الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في إنسانية المسرح الجامعي

عبد الناصر حنفي

2016 / 7 / 28
الادب والفن


هناك شيء ما شديد الإنسانية والأصالة في أغلب عروض المسرح الجامعي، فبغض النظر عن نوعية الدراما، أو المستوى الفني لتلك العروض، فعادة ما تجد فيها شبابا يتعثرون في ذواتهم، أو يصطدموا بها، أو يكتشفوا جانبا منها.
فبالنسبة لهؤلاء الشباب ليس المسرح سوى جزء من سياقات أوسع يعبرونها في رحلة خروجهم إلى العالم، ولذلك فأيا كانت درجة إندماجهم وتناغمهم كمجموعة مسرحية، وايا كانت درجة التزامهم دراميا، فإن كل هذا قد يذوب وينمحي فجأة في مواجهة لحظة يقبض فيها أحدهم على بزوغ ما يخصه بحيث تستغرقه حالة من الانخطاف الكامل التي تطيح به خارج عالم الدراما تماما وتجلبه إلى حيث يتطابق مع ذاته، وهو ما قد يفجر فيض من الطاقة التي سرعان ما تلتف حول نفسها، لتنثر حالة من الحضور الجاذب والمبهج، بحميميته المعدية العصية على أغلب الممثلين المحترفين.
لحظة كهذه قد تنتهي بابتسامة واهية تحاول ملاحقة تلك الدهشة التي تفر من صاحبها لتستعرض وجودها الخاص، مثلما قد تنكمش ببطء أمام عتبات مقاومة خجولة تحاول تجاهل حضورها الذاتي، أو قد تتعثر في مواجهة وعي مرتبك ينازع انكشافه الذي أفقده سريته الواجبة، أو -وهذا هو الجمال الخالص- تستهل اندفاعا بلا حواجز تجاه ما أصبح -الآن فقط- متاحا وممكنا!


وهذه اللحظات القصيرة الخاطفة تقدم لنا في عبورها صراعات حقيقة قادرة على أن تلمسنا وأن تورطنا في نزاعاتها الأصيلة والأولية فيما تمرق تجاه مصائرها الحاسمة، وذلك على نحو قد لا يتأتى لمجمل المسارات الدرامية في العرض، وبالطبع فهذه اللحظات لا ينحصر ظهورها في عروض المسرح الجامعي فحسب، وإن كانت أكثر إنتشارا وتكرارا في تلك العروض بحكم تركيبتها الشبابية الغضة، والتجدد شبه الدائم تقريبا لعناصرها.
ولكن ما هو جمالي، وضمنه ما هو مسرحي بطبيعة الحال، لا يكاد يستهدف شيئا ارقى وأعمق من الانفتاح على العالم عبر انكشاف ما هو إنساني، واستجلاب ما يخصنا إلى حالة الحضور، وليس بالضرورة أن ينحصر استشراف هذه الأهداف وتحققها عبر "العمل الجمالي" المركب والمتكامل طبقا لنظرية الأنواع الجمالية، فمثل هذه اللحظات الطارئة التي يقدمها لنا هؤلاء النبلاء الصغار عبر تصدع علاقتهم بالدراما والعالم معا، هي في النهاية مجرد حالة من حالات الفعل الجمالي -الذي يتعالى على كل ما هو فني- والذي ينبثق على نحو لا ينقطع أبدا من تصدعات ما هو يومي وحياتي، وما قد يحجب هذه الأفعال أو الوقائع الجمالية عنا هو تبلد أو جمود الوعي الحسي الناتج عن الارتكاس أو النكوص والإذعان إلى قوالب ومصكوكات الخبرة المعاشة.
غير أن ضعف الاستجابة للفعل الجمالي لا يعني شيئا اقل من الانغلاق أمام انفتاح العالم، وأمام ما يتكشف فيما هو معاش، أي أنه في النهاية يمثل قيدا وعبودية ذات طابع نيتشوي في علاقتنا بذاتنا واستجابتنا للحياة والعالم ولما هو آخر، مثلما يحد من أفق مسئوليتنا عن مواجهة مصائرنا، وفي هذا الإطار ستبدو تلك اللحظات التي حاولنا هنا رصدها بمثابة إنتهاك عنيف أو على الأقل إزعاج مقلق وغير مبرر لهذ الانغلاق الذي يؤكد نفسه أمامها، وهو ما يصل بنا إلى جوهر ما هو إنساني فيما يقدمه لنا شباب المسرح الجامعي، والذي إما أن يكشف عن إنسانيتنا ومدى تجاوبها أمام ما هو جمالي في صورته الأولية، أو أن يسائل انغلاقنا ويضعه أمام إحراجاته، وبالمقابل يضع نفسه هدفا لمحاكماتنا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا