذات طبيعة "عدوانية"، تتضمن طبائع التلذذ باحتقار وإهانة الآخرين، إضافة إلى أنها دليل كراهية ضارية، تستمد مقوماتها وعناصرها من عقدة الشعور بالقوة والسيطرة والتحكم والاعتقاد بتجسيد الصواب المطلق وامتلاك الحقيقة واحتواء شروط وجودها.
لا تقف حدود السخرية ومنطق الاستعباد عند هذه الضفاف، فرئيس الحكومة يوقظ غريزة الاستخفاف وآليات السادية المتأججة ليزعم أن الشعب تفهَّم قسوته، واحتفى بضراوته وتقبَّل جوره واستطاب الفزع ونزوات القصاص المشبوهة من طبقاته وشرائحه الاجتماعية، فهل الشعب المغربي "مازوشي" لهذه الدرجة التي يقدمها رئيس الحكومة،و يعلن خضوعه لسادية الحكومة وآلامها وأوجاعها وقراراتها وقوانينها وإجراءاتها الجائرة.؟ إن هذا الزعم من التأويل باطل، وهو شكل من أشكال التمويه للتأثير على إرادة الشعب وترهيبه بطريقة مواربة لحمله على عدم التصدي للشر وعدم مقاومته أو مواجهته له، مما سيسهم في خلق سياق إرغامنا على الاستسلام لمنطق ( من لطمك على خدك الأيمن فحول الآخر له أيضا" وهذا على ما يبدو جزء من استراتيجية الحكومة لتمرير ضرباتها، خاصة وأن صفعاتها ولطماتها وأوجاعها قد تتجاوز كل الخدود وتطال كل الجوارح وأعضاء الجسد جميعها.
في صيغة " تفهم الشعب المغربي" نبرة احتقار وإذلال واضحة، ولذلك لا يمكن أخذها على محمل الجد في هذا السياق، خاصة وأن القوانين المتعلقة بالتقاعد تتضمن ،باعتراف رئيس الحكومة ذاته، إجراءات جائرة مؤلمة وقاتلة، وتشكل بالملموس اعتداء على قيم المواطنة وحقوقها، ولا تجسد غير تنفيذ أعمى لإملاءات الهيئات المالية الدولية التي تتحكم في اختياراتنا الاقتصادية وتقف الحكومة على أبوابها تتسول قروض الهلاك المبين. ومن الطبيعي أن ندرك معنى الإشادة الفائقة لرئيس الحكومة بوزرائه واحدا واحدا،وبرؤساء أغلبيته الرجعية التي يقودها، ونوابها ومستشاريها، لأن هذه الأطراف جميعها ووحدها تتحمل مسؤولية إغراق المأجورين والموظفين العموميين في دوامات جحيم تقاعد لا يشكل إلا وجها من الموت البطيء الذي رسمت تضاريسه ، وجعلت منه كابوسا يقود بالدقة المطلوبة إلى دورة الحياة الآخرة.
والأصوات الباهتة القليلة التي ناضلت ورابطت من أجل تمرير القانون المذكور في غرفتي البرلمان ، مؤشر حقيقي على أزمة التمثيلية في بلادنا ، وأزمة التشريع أيضا، إذ كيف يمكن، مثلا ، الاطمئنان إلى أن مشروع قانون تم التصويت عليه من طرف ثلاثة أو خمسة نواب أو أكثر بقليل يمتلك المشروعية والقوة التشريعية الفعلية والحقيقية. والأمر في النهاية يتعلق باختيارات الأغلبية السياسية والاجتماعية والاقتصادية وهي التي تتحمل مسؤولية هذه الاختيارات، ولا يتعلق الأمر باستفتاء لكي نقحم الشعب المغربي أو نقول، بهتانا، إنه صاحب الاختيار.
وفي ما يشبه استثارة هواجس "الخوف الجماعي" يشير رئيس الحكومة في السياق إلى ما سماه انتصار المصلحة الحقيقية واضمحلال كل التخوفات، ومفهوم المصلحة الحقيقية غير دقيق وغير ذي معنى في الواقع، عدا إذا كان الأمر يتعلق بمصلحة خاصة هي مصلحة الحكومة وأغلبيتها، ولذلك فإنه بحاجة إلى تدقيق ويستوجب الوصف والدراسة واستكشاف كثير من جوانبه، وإلا فإنه سيظل مجرد إطلاق أو تعبير عشوائي يفتقد الكثير من مقوماته الدلالية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وليس مستبعدا أن يكون رئيس الحكومة احتمى بصيغة التعويم والتعتيم لتصريف المفهوم وضمان بعض جاذبيته على مستوى التأثير. ويتصل بالسياق ذاته الحديث عن الأمن والاستقرار وفضل الله في هذا الشأن، وهو حديث يتضمن على مستوى السطح دلالات على المن والأذى، ووعيدا مبطنا على مستوى العمق.
تكتمل دائرة السعادة والسرور لدى رئيس الحكومة حين يقول بمزيد من الانتشاء إنه " أزاح عن قدم الدولة شوكة مزعجة..) وتوظيف قدم الدولة له مدلوله الفعلي السياسي ، فهو مؤشر (رمز) على قوة وسيطرة الدولة، وفي الوقت ذاته يحيل إلى الردع والقمع والقهر، كما يعكس نبرة إحساس فائض بالانتصار والاعتزاز بالذات. وما تخفيه لغة المباهاة والافتخار هنا هو أن الحكومة أزاحت الشوكة عن قدم الدولة لتضعها في أعين المأجورين وعموم الموظفين وتغلق أمامهم باب الرؤية وباب الحياة وباب الأمل وباب الإحساس بالوجود وقيمته. وعلاوة على هذا فإن رئيس الحكومة لم يكلف نفسه عناء إبراز أو فضح من شاك هذه الدولة أو أدخل الشوك في قدمها ومن نهب وما يزال ينهب عرق وتضحيات المأجورين ويمتص دماءهم عبر عقود متوالية من السنين. السياق بوضوح يحيل إلى أن الشعب وفئات المأجورين هم من شاكوا الدولة أو أدخلوا الشوكة في قدمها. وهذا منطق فاسد بالضرورة. ويحيل السياق كذلك إلى السعادة الخاصة التي يمكن أن تغمر الدولة وأقدامها، مثلما يكرس في نفس الوقت آليات إدراك دورها كرادع ويبرر الانحياز والانتصار لسطوتها وكيانها القمعي.
إن كلمة رئيس الحكومة في الواقع تحمل معالم دلالية استفزازية، وتهيمن عليها لغة التباهي بالقوة والهيمنة والتسلط والتحكم، وهي مشوبة أيضا بدلالات مشحونة بقيم السخرية والاستهزاء والازدراء، في مقابل التظاهر بمظهر المنتصر والغالب الذي لا يقهر، وهي أقرب إلى خطاب التشفي والانتقام أكثر مما تعبر عن موقف سياسي ناضج ومتزن.
***
في النهاية إن التلذذ بألم وجراح المأجورين وعموم الموظفين، يؤكد بقوة أن الحكومة الرجعية الحالية تقود تجربة الجحيم في هذه البلاد، فليتبوأ كل منا مقعده في هذه النار.

سعيدي المولودي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و